أحد متجولي الروبابيكيا يروي حياته لـ"الفجر": "رضا الوالدين بيباركلي في الفلوس"

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


بوجه شاحب، تقاسمت ملامحه الرضا والتفاؤل، وبشرة سمراء، رسمت الشمس خيوطها بشراسة عليها، تحاصرها الأتربة من كل حدب وصوب، وملابس مهلهلة تبدو عليها الشقاء والتعب، وخصلات شعر باهتة، متوارية تحت قبعة بلاسيتيكة التي تعلو رأسه، لحمايته من أشعة الشمس المتساقطة عليه طيلة النهار تحت سماء القاهرة الفاطمية، يصطحب عربته الخشبية بسيطة التكلفة ليجول بها الشوارع والأنحاء النائية، بحثا عن أسرة تريد بيع موبيليا أو أجهزة كهربائية قديمة أو زائدة عن احتياجاتها، ورغم صغر حجم العربة التي يدفعها "حسن أحمد"، إلا أنها مزدحمة من الداخل بمحتويات الروبابيكا "رضا أمي وابويا بيبارك في كل حاجة وبيحميني".

المصريون بمختلف أجيالهم، اعتادوا سماع أصوات متجولي الروبابيكيا وهم يجوبون الشوارع صباحًا ومساءً، يرددون بعض الكلمات بصوت مرتفع "أي حاجة قديمة للبيع، بيكيا"، بحثًا عن شراء أشياء أصبحت غير مجدية البائعين، لكنها عند "متجولي البيكيا" لها قيمة كبيرة، تمكنهم من كسب قوت يومهم.

في الشوارع المتفرعة من قاهرة المعز، يتجول الشاب حسن أحمد صاحب 27 ربيعًا، بعربته الخشبية، مرددًا بعض العبارات "بيكيا وأي حاجة قديمة للبيع" ليجذب صوته العالي ربات البيوت اللاتي اعتادن بيع الخردوات لبائع الروبابيكيا، وأصحاب المحال الذين يريدون التخلص من بعض الخردوات الزائدة عن احتياجاتهم، وسرعان ما تلتفت الأنظار إلى متجول البيكيا "ليا زبائن في منطقة المعادي وبشتري منهم على فترات، لكن بلف في الشوارع الضيقة للحصول على رزق يومي". حسبما يحكي لـ"الفجر".

منذ 15 عامًا، دفع ضيق الحال "أحمد" إلى ترك بلدته البسيطة، لاستقلال أحد القطارات، موجهًا قبلته ناحية القاهرة الفاطمية، للعمل كمتجولًا للبيكيا، "أنا ساكن في أوضة في السيدة زينب لوحدي، نظرًا لارتفاع أسعار الشقق، وحتى أستطيع توفير الرزق الذي يأتي من باب الله لأهلي".

لم تكن مهنة البيكيا، جديدة على "أحمد" التي توارثها من عائلة الأب والأم "أنا بشتغل في مهنة الروبابيكيا منذ 20 عامًا، حينما كنت في سن السابعة، اتجول مع والدي في الشوارع بحثًا عن الخردوات الملقاة في الطرق، وطلعت من المرحلة الإعدادية، بعدما اشتد الشقاء والتعب على والدي، وقررت النزول للقاهرة"، متابعًا "دعوات أمي وابويا بتحميني في الشارع وبتبارك في فلوسي".

كلما اشتد التعب على والديه، ورسم الزمن تجاعيده على وجوههم، وارتسم البؤس عليها، يستشعر "أحمد" الوجع، ويتحول إلى بركان غضب يكاد الانفجار، من اختلاط الحزن بالعجز، "المكسب مش مادي، لكن رضا أمي وابويا عليا بيبارك في فلوسي اللي بكسبها بالحلال وبتحميني في الشارع"، متابعًا "نفسي اعيش أمي وابويا في مستوى اجتماعي كويس دون الحوجة لأي حد".

رغم الواقع الأليم، والظروف القاسية التي يعيشها "أحمد"، إلا أنه لا يكف عن الضحك والابتسامة، ودائمًا ما يتوقع حياة مغاير لما يعيشه "في يوم من الأيام هرجع لأهلي من الغربة وهحقق أمنياتهم وأمنيات أخواتي".