مظاهرات إيران.. من ارتفاع البنزين إلى العد التنازلي لحكم "خامنئي"

عربي ودولي

المظاهرات الإيرانية
المظاهرات الإيرانية



لم تلبث أيام قليلة على القرار الإيراني برفع أسعار البنزين حتى تحولت المدن الإيرانية إلى ساحة مشعلة؛ حيث خرج الآلاف من المتظاهرين في الشوارع منددين بالقرار، وبعد ساعات تحولت الهتافات إلى إسقاط نظام الملالي، فهل تنجح الحناجر والحشود في إسقاط النظام الإيراني كما جائت به إلى سدة الحكم.

أسباب التظاهرات
"هذه المرحلة الجديدة من الانتفاضة تظهر أن الوضع في إيران لن يعود إلى ما كان عليه على الإطلاق"، بتلك الكلمات وصف موسی أفشار عضو لجنة‌ الخارجیه للمجلس الوطنی للمقاومة‌ الإیرانیة، سرعة إنتشار المظاهرات المطالبة بسقوط النظام الإيراني، مبينًا أنه على الرغم من علم النظام المسبق واستعداده للتعامل مع ردود الفعل المحتملة لقرار رفع سعر البنزين، وتفاجیء النظام من مدی غضب المجتمع والواقع المتفجر فیه.

وأكد أفشار، على أن هذه الحقيقة تشير إلى أن التوازن بين الشعب والمقاومة الإيرانية والنظام في حالة من الالتفاف والدوران؛ حيث اشتعلت المظاهرات مع رفع أسعار البنزين، لكن خلال ساعات تحولت إلى انتفاضة عامة، موضحًا أن للاحتجاجات خاصية مزدوجة: كانت جميع طبقات المجتمع متواجدة، وخاصة الفقراء، وفي الوقت نفسه كانت الانتفاضة تتمتع بخاصية التنظيم؛ حيث أقر مسؤولو النظام مرارًا وتكرارًا بدور معاقل الانتفاضة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق في هذه الأيام.

اغتيال شاعر
"الأسباب التي أشعلت الانتفاضة في جغرافيا إيران تختلف من منطقة لأخرى"، بتلك الكلمات أوضح عارف الكعبي، رئيس اللجنة التنفيذية لاستعادة شرعية الأحواز، وحفيد أخر أمراء دولة الأحواز، مبينا أن المظاهرات اندلعت في الأحواز عقب إغتيال الشاعر الوطني حسن الحيدري، فانتفض الشارع الاحوازي، وطالب بالانتقام من قتلة الشاعر وهم بالطبع جهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني، وهي مستمرة منذ اسبوعين زواجها الحرس الثوري والباسيج "الحشد الشعبي الفارسي" بالحديد والنار.

وأكد الكعبي لـ"الفجر"، على أنه تجاوز عدد الشهداء أكثر من 165 شهيدا وآلاف الجرحى والمعتقلين، الذين ملئوا سجون إيران، وبعدها الحكومة اتخذت قرارها برفع سعر البنزين من 10 آلاف إلى 30 الف تومان للتر الواحد، فانتفضت المدن الفارسية مثل أصفهان وطهران والاحواز، وواصلت مدن الأحواز انتفاضتها التي انطلقت قبل القرار.

الشعارات والمطالبات
كشف عضو لجنة‌ الخارجیه للمجلس الوطنی للمقاومة‌ الایرانیة، أنه كانت الشعارات سياسية منذ البداية وطالبت برفض النظام بشكل كامل. الشعارات الأكثر شيوعاً كانت الموت للدكتاتور، الموت لروحاني والموت لخامنئي واتركوا سوريا في حالها وفكروا في حالنا ولا لغزة ولا للبنان روحي فداء لإيران، مشيرًا إلى أنه كانت مطالب وشعارات الشعب جميعًا تدعم في محتواها مواقف منظمة مجاهدي خلق المتخذة منذ سنوات عديدة.

وبين أفشار، أنه  كان تسارع توسع الانتفاضة غير مسبوق؛ حيث كان غضب الناس موجهاً إلى أجهزة ومؤسسات الحكومة ، وتحديداً الأجهزة التابعة لقوات الحرس ومكتب خامنئي.

ووصفت صحيفة قوات الحرس، في مقالها، طابع وخصائص الانتفاضة الإيرانية بأنها "منظمة"، وأصرت على موضوع "تدريب مثيري الشغب"، وكتبت أن المتمردون كانوا "يهاجمون مراكز عسكرية وشرطية حساسة".

مظاهرات 2019 وانتفاضة 2018
وعقد عضو لجنة‌ الخارجیه للمجلس الوطنی للمقاومة‌ الایرانیة، مقارنة بين انتفاضة نوفمبر 2019 في إیران والحراك الشعبي الواسع في ینایر 2018، والذي سرعان ما امتدّ إلی 140 مدینة إیرانیة، مبينًا أنه لا یمکن التغاضي عن حقیقة وجود اختلافات كمية ونوعية بين هاتين الانتفاضتين (نوفمبر2019 وینایر2018).

وأردف أفشار، أنه خلال انتفاضة ینایر تحوّلت الشعارات من "لا للغلاء والتضخّم" إلی "الموت لخامنئي" في غضون عدة أیام، لکن الأمر لم یستغرق وقتاً في انتفاضة نوفمبر، فمنذ الیوم الأول من الانتفاضة استهدفت الشعارات رأس النظام أي الولي الفقیه خامنئي وهتفت بموته، عقبتها هجمات المتظاهرین الشجاعة وغیر المسبوقة علی المراکز الحکومیة والأمنیة القمعیة وإضرام النیران فیها.

أهداف مختلفة بمظاهرات واحدة
وبين السياسي الإيراني، أن الهدف هو الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الديني، الذي حكم إيران بالقمع على مدى 40 عامًا، فالشعب الإيراني المجيد وفي مقدمته المقاومة الإيرانية الشريفة واثقين من النصر بهذه الطريقة، وعقدوا العزم على سرعة تحقيق هذا التطور العظيم، أي الإطاحة بنظام الملالي برمته في أقرب وقت ممكن. 

بينما يرى رئيس اللجنة التنفيذية لاستعادة شرعية الأحواز، أن الانتفاضة المشتعلة في كل أنحاء إيران تختلف أهدافها من منطقة لأخرى، وهدف الاحوازيين هو التحرر من سلطة الملالي، مبينا أن الأحواز لا ترتبط بنظام سياسي هنا او هناك، ففي عام ١٩٢٥، فنحن ناضلنا ضد والد الشاه وعندما جاء ابنه واصلنا النضال، وساعدنا الخميني في ثورته، ولكنه انقلب على الاحوازيين ولم يعطهم حقوقهم، واليوم نناضل ضد نظام الخميني.

وأردف الكعبي، أن الشعب الأحوازي يناضل من أجل قضيته في استعادت دولته على الضفة الشرقية للخليج العربي من مدينة إيلام إلى مضيق هرمز، ولكن هذا لا يعني أنه لا ينسق مع الأطراف الأخرى لتخليص العالم من النظام الحاكم في طهران.

المظاهرات في بلوشستان
قال عبد الله مري البلوشي المتحدث باسم حركة بلوشستان الحرة، إن الاحتجات في بلوشستان اندلعت بعد رفع سعر البنزين واشتعال المظاهرات في طهران، ثم انتشارها في كافة الأقاليم حتى وصلت لبلوشستان.

وأكد البلوشي لـ"الفجر"، على أنه بدأ القمع بمجرد انضمام المدن البلوشية للتظاهرات من قطع الانترنت واعتقال البلوش في مدينة زاهدان، حيث أوكلت إيران مهمة قمع البلوش إلى ظابط اسمه ناصر سليماني، كان مدير السجون في بلوشستان قام بعمليات تعذيب المتظاهرين واعتقالهم.

تدخل المقاومة البلوشية
وأضاف المتحدث باسم حركة بلوشستان الحرة، أنه طالب المتظاهرين البلوش من المقاومة البلوشية بالتدخل،  وبالفعل تدخلت وقامت بعملية اغتيال ناصر سليماني، كما استهدفت القوافل العسكرية الإيرانية لقمع التظاهرات وراح بها 17 جندي فارسي.

سمات جديدة للاحتجاجات
عدد أفشار بعض السمات الجديدة لهذه المرحلة من الانتفاضة، وهي التسارع في التحرك وتأثيرها على علي خامنئي والمسؤولين الآخرين في نظام الملالي، بالإضافة إلى تصاعدها في جميع أنحاء البلاد. 

رسالة أهوازية
أثرت الاحتجاجات في الأهواز بشكل إيجابي على القضية الاحوازية، كان لديها طابع ذو أثر عميق، حيث فتحت تواصل بين الأحواز بالجهات الدولية والإقليمية وبين السياسيين الأحواز مع المعارضة الفارسية  "منظمة مجاهدي خلق"، حسبما قال الكعبي.

وبين الكعبي، أن منظمة مجاهدي خلق كانت تفرض نفسها على الأطراف الدولية وعربيا بأنهم هم القادرين على تحريك الشارع وإسقاط النظام، ولكن الأحواز قلبت الموازين، ونجحت في هز اركان النظام الإيراني، والرسالة وصلت لكل الأطراف، بأن الشعب الأحوازي هم الرقم الصعب بالمعادلة.

رد فعل النظام
وأشار عضو لجنة السياسات الخارجية في المقاومة الإيرانية، أن ردة فعل الولي الفقیه خامنئي المصحوبة بالرعب والفزع علی خلفیة انتفاضة نوفمبر، فهو أول من اشتم رائحة السقوط والانهیار وانتفض مذعوراً، خامنئي المذعور والعاجز بشدة سارع هذه المرة إلی الظهور عبر التلفزیون الرسمي بعد یومین فقط من اندلاع انتفاضة نوفمبر لیعلن عن دعمه لقرار رفع أسعار البنزین وفي الوقت نفسه أمر بوأد الانتفاضة، خلافاً لما حدث في انتفاضة ینایر 2018، حیث تأخر خروجه إلی الساحة مدة أسبوعین.

وأفاد أفشار، بأنه في المرحلة السابقة من الانتفاضة في الأيام الأخيرة من عام 2017، قد استغرقت أسبوعًا حتى تصدر خامنئي المشهد وأعلن على الملأ أن الانتفاضة من صنع مجاهدي خلق، وهي القوة المركزية للمقاومة الإيرانية، إلا أن الأمر هذه المرة لم يستغرق 24 ساعة حتى اعترف خامنئي بهذه الحقيقة، نظرًا لأنه خلال الفترة الزمنية بين مرحلتي الانتفاضة كان خامنئي ونظامه الفاسد يواجهون تواجد مجاهدي خلق MEK في جميع الأراضي الإيرانية وبين كافة طبقات المجتمع.

وفي نفس الصدد يوضح البلوشي، أن المظاهرات حالياً تعم جميع المدن البلوشية، مما جعل طهران تنتج سياسة جدية وهي اغتيال بعض النشطاء من المتظاهرين، فسقط عدد كبير ، منهم  ٤ من مدينة زاهدان وحدها باحد التظاهرات، مبينا أن النظام الإيراني يعيش أخر أيامه وسيسقط ما لم تقم قطر وتركيا بدعمه.

تنسيق إقليمي للسيطرة على البلوش
ولم يعد الوضع في بلوشستان تحت سيطرة طهران، مما جعلها تستدعي قائد الجيش الباكستاني إلى إيران لأن مصيرهم واحد، لأنه إذا استقل البلوش في إيران سيتبع ذلك تحررهم من باكستان، ولذلك دعمت اسلام اباد قمع التظاهرات، وتدعم إيران في ذلك بشكل قوي، حسبما قال البلوشي.

مصير نظام خامنئي
أوضح الكاتب والمحلل السعودي نايف بن علي ال زاحم، الرئيس التنفيذي لمركز القرار للدراسات والاستشارات الإعلامية، أنه ستؤدي تظاهرات الشعب الإيراني إلى إشغال نظام الملالي بشأنه الداخلي.

وإذا افترضنا أنها -أي التظاهرات - ستلجئ النظام القمعي إلى تصرّف "عقلاني"، فيعني هذا الحدّ من الدعم المالي والعسكري لأدوات إيران في المنطقة العربية، لإصلاح الأوضاع الاقتصادية المتردّية في الداخل الإيراني، ما يعني انحسار نفوذها في العالم العربي شيئاً فشيئاً، وتقليم أظفار ميليشياتها، خاصة في لبنان والعراق واليمن وسوريا.

وأكد آل زاحم لـ"الفجر"، على أنه إذا ركب النظام رأسه - وهو المعتاد والمرجّح - وأصرّ على تحدي ومواجهة التظاهرات الداخلية، فهو بهذا يغامر بمزيد من الاحتقان الذي سينفجر في وجهه في أية لحظة، خاصة إذا ما لقي الحراك الشعبي الداخلي تأييداً ودعماً إقليمياً ودولياً حقيقياً، لا يُقصد منه فقط الضغط من أجل تنازلاتٍ منخفضةِ السقف!.

ويبقى خيار تصدير الأزمة الداخلية والهروب إلى الأمام، والدوس على الاستحقاقات والمطالب الشعبية، قائماً ومنتظراً من مثل هذا النظام، لكنّ الوضع المشابه الذي تواجهه أدواته في العراق ولبنان، سيُغلِق عليه معظم المسارب التي اعتاد انتهاجها في أزماته الداخلية، بحسب آل زاحم.

وبين المحلل السياسي السعودي، أن انتفاضات الشعب الإيراني في ظلّ هذا النظام الكهنوتي ليست جديدة، لكن المظاهرات الأخيرة التي خرجت منتصف نوفمبر الجاري جراء ارتفاع أسعار البنزين، شكّلت نقطة تحوّل في الخارطة الاحتجاجية، سواء من حيث الكمّ المتمثل في اتساع نطاقها يومياً، وانضمام مدن كانت تُوصف بـ"الصامتة" مثل قُم ومشهد (مسقط رأس المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي).

وتحرّك قوميات كانت تخشى من النزول إلى الشارع مثل التركمان، فضلاً عن تعاظم مظاهر الاحتجاجات بقيام المتظاهرين بأفعال تُعدّ في إيران مساساً بـ "المقدّسات"، مثل حرق صور خامنئي، واستهداف مقرّات  ومكاتب تابعة للخميني قائد "الثورة"، كلّ هذه المؤشرات ستفتح الباب واسعاً أمام سيناريوهات متعدّدة.