"الوطن الأزرق".. خطة أردوغان لتغيير خارطة البحر المتوسط

عربي ودولي

بوابة الفجر


خريطة جديدة يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لترسيمها بالبحر المتوسط ليضمن الحصول على أعلى نسبة من المكاسب المتعلقة بالتنقيب عن الغاز وتوسيع الإمبراطورية العثمانية التي يرغب باستعادتها.

وبدأت تتجلي تلك الخريطة بعد أن وقع اتفاق الصخيرات الأربعاء الماضي، والذي ضم مذكرتي تفاهم حول التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، والسيادة على المناطق البحرية الليبية.

ردود أفعال
بمجرد أن تم الاعلان عن الاتفاقية، سارعت العديد من الأطراف للإعلان عن رفضها، فأوضحت مصر في بيان لوزارة الخارجية أن الاتفاق غير شرعي ومن ثم لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أية أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أي تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط، أو منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط، في حين أكد وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، على أن الاتفاق يتجاهل وقوع جزيرة كريت اليونانية وجزر أخرى بالكامل بين ليبيا وتركيا في المتوسط، ووصفه بأنه غير مقبول.


واستدعت وزارة الخارجية اليونانية السفير التركي لديها للتعبير عن إدانة الاتفاقية وللتشديد على أنها انتهاك لسيادة الدول، وأدان مجلس النواب الليبي الاتفاق وقال إنه يمثل انتهاك صارخ للسيادة الليبية لأنه يتيح لتركيا استخدام الأجواء الليبية وكذلك البرية والدخول للمياه الإقليمية من دون أخذ إذن من الجانب الليبي، وكذلك إنشاء قواعد عسكرية في ليبيا.

قانون البحر
الدكتور عبد المنعم سعيد قال إن معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحر، والتي دخلت حيز التنفيذ في 16 نوفمبر 1994، وقعت عليها60 دولة، ولكن إسرائيل وتركيا لم يوقعا عليها، مبينا أن الحدود في البحر المتوسط أكثر تعقيدا حيث تتداخل الحدود البحرية المصرية مع فلسطين وإسرائيل وقبرص واليونان ولبنان وسوريا وتركيا، وفى مثل هذه الحالة فإن معاهدة قانون البحار تضع قواعد رسم الحدود التى على أساسها تقوم الحدود البحرية لكل دولة مقاسمة مع الدول الأخرى.

وقال إن الاتفاقية وضحت حدود كل دولة، وأكد على ذلك مدير عام مركز الأمة للدراسات الاستراتيجية والباحث الليبي محمد الاسمر، والذي أوضح في تصريح للفجر أن تركيا والاخوان المسلمين في ليبيا الذين يسيطرون على حكومة الوفاق، يتعمدون التحايل على قانون البحار الدولي والاتفاقيات الاقليمية المنبثقة عنه، فلم يصدر الى اليوم من الجانب التركي بيان توضيحي حول ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين تركيا وليبيا وخاصة أن جزيزة كريت اليونانية تقع في هذا المجال، وبالتالي تطلب اليونان توضيحا قانونيا بحيال ذلك.

كواليس الاتفاقية الغير شرعية
الأسمر بين أن تركيا عرضت توقيع تلك الاتفاقية في نوفمبر 2018، وأعيد نقاشها في 5 يوليو الماضي، مبينا أن كل تلك المحاولات تبقى حبرا على ورق، لأن حكومة السراج ليس من حقها توقيع مثل تلك الاتفاقيات بناء على المادة 17 من الاعلان الدستوري والفقرة "ج" من البند الثاني للمادتين 8 و14 من الاتفاق السياسي المبرم في الصخيرات، وكذلك المواد الـ19 حتى 25 من الاتفاق تؤكد أن حكومة الوفاق تختص فقط بنقاش تلك الاتفاقيات وتقديمها كمشروع لمجلس النواب والذي بدوره قد يوافق أو يرفض.

مكاسب تركيا من الاتفاقية
الصحفي والمتخصص في الشأن الليبي حسام عماد، بين للفجر أن تركيا تسعى لاستغلال حلفائها (حكومة الوفاق) من أجل السيطرة على غرب ليبيا، مستفيدة من الاعتراف الدولي لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، مبينا أن أردوغان يبحث عن مكاسب الغاز المكتشف حديثا في شرق المتوسط عبر دس نفسه وسط اليونان وقبرص ومصر، مدعيا محافظته على حقوق شمال قبرص التي تضع تركيا يدها عليها منذ احتلالها عام 1974، وبين أن الاتفاقية بمثابة تنازل من حكومة غرب ليبيا عن حقوق بلادها في الغاز أو على الأقل تفويض تركيا لإدارتها، وهو ما يزيد من حصة تركيا من الغاز حيث تحتاج أنقرة وفق إحصائيات تركية (نشرت عام 2015 رسميا) إلى 72 مليار مكعب من الغاز خلال العشر سنوات المقبلة.


 وأشار إلى إعترف الأدميرال التركي، جيهات يايشي، في يوليو الماضي عن مخطط تركيا العسكري لنهب ثروات المتوسط، في حلقة نقاشية عقدتها جامعة أنقرة، قائلًا: "تهدف اليونان وقبرص إلى أن تنحصر المناطق الاقتصادية الخالصة التركية على خليج أنطاليا، لذا يجب على تركيا كدولة ساحلية تمتلك أطول شاطئ في شرق البحر المتوسط، ألا تتخلى أبدا عن حقوقها وحقوق شمال قبرص، وعلى أنقرة أن تعلن عن مناطقها الاقتصادية الخالصة دون تأخير، ثم توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا"، ويعني ذلك أن تزيد مساحة المنطقة الاقتصادية لتركيا إلى 189 ألف كيلو متر مربع وتضيق المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص واليونان.

مشروع الوطن الأزرق
وبين عماد أن أردوغان يسعى لتحقيق حلمه القائم على استعادة الأمبراطورية العثمانية، التي كانت مهتمة للغاية بالصف البحري، لذا يسعى إردوغان إلى السيطرة أو على الأقل ضمان تواجد قوي في البحار الثلاث إيجة والبحر الأسود وشرق البحر المتوسط من أجل تحقيق مصالح اقتصادية وجيوسياسية خطيرة للغاية، ويعرف بمشروع " الوطن الأزرق".

وأوضح أن الاتفاقية تأتي بعد أسبوعين من خطاب تركي إلى الأمم المتحدة، قدمت فيه أنقرة مشروع "الوطن الأزرق"، والذي طالب فيه أردوغان بمناقشة كيفية ترسيم الحدود البحرية في المنطقة غرب جزيرة رودس اليونانية بالمتوسط، ونشر موقع الرئاسة التركية الرسمي، في سبتمبر الماضي، صورة لأردوغان وخلفه خريطة توضح ما تطلق عليه أنقرة "الوطن الأزرق"، وتمتد فيه الحدود التركية لـ462.000 كيلومتر، البحر المتوسط لتشمل الجزء الشرقي بكامله من بحر إيجه، وكذلك جزر ليمنوس ولسبوس ورودس وشيوس، وعلقت عليها اليونان وقتها بأنها محاولة للاستفزاز.

خطورة الاتفاقية والاجراءات اللازمة لمواجهتها
وتكمن خطوة الاتفاقية، وفقا للأسمر، في استباحة المياه الاقليمية الليبية بالبحر المتوسط وتدعم التواجد العسكري للمليشيات في ليبيا، كما أنها تهدد أمن مصر بالدرجة الأولى ثم جميع بلدان البحر المتوسط، مبينا أنه يجب تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك المبرمة سنة 1978 ومصر وليبيا أعضاء بها، وكذلك دعم التقاضي الدولي طعنا في هذا الاجراء والتنسيق مع مجلس النواب الليبي بشأن الأمر، وهو ما شدد عليه مستشار الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي السابق، بقوله إن الاتفاقية غير شرعية لأن حكومة السراج لم تنل الثقة، وأوضح أن الاتفاقية ما هي إلا عدوان تركي على الأراضي اليونانية والبحر المتوسط والمضي بها بمثابة إعلان حرب.