تل أبيب وسط الإعصار السياسي.. هل سيفقد نتنياهو منصب رئيس وزراء إسرائيل؟

عربي ودولي

نتنياهو
نتنياهو



دخلت إسرائيل في دوامة سياسية جديدة، مع فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تشكيل الحكومة لثاني مرة، وإدانته رسميًا من قبل المدعي العام الإسرائيلي في قضايا فساد، بل قبل بانتخابات داخلية في حزبه "الليكود" تضع رئاسته للحزب في مهب الريح، مما يضع تل أبيب في مواجهة عدد من الطرق والتساؤلات، فهل سيبقى نتنياهو رئيس للوزراء رغم قضايا الفساد؟، وكيف سيرحل؟، هل سيطاح به من رئاسة الليكود؟، أم سيقوم الناخبين بهذا الدور بصناديق الانتخاب، وحال رحيله بعد 10 سنوات متوالية بمنصبه من سيكون البديل؟.

نتنياهو وملفات الفساد
بدأت أزمة "نتنياهو" الحالية عندما أعلن المدعي العام الإسرائيلي، توجيه اتهامات لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وشملت هذه الاتهامات "الفساد والرشوة وخيانة الأمانة"، مما فتح الباب أمام تساؤلات بقائه كرئيس للوزراء مع تلك التهم.

هذا وكشف الكاتب والأديب الإسرائيلي إسحاق بن نير، الحاصل على جوائز (رمات جان، وأجنون، وبرنشتاين، وجائزة رئيس الوزراء للكتاب العبريين)، أن نتنياهو أصبح مصاب بجنون العظمة؛ حيث يواجه المساءلة القانونية بتخويف الرأي العام، مكررًا عبارات "ملوثة" و"استجواب المحققين"، وأن ما فعلوه كان "محاولة للانقلاب على رئيس الوزراء"، والكثير من الاتهامات الثقيلة التي يرسلها إلى المعتدين عليه مثل (إيهود باراك، مكتب المدعي العام، العرب، الإعلام، الشرطة، الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة).

وتسائل بن نير، عن حقيقة اتهامات "نتنياهو" لهؤلاء السياسيين وتصويرهم على أنهم يخططون باستمرار تجهيز الملفات ضده، وهو الذي عينهم في مناصبهم، كما أنها تتنافى مع "الدولة هي أنا" وأنا "السيد الأمن"، "قائد آخر" و "زعيم ومستشار عالمي"، كل الأنسجة الاقتصادية والإعلامية والاجتماعية والشخصية التي لمستها.

واتهم الأديب الإسرائيلي "نتنياهو" بالغطرسة، مثل (توأمه السياسي والأخلاقي دونالد ترامب)، فإن الإثنان يواجهان تهمة "الاحتيال"، موضحاً أن نتانياهو تلك المرة لن يتمكن من إبادة نصف المصوتين، ولن يكون قادرًا على إنتاج الحرب لتبييض مواقعه. 

سيناريو بقاء نتانياهو
لا يزال الكثير من الأوراق السياسية المؤثرة تتجه بقوة لدعم نتنياهو، وخاصة في اليمين المتشدد؛ حيث أعلن العديد من الحاخامات في إسرائيل، مثل: الحاخام زفي تاو، رئيس جبل مور يشيفا، والذي قال لتلاميذه "كل يهودي لديه ذهن وعقل شجاع، يجب أن يذهب إلى مظاهرات دعم نتانياهو"، وحذا حذوه العديد من الحاخامات مثل حاييم دروكمان، رئيس استوديوتي يشيفا "إحدى المدارس الدينية بإسرائيل" وغيرهم، وفقًا لما ذكره الموقع الإسرائيلي المتشدد "كيبا"

ووصف أستاذ للغة العبرية بجامعة عين شمس عمرو زكريا، المشهد الحالي للحياة السياسية في إسرائيل، بـ "الصورة مضربة بشكل كبير حتى على المحللين الإسرائيليين"، مشيرًا إلى أن المشكلة لم تعد نتنياهو كشخص، وإنما في من يأتي بنتنياهو وهو الناخب الإسرائيلي؛ حيث أن معظم الناخبين الإسرائيليين يصوتون  لنتانياهو واليمين المتشدد، والدليل على ذلك أن "بيني جانتس" كلفوه بتشكيل حكومة ولم يستطيع تشكيلها، وعلى الجانب الآخر فإن رئيس الوزراء لا يريد أن يترك الحكم ويظل يحيك ألاعيب ليظل متشبثًا به.

وقال زكريا لـ"الفجر"، بالرغم من أن نتنياهو لا يملك أي ورقة رابحة تؤهله للإستمرار في منصبه، لكنه يبحث عن أي ثغرة سياسية تمكنه من البقاء والإستمرار في الحكم، ولكنه يريد أن يستمر في الحكم حتى يمرر قانون يعطيه حصانة أو يمنعه من الملاحقة القضائية عند خروجه من رئاسة الوزراء.

"المشهد السياسي الحالي في إسرائيل يتجه لبقاء نتانياهو"، بتلك الكلمات رجح رئيس الاتحاد النوعي للإعلاميين وخبير الشؤن الإسرائيلية ياسر طنطاوي، بقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي لفترة جديدة، مبينًا أن هناك الكثير من الأدلة والمؤشرات على ذلك، وأولها تجارب نتنياهو السابقة، بأنه في كل مرة كان قاب قوسين أو أدني من الإطاحة به، وتقديم تشكيل الوزارة لجانب آخر، ولكن ينجح نتنياهو في تشكيلها ويظل في موقعه كرئيس للوزراء.

وأكد طنطاوي في تصريحات لـ"الفجر"، على أن الدعم الأمريكي القوي لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خاصة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ حيث يقوم بإصدار قرارات تصب في خدمة الجانب الإسرائيلي علي حساب العرب، ولم يتوقع الإسرائليين أنفسهم الحصول عليها وإصدارها في وقت الانتخابات، مثل (قرار ضم الجولان إلي إسرائيل، ونقل السفارة الإمريكية إلي القدس، وقرار ضم المستوطنات إلي إسرائيل)، خاصة مع علاقة الصداقة التي تربط صهر الرئيس الإمريكي كوشينر بنتنايهو، ولذلك يقوم ترامب بإنقاذ نتنياهو في الرمق الأخير.

وأضاف طنطاوي، أنه قد يكون المشهد السياسي الحالي دعاية إنتخابية للضغط على ترامب، وإشعاره بالخطر من أن نتنياهو سينتهي سياسيًا؛ لدفعه تقديم تنازلات وقرارات سياسية لإسرائيل، لم يكن مسموح بها في الماضي.

وأردف خبير الشؤن الإسرائيلية، بالرغم من إخفاق نتنياهو في المرتين السابقتين في تشكيل الحكومة، إلا أن الرئيس الإسرائيلي يكلفه مرة تلو الأخرى، وهذا يدل على "تمسكهم به"، وأنه يرى أن نتنياهو هو رجل المرحلة وأنه قادر على الحصول على أكبر مكاسب لإسرائيل، وأنه لم يحن تغييره برجل آخر، كما أن هناك تخوف من إشراك العرب في الحكومة أو القبول بطلباتهم، ولذلك فالجميع يريد إبقاء نتانياهو.

"يبدو أن نتنياهو له أصول عربية فهو متمسك بالكرسي بقوة"، بتلك الكلمة وصف محمد كريم الأسير الفلسطيني المحرر، جهود نتانياهو للتشبث بالسلطة، وذلك عن طريق الهروب إلي الأمام فممكن أن يصدر أزمته بحرب علي غزة، ومن ثم انتخابات ويظل بالكرسي.

وأكد كريم لـ"الفجر"، على أن نتنياهو "داهية سياسية"، وليس من الغريب أن يفلت من الإتهامات المقدمة له حاليًا ويظل علي الكرسي، فهو يهاجم المنظومة ويشكك بنزاهة أركان مؤسسات الدولة الجهات القضائية (القضاء) والجهات التنفيذية (الشرطة)، عندما يتهم المدعي العام بتلفيق تهمة كاذبة لرئيس الوزراء والشرطة بتهديد الشهود على الأدلاء بشهادات ضده.

الإطاحة بنتنياهو في "الليكود"
قبل نتنياهو الطلب، الذي تقدم به النائب في الكنيست والوزير السابق جدعون ساعر، حول إجراء إنتخابات داخلية في حزب الليكود لإختيار رئيس للحزب، والتي ستكون انتخابات تمهيدية تحدث خلال الأسابيع الستة القادمة.

وكشف موقع الإسرائيلي المتشدد "كيبا"، عن أن إستطلاعات الرأي توضح دعم 40٪ لجدعون سار في انتخابات  الليكود، وبناء على ذلك سيفوز نتنياهو في الانتخابات التمهيدية للحزب بفارق 13٪؛ حيث سيحصل على 53 مقابل 40 لصالح ساعر.

"نتنياهو لم يعد مشتبهاً به وإنما أصبح متهما بملفات فساد"، بتلك الكلمات وصف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي، والقيادي بحركة فتح الدكتور أسامه شعث، مبينًا أن ذلك يعني أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيرحل عن المشهد السياسي في تل أبيب. 

وأوضح شعث لـ"الفجر"، أن التهم الموجهة لنتنياهو أضرت بسمعته مباشرة وألحقت ضررا بحزبه اليميني الليكود؛ حيث بات مستقبل حزب الليكود المتطرف ومستقبل الكيان في الفترة القادمة "مرهون بوجود نتنياهو" على رأس الحزب أو عدم وجوده، فلطالما نتنياهو على رأس حزب الليكود فإن مكانة الحزب الشعبية ستتراجع لصالح حزب (أزرق أبيض)، بينما خروج نتنياهو من رئاسة الحزب ربما سيسهم بتشكيل حكومة موسعة بين "الليكود" و"أزرق أبيض" وبعض الأحزاب. 

وأضاف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي، إنه بعد صدور لائحة اتهام ضده ذهب نتنياهو لتجديد رئاسته لحزب الليكود، أملاً منه بالضغط على منافسه بيني جانتس وحزب أزرق أبيض، للقبول بحكومة مشتركة وإلا الذهاب للانتخابات للمرة الثالثة.

بينما يرى زكريا، أن الإطاحة بنتنياهو من داخل الليكود، ستحل الأزمة ويمكن لجانتس تشكيل حكومة مع ساعر أو أي شخص آخر داخل الليكود، لأن نتانياهو يمثل بالنسبة للشارع والسياسيين على حد سواء متهم، فالأزمة في نتنياهو ولكن يمكن بعد تنحيه أن يظل الليكود هو الفائز أو على الأقل مشارك في تشكيل الحكومة.

الإنتخابات أكشن ثالث مرة
بينما لا يزال يلوح في الأفق خيار آخر ألا وهو صندوق الإنتخاب للمرة الثالثة، إذا أخفق نتنياهو في تشكيل الحكومة، ويشير استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة "معاريف" العبرية، إنه حال الذهاب إلى صندوق الإنتخابات مرة أخرى سيتقدم حزب "أزرق أبيض" الوسطي برئاسة بيني جانتس على حزب "الليكود" اليميني برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ حيث سيحصل "أزرق أبيض" على (35) مقعدا مقابل (33) لحزب الليكود، بينما في حال وصول ساعر لرئاسة الليكود فستقل مقاعده إلى (31) مقعدا، ولكن في المقابل يرفع كتلة اليمين إلى (56) مقعدا، مقابل (54) في حال استمرار نتنياهو كرئيس للحزب.

ولخص زكريا الحل عند اللجوء للصندوق للمرة الثالثة بطريقتين، (إما في حكومة وحدة وطنية بين الليكود وأزرق وأبيض) أو (تشكيل ليبرمان لحكومة مع بيني جانتس)، ويخضع الأخير لشروطه.

وأشار أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس، إلى أن الأزمة لا تعدوا رحيل نتنياهو فقط، لأن الليكود هو أكبر كتلة يمينية واليمين إنعكاس للناخبين، والشعب الإسرائيلي أصبح يميني حتى أنه كلمة يساري أصبحت سبة في إسرائيل وتساوي "إخواني" في مصر، ولايوجد حاليًا يسار أو حتى يسار وسط، إنقطع رزقهم في إسرائيل. 

بينما إشار شعث إلى أن القائمة العربية المشتركة، لها دور محوري في هذا الكنيست المعقد إذ يمكن لـ"بيني جانتس" تشكيل حكومة دون الحصول على أصوات اعضاء القائمة العربية، وعلى الجانب الآخر نجح ليبرمان بإضعاف نتنياهو وإحراجه ووضع شروطه اليمينية للدخول في حكومة مع نتنياهو، وهذا مستحيل حدوثه لأنه يوضع نتنياهو في مأزق، إما التحالف مع ليبرمان أو التحالف مع اليمين وخاصة حزب شاس.

بيني جانتس كبديل لنتنياهو
بينما قالت ريدل عميران، إنه بطريقة أو بأخرى يقترب نتنياهو من نهاية حياته السياسية، ولكنه لا يزال ينتظر النظام السياسي والقانوني، الذي سيُظهر له المخرج النهائي، مشيرة إلى أنه بالنسبة إلى ناخبيه ومعجبيه، هذه ليست بالأيام البسيطة بالنسبة لشخص كان رمزا لهم لسنوات عديدة يتم إخراجه من المسرح كمدعى عليه في جرائم خطيرة.

وأكدت عميران عبر مقالها في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أنه لعب النظام القانوني لصالح المعسكر المعاكس، رغم أنه لاعب محايد في المجال الديمقراطي، مشيرة إلى أن معسكر يسار الوسط ينتظر هذه اللحظة لفترة طويلة، لأنه لسنوات عديدة حرض رئيس الوزراء ضد هذا المعسكر، واستخدم كل التلاعب المحتمل لتقويض شرعية ممثليه، ولكن تغير المشهد اليوم حيث أصبح فإن حجج أمناء بيبي مثل (إيريز تادمور، ميكي زوهار، ميري ريغيف وأمير أوهاانا)، أصبحت الآن تبدو أيضًا للعديد من اليمينيين غير مقنعة.

وأردفت عميران، أنه تتمثل المهمة الثانية لليسار والمركز، عند التفكير في اليوم التالي لحكم نتنياهو، في نشر خطط حديثة ستعيد ثقة الجمهور في كل من سيادة القانون والحلول الاقتصادية والاجتماعية، التي يقدمها هذا الفريق، بمعنى آخر، يشارك أكثر في المحتوى والجوهر المقدم إلى الناخب وعدم التركيز فقط في الصراع السياسي.

وبين زكريا، أن جانتس ممكن أن يكون أكثر مرونة في المفاوضات مع العرب، ولكن تاريخه في السياسة ومنها رفض حق العودة والقدس بالنسبة لهم عاصمة لإسرائيل، وعلى الفلسطينيين إما أن يقدموا تنازلات، أو حل السلطة الفلسطينية، فستضطر إسرائيل أن تتقبل بالفلسطينيين كرعايا أو تتنازل من أجل إبقاء السلطة قائمة. 

كما أوضح كريم، أن جانتس ونتنياهو وجهان لعملة واحدة، والأخير ينتظر أي فرصة لسقوط نتنياهو، ويختلف أسلوب جانتس من مجرمين حرب 2014 على غزة، والخبرة السياسية عنده أقل من نتنياهو فهو عمل رئيس أركان الجيش.

ويتفق في ذلك شعث، بأن سياسة بيني جانتس لاتختلف عن نتنياهو، لجهة الصراع ورويته لملفات الصراع، لكنها ستختلف عن سياسة نتنياهو الداخلية في تعاملها مع الفلسطينيون العرب.