المخرج كريم صياد لـ"الفجر الفني": السينما إحساس ونقلت تجربة أسرتي بشفافية في "my English Cousin" (حوار)

الفجر الفني

بوابة الفجر


مغترب، ضائع، وحيد، هائم يبحث عن الاستقرار في وطنه الأم الجزائر، صفات عديدة يتسم بها "فهد" بطل الفيلم التسجيلي "My English Cousin"، والذي يسلط من خلاله المخرج الشاب كريم صياد الضوء على حياة ابن عمته فهد المغترب في بريطانيا، والذي يسعى للعودة لوطنه بعدما زهد العيش وحيدًا بعيدًا عن جذوره الجزائرية، ويفكر في الزواج من امرأة جزائرية تختارها والدته بعد طلاقه من زوجته الإنجليزية.

ينقسم الفيلم إلى خمس فصول، صُورت ما بين الجزائر ومدينة "جريمسبي" الإنجليزية، يعكس من خلالها "صياد" حيرة ابن عمته، وضياعه بين الوطن وبريطانيا، عُرض الفيلم في مصر لأول مرة من خلال برنامج "شباك" الذي يسلط الضوء على الهوية العربية الإنجليزية ضمن عروض بانوراما الفيلم الأوروبي في دورته الثانية عشر.

"الفجر الفني" التقى بالمخرج السويسري الجزائري كريم صياد، للحديث عن فيلمه التسجيلي الثاني، وكواليس صناعته، وإلى نص الحوار.

في البداية، حدثنا عن انطلاقتك في عالم صناعة السينما؟

درست علاقات دولية في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية بجنيف، وعملت في مجال حقوق الإنسان حتى عام ٢٠١٤، وبعدها قررت ترك كل شئ والاتجاه لعالم السينما، وأخرجت فيلمي التسجيلي القصير الأول "بابور كازانوفا" عن الأولتراس في الجزائر، والذي عُرض في العديد من المهرجانات الدولية ومنها مهرجان الإسماعيلية في مصر، وبعدها قدمت أول أفلامي التسجيلية الطويلة بعنوان "كباش ورجال" عن مصارعة الكباش في الأحياء الشعبية في الجزائر، ومن خلاله سلطت الضوء على العلاقة بين الحيوان والإنسان.

هل فكرت في دراسة صناعة السينما قبل امتهانها؟

حين قدمت أول أفلامي "بابور كازانوفا" ونجح، وبعدها قدمت الفيلم الثاني "كباش ورجال" ونجح أيضًا، وجدت أني لست بحاجة لدراسة السينما، إذ أنني أتعلم من خلال الممارسة والتجربة، منذ فترة تحدثت مع مخرج سويسري كبير، أعطاني ثقة كبيرة بحديثه عن أن الكثير من المخرجين الكبار لم يدرسوا السينما، خصوصًا وأنها فن حديث على عكس الكتابة مثلًا.

ننتقل لفيلمك الأحدث "ابن عمتي الإنجليزي"، كيف جاءتك الفكرة؟

تجمعني علاقة خاصة بابن عمتي فهد، الذي هاجر إلى أوروبا منذ ١٧ عامًا، وكنت أزوره في لندن منذ ذلك الوقت، وحين أخبرني برغبته في العودة للجزائر، رغم تحسن أوضاعه، بدأت التفكير في عمل فيلم عنه.

هل واجهت صعوبات في إقناع ابن عمتك بتصوير فيلم عنه؟

لا، لا لم أوجه صعوبة في إقناعه، فقد وافق في البداية، قبل أن يعي معنى صناعة فيلم عنه، في مخيلته كان الأمر مساعدة لي في عملي لحبه لي، واتفقت معه على تنبيهي في حال لم يعجبه شئيًا ما.

بعد بدء التصوير، هل فكر "فهد" في التراجع وعدم استكمال الفيلم أو كانت له مطالب خاصة؟

نعم، طالبني في البداية بعدم تصوير زوجته الإنجليزية، وهو ما احترمته، كما كانت هناك خلافات بيننا، لكنها كانت تُحل بالنقاش، وشرح وجهة نظري لتصوير مشهد بعينه.

على عكس الكثيرين من صناع السينما الشباب لم تواجه مشكلات في التمويل، ماذا كانت أبرز الصعوبات التي واجهتك لاستكمال الفيلم؟

أنا محظوظ، الكثير من أصدقائي يجدون صعوبة في توفير تمويل لأفلامهم، وهو ما لم يحدث معي، خصوصًا مع نجاح أفلامي السابقة، ما يعني سهولة الحصول على تمويل في سويسرا، أما عن أبرز الصعوبات فكانت أهمية احترام خصوصية الشخص الذي نصوره حياته أولًا، إلى جانب عدم توقع قرارات "فهد" طوال الوقت، فتارة يقرر الزواج، وأخرى يلغي العُرس، وهو ما يعني التكيف مع كل جديد يقوم به وتحويله لمصلحة العمل.

تظهر أسرتك الجزائرية على طبيعتها بصورة غير معتادة في الأعمال العربية، كيف أقنعتهم بنقل حياتهم الخاصة على الشاشة؟

كنت خائفًا في البداية، لكن الظروف سهلت الأمر كثيرًا، عمتي "نادية" مطلقة، وعمتي "تركية" لم يسبق لها الزواج، ويعيشان معًا في بيت جدتي، و"أم فهد" أرملة، ما يعني أنه لم يكن هناك رجال يعقدون الأمور، كما أنهم شاهدوا أفلامي السابقة، وكانوا على ثقة بي، وعرضت عليهم التصوير بالحجاب في حال رغبتهم في ذلك، لكنهن رفضن الأمر، قائلين أنهم سيظهرن على طبيعتهن دون كذب، وحين شاهد والدي الفيلم كان خائفًا من حديث الناس بعد ظهور شقيقاته دون حجاب، لكن حين عُرض الفيلم في الجزائر لم يفكر أحد بالموضوع، لاندماجهم مع فكرة الفيلم.

كيف وجدت ردود الأفعال حول الفيلم بعد عرضه في عدد من المهرجانات الدولية؟

حين عُرض الفيلم في كندا، حدثني العديد من جمهور الفيلم وأغلبهم لا يعرفون شيئًا عن العالم العربي، عن ارتباطهم بالفيلم وبطله، وأكدوا أن الانتماء لأكثر من مكان شيئًا عالميًا، وهو ما أسعدني كثيرًا، وبعد عرض الفيلم في الجزائر كان أغلب الجزائريين يعتقدون أن حياة المغتربين في الخارج جنة، لكنهم صدموا بواقع حياتهم.

ماذا عن ردود أفعال أفراد العائلة بعد عرضه، خاصة من شاركوا به؟

كانوا فخورين للغاية، خاصة عمتي "نادية" لم تعتقد أنها تظهر بالفيلم بهذا القدر، والطفل الصغير "فايز" يشعر الآن أنه ممثل وينوي دراسة التمثيل وامتهانه حين يكبر، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها أغلب أفراد العائلة إلى صالة السينما، كان الأمر جميلًا، وأعطهم أملًا أن بإمكانهم تحقيق أي شئ.

هل تذكر أي من التعليقات السلبية حول الفيلم؟

أعتقد أن الناس فهمت الموضوع الذي أحكي عنه، وأصبحت لديهم علاقة بالفيلم، لكن من لم يفهم الفيلم لم يحبه بالتأكيد، في فيلمي السابقين قدمت موضوعات جديدة، من لم يعجبه أي من الفيلمين شاهد أمر جديد عليه، لكن في هذا الفيلم إذا لم تفهم مشكلة الانتماء بين العالمين لن تحب العمل.

كيف كان رد فعل بطل الفيلم "فهد" بعد مشاهدته؟

لم يتمكن "فهد" من حضور أي من عروض الفيلم الدولية، لكنه شاهد نسخة منه عبر الكمبيوتر، في بداية الأمر خاف بعض الشئ، فقد تمكن من إخفاء حياته عن العالم طوال حياته، وها هو الآن بطل فيلم يعرض في مهرجانات مختلفة حول العالم، ولكن بعد مشاهدة أفراد العائلة للفيلم وفخرهم به، وقراءة مقالات إيجابية عنه، أحب الأمر.

يظهر "فهد" مترددًا طوال الوقت، إلى أين وصل في حياته؟ وهل تحكم على خياراته؟

لا أحكم على خياراته مطلقًا، كل ما أتمناه أن يكون سعيدًا، يعيش لنفسه ويحقق ما يحلم به لا ما يمليه عليه الآخرين، وهو الآن يحضر لعُرسه الثالث بعد إلغاء عُرسه السابق، لكنه لم يخبرني بالأمر حتى الآن، عرفت بالأمر عن طريق عمتي.

ما هي نسبة رضاك عن الفيلم؟

لا أعرف، في يوم أعطيه ٢ من ١٠، وفي آخر أعطيه ٨ من ١٠، أصعب ما كان في الفيلم مقارنة بأفلامي السابقة، هو التفريق بين من لم يعجبه الفيلم هل لم يحب الفيلم حقًا أم لم يحب عائلتي، كنت شخصين في العمل، مخرج وفرد من العائلة، في التصوير كانت تواجهني هذه الأزمات، فالمخرح يرى هذا مشهد جميل لكن ابن الخال لا يراه كذلك احترامًا لابن عمته.

هل خرج الفيلم بالشكل الذي تصورته له منذ البداية؟

تغير الفيلم كثيرًا، فالفيلم يُكتب ٣ مرات، الأولى على الورق، والثانية بالكاميرا، والثالثة في المونتاج، وكانت صعوبة الفيلم في عدم معرفة ما سيقوم به فهد، لكني وظفت كل شئ لأداء غرض ما، كانت الموسيقى تحكي ما سنراه، وكان الأكل رمز لعلاقته بالوطن.

برأيك، هل تساعد مثل هذه الأفلام في تقريب وجهات النظر للعالم الخارجي، والتقليل من مشكلات اللاجئين والإسلاموفوبيا؟

في انجلترا، أثر تواجد لاعب منتخب مصر محمد صلاح في نادي ليفربول الإنجليزي على حب جمهور النادي للإسلام ورغبتهم في التعرف عليه، لكن الفيلم لا أعرف إن كان له نفس التأثير، لم نعرض الفيلم في إنجلترا بعد، لكن أثناء التصوير تعرضنا لعدد من المواقف العنصرية، أعتقد أن أوروبا منقسمة بين عالمين أولهما متقبل ومؤمن بالإنسانية وهو القسم الذي أحبه، وثانيهما متطرف لا أحب التعامل معهم أو الحديث عنهم.


والدك جزائري، ووالدتك سويسرية، ورغم ذلك ركزت في أعمالك الثلاثة السالف ذكرهم على الهوية الجزائرية، هل تعمدت ذلك؟

لم أفكر مطلقًا أني سأقدم أفلام عن الجزائر، لكن بعد تقديم ٣ أفلام خالصة عن الهوية الجزائرية، أجدني أبحث عن الذات والهوية الشخصية، أنا مهتم بهويتي الجزائرية والجزائر، وحين أشاهد أفلام جزائرية أجد أغلبها تمثل الطبقات البرجوازية في المجتمع، لكني لا أجد أسرتي التي تحيا في منطقة شعبية على الشاشة، رغم أنها تمثل طبقة واسعة من الشعب، ولذلك أحببت أن أمثلهم، ليس لدي مشكلة مع تمثيل الطبقات العليا لكن من حق جميع الطبقات أن تجد من يمثلها.

كيف تستفيد من هويتك السويسرية الجزائرية في أفلامك؟

أفلامي سويسرية جزائرية، فالتمويل كله حصلت عليه من جهات انتاج سويسرية، إلى جانب العمل مع تقنيين سويسريين، ثم يأخذ التصوير مكانه في الجزائر، ولكني أعود بعدها إلى سويسرا لاستكمال باقي مراحل ما بعد الإنتاج، لو كنت في الجزائر وحدها لما تمكنت من تقديم هذه الأفلام.


حدثنا عن زيارتك لمصر، وردود أفعال المصريين بعد عرض الفيلم في بانوراما الفيلم الأوروبي.

هذه المرة الثالثة لي في مصر، صورت أول فيلم قصير في مصر بعد ثورة يناير ٢٠١١، بعنوان "حتى البلح"، وهو عن تقليد بإطلاق أسماء الشخصيات العامة على البلح، وبعدها جئت مرة ثانية للمشاركة في مهرجان الجونة السينمائي في دورته الأولى بفيلم "كباش ورجال"، وهذه هي المرة الثالثة لحضور عرض الفيلم في بانوراما الفيلم الأوروبي.

أرى مصر أم الدنيا، بها الكثير من الطبقات أشعر أني أسافر فيها عبر الزمن، أحب الأجواء الشعبية، وجربت تناول "الكشري" للمرة الأولى وأعجبني كثيرًا، وسعدت بعرض الفيلم في مصر، فهي بلد تاريخي فيما يخص الثقافة والفن، فأنا من محبي سينما يوسف شاهين، وأعتبر فيلم "باب الحديد" من أفلامي المفضلة، كما شاهدت فيلم "آخر أيام المدينة" قبل ثلاث سنوات، وأعجبني كثيرًا.

ماذا عن مشروعاتك المقبلة؟ وهل تفكر في خوض تجربة الأفلام الروائية؟

أحلم بتقديم فيلم روائي ولكني أرى أن الموضوع هو ما يفرض الأسلوب المستخدم، أحب أن أعمل مع ممثلين غير محترفين، أحضر لفيلم جديد تدور أحداثه في الصحراء، سيجمع بين الأسلوبين الروائي والتسجيلي، لا أحب التفكير فيما إذا كان الفيلم روائي أو تسجيلي، لأن السينما إحساس بعيدًا عن الأسلوب.