"مُقاومة لأجل الحلم".. حكاية "أحمد مؤمن" أفضل طالب أجنبي في جامعة فيشتا بألمانيا

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


الشهر الماضي داخل جامعة فيشتا الألمانية، كان الشاب المصري "أحمد مؤمن"، يتلقى جائزته كأفضل طالب أجنبي، وهي الفرصة التي تتيحها الجامعة للطلاب الوافدين من دول أجنبية، كي يستطيعوا من خلالها أن يعلنوا عن مواهبهم الدفينة وإمكانياتهم وإبداعاتهم الكامنة، فيتم منحها لهم بناءً على دراجاتهم العلمية ونشاطاتهم الاجتماعية في العمل الخيري، فهي لا تعبأ بالتفوق الدراسي، قدر ما تهتم بمدى تفاعل الطالب مع قضايا مجتمعه، بحسب ما يقول الطالب المصري لـ"الفجر".






الطريق إلى الجائزة، يبدأ بترشيح من الأساتذة الذين يلقون بالضوء الأخضر على بعض الطلاب، بعدها يكون بإمكانهم التقدم لها عبر الموقع الرسمي للجامعة، فيتقدمون بالشهادات والأوراق التي تثبت تفوقهم الدراسي ونشطاهم الدؤوب مع المؤسسات الخيرية، وهنا يتزاحم في الوصول إليها الكثير من الطلاب، لكن المعيار الذي تفاضل به الجامعة "هو الأنشطة التطوعية اللي بتقوم بها"، حيث تتناسب فرص الحصول على الجائزة طرديًا مع كثرة الأعمال الخيرية التي يقوم بها الطالب ومدى الأثر الذي تتركها في نفسه، ويتم تلمس ذلك من خلال المقابلة التي تجريها هيئة تحكيم مكونة من بعض مدرسي الجامعة مع الطلاب المتقدمين.






يَرجع مؤمن بذاكرته إلى الوراء، ويحكي عن بدايات التحاقه بكلية اللغات والترجمة بعد أن فاتته كلية الهندسة على درجة واحدة، فرشح له أصدقاؤه الالتحاق باللغات والترجمة، خاصة قسم اللغة الألمانية "قالوا لي دا أكتر قسم بيدي منح دراسة برا"، وهو ما بدأ في إدراكه في السنة الثالثة عندما سافر في منحة أتاحها القسم للطلاب المتفوقين كي يلتحقوا لمدة شهر بالمدرسة الصيفية بذات الجامعة التي يدرس فيها الآن، ثم عاد وأنهى دراسته وعمل بمجال التدريس لمدة عامين.

خلال تلك الفترة لم تغادر فكرة السفر واستكمال الدراسة بألمانيا عقل الشاب، ظل يبحث عن الطرق التي تمكنه من الاقتراب من حلمه حتى لو كلفه الأمر أن يسافر على حسابه الشخصي، فتأكد له هذا الأمر لاحقًا، فمن بين الاشتراطات التي تضعها ألمانيا للدراسة بها، أن يضع الطالب في حسابه الشخصي مبلغ 8 آلاف يورو "دا كان كبير جدًا عليا"، بجانب المبالغ الكثيرة التي يتكبدها لتجهيز الأوراق وتوثيقها في السفارة الألمانية، لكن لم يحل ذلك بينه وبين الاستمرار فيما عقد العزم عليه "لازم يتأكدوا إنك تقدر تصرف على نفسك أثناء الدراسة".





اختيار جامعة فيشتا بالنسبة لـ"مؤمن" لم يكن اعتباطيًا، فهي الوحيدة من بين الجامعات الألمانية الكثيرة، التي تسهل السفر للطلاب الأجانب، خاصة خريجي كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، لوجود تعاون مشترك بين كلا الجامعتين، ويُرجع الفضل في ذلك إلى أساتذة الكلية وعلى رأسهم الدكتور محيي الدين بدر ورضا قطب، أحدهم يعمل مدرسًا بأحد الجامعات بألمانيا، والآخر ما يزال بمصر.

يعكف أحمد في الوقت الحالي على كتابة ماجستير في العلوم الحضارية، حيث يستغرق منه إنهاؤها ما يقرب من سنتين ما بين الدراسة والتدريب "فيه ناس ممكن يمدوها لتلات سنين لكن أنا قررت أخلصها بسرعة"، والسبب هو كمية الضغوطات التي يواجهها الطلاب الأجانب أثناء الدراسة،  كما يخاف من أن تعقيه تلك الظروف عن المواصلة وأن تدفع به إلى الوراء، فالنظام التعليمي هناك بالغ الصعوبة "بيجبرك إنك لازم تجيب تقديرات كويسة علشان تكمل"، وبجانب الدراسة تعطي لهم الجامعة رخصة للعمل بجانب الدراسة، بحيث يمكنهم توفير مصاريف الدراسة والإقامة "لأن المبلغ اللي بتحطه ف حسابك مش بيكفيك إلا سنة واحدة".





يعتبر الشاب الثلاثنيني أن السفر للدراسة في ألمانيا ليس صعبًا ومعقدًا كما يتوهم البعض، لكن الأمر يستلزم إرادة قوية وصبر على متاعب الطريق، وأن تكون لدى الطالب القدرة في الاعتماد على نفسه بشكل كامل، فنظام الحياة في البيئة الأوروبية يفرض على الأشخاص نظامًا معينًا "إن كل واحد بيعمل كل حاجة لنفسه"، وألا يعوّل كثيرًا على غيره، لأن الغربة وما يحيط بها من ظروف صعبة تتطلب مقاومة ودفاعًا عن الأحلام التي تركوا بلادهم لأجلها.

على الرغم من أن "مؤمن" لم يكن المصري الوحيد الذي حصل على تلك الجائزة. كما سبق له أن حصد جوائز عدة على مدار الأعوام التي قضاها في ألمانيا، لكن هذه المرة اختلطت في نفسه مشاعر عديدة ما بين الفرح والفخر والانتصار، لأن هذه الجائزة بالتحديد كانت من بين الأشياء التي تمنى تحقيقها بمجرد أن وطأت قدمه الجامعة، خاصة عندما يسمع الطلاب يرددون حكاية المصريين الذين حصدوها قبله، فكان يستخفه الأمل وتنشط عزيمته من أجل الوصول إليها، وهو ما تحقق له بعد سنوات قضاها بين جدران الجامعة وتردده على المؤسسات الخيرية.





معاني جديدة أضيفت إلى القاموس الشخصي للشاب المصري بعد الحصول على الجائزة، فوصل معها إلى قناعة بات يؤمن من خلالها "إنه ما فيش مستحيل"، وإن الحياة لا تعطي ظهرها للصادقين مهما طال بهم اليأس وامتدت بهم الحيرة، كما أن النجاح من وجهة نظره لا يتحقق "بالشطارة بس لأن المعافرة هي اللي بتجيب كل حاجة"، فيرى أن إنسانًا ما قد يمتلك كل مقومات النجاح لكنه يفتقد للنفس الطويل، وقد يأتي مرحلة ما يعجز فيها عن المواصلة والاستمرار، كما آمن أن العمل التطوعي ومد يد العون للآخرين لابد وأن يحتل مساحة من حياتنا؛ ليس فقط الدعم المادي بل المعنوي أيضًا "كلمة شكرًا اللي بتتقال لك بتهون أحيانًا مواقف صعبة كتير".