د. رشا سمير تكتب: كلنا قتلة محمود البنا!

مقالات الرأي



«أنا إبنى متربى أحسن تربية».!.

تلك هى الجملة التى تعودت أن ترد بها أم هذا الشاب المستهتر الأرعن، كلما اتهم من حولها ابنها بأنه تسبب فى هذا أو ذاك..

تلك هى الجُملة ذاتها التى نقولها جميعا عندما يقترب أحد من اتهام أبنائنا أو حتى الاقتراب من الدائرة الحصينة التى ينسجها كل أولياء الأمور حول أبنائهم!

وتلك هى الجملة الكارثية التى جعلت عائلة القاتل محمد راجح تتصور أنه بمأمن من العقاب ربما لأنه قاصر أو لأنه ضحية أو لمجرد أنه ابنهم المُدلل!

حكاية قتل الشاب الخلوق محمود البنا على يد الشاب البلطجى محمد راجح ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة.. لكنها ستبقى دائما فى ذاكرة المجتمع هى القصة الأكثر إيلاما، لأنها قصة هزت القلوب وأقشعرت لها الأبدان.

تلك القضية التى أصبحت قضية رأى عام فى أيام معدودة باتت مثلها مثل قضايا كثيرة سبقتها، ربما آخرها قضية الطفلة جنة التى اغتصبها خالها على مرأى ومسمع من جدتها، والتى قامت هى بدورها بتعذيبها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة!..

القضيتان من وجهة نظرى لا يجوز فيهما إلا تنفيذ حكم الإعدام.. الإعدام من وجهة نظر الإنسانية والرحمة حتى لو اختلف حكم القانون..فتطبيق العدالة يجب أن يكون بالمقياس للفعل دون النظر إلى كون المجرم قاصرا أو تحت تأثير المخدرات..

ألف إصبع اتهام وألف سبب.. المخدرات التى غيّبت عقول الشباب وانتشارها المخيف، التعليم الذى أصبح مجرد شهادة لا علاقة لها بالفحوى.. المجتمع الذى تهاوى.. القوة الناعمة وتأثيرها الخطير على العقول.. القدوة المحترمة التى اختفت من أذهان الشباب..المحتوى الثقافى والقيم لكل ما يتم طرحه على الساحة الأدبية..إنها لمأساة بكل المعانى!.

الكل متهم فى تلك القضية..

الأم التى لم تحسن التربية ودافعت عنه من أول خطأ ارتكبه.. الأب الذى حاول أن يغرى أسرة الضحية بالمال ليصمتوا بدلا من أن يسلم ابنه للعدالة لربما تعلم الدرس..الأسرة التى تغاضت عن أخطاء وهفوات الابن المستهتر مرارا وتكرارا..

فكم منا دافع عن أبنائه فى الخطأ وهم صغار متصورا أنه يحميهم؟!

كم منا ذهب إلى مدرسة أولاده بنية صدامية حين اشتكت المدرسة من سوء أخلاقهم؟

كلنا دون استثناء فعلنا هذا أو ذاك..

دعونا بكل بساطة نعود بالذاكرة إلى تلك الجُمل التى قلناها جميعا بطريق أو بآخر، وفى مناسبة أو فى أخرى ونتأملها عن قرب:

«إيه يعنى لما غشيت سؤال واحد، ازاى المُدرس الفاشل ده يسحب منك الورقة قبل الوقت»

«لو اتزنقت يا حبيبى غش عادى، طالما زيك زى غيرك»

«آه طبعا، ربنا رب قلوب، ودى كدبة بيضاء»

«كويس إنك ضربت الواد إبن جارنا زى ما ضربك، الراجل لازم ياخد حقه بإيده»

«أبوها زعلان قوى إنك عاكستها طب ما أنت شاب، وبعدين ما يروح يشوفها لابسه ايه الاول»

«أيوه طبعا روح اضربه زى ما ضربك، الراجل ما يسيبش حقه»

«انا هاجى اعرف المدرس اللى زعق لك ده مقامه، هو ما يعرفش أنت ابن مين»!

هكذا نجرد ابناءنا دون أن ندرى تدريجيا من قيمهم وأخلاقهم، ونمنحهم قناعا من القبح ورداء من التبجح، وبالتالى ألف طريق للهروب من مواجهة أخطائهم..

هكذا تُشير أصابع الاتهام إلى الأسرة وإلى المدرسة وإلى المجتمع بكل فئاته..

دولة الأخلاق لم تسقط فقط بعد الثورة كما نعلل دائما، بل سقطت دولة الأخلاق حين غضضنا أبصارنا عن أخطاء من نحبهم وبررناها بألف تبرير خائب..

سقطت دولة الإخلاق عندما آمن المجرم العقاب، وقام الرأى العام على قضية ثم تناساها حين ظهرت قضايا جديدة أكثر فرقعة..

سقطت دولة الأخلاق حين أصبح الفشلة والبلطجية وأصحاب اللسان الطويل وأصحاب النفوذ هم سادة المجتمع وتوارى كل نبيل ومحترم لأن البقاء بات لأصحاب الصوت العالى..

الواقع الأليم يقول إن الجيل الجديد جيل افتقد الأخلاق إلى حد كبير!

والواقع الأكثر إيلاما يقول إن الجيل القديم لم يربى أولاده!

والحقيقة العارية تؤكد أن انشغالنا جميعا بتأمين مستقبل أبنائنا ماديا، وانشغالنا بأنفسنا، جعلنا نتخلى عن تربيتهم معنويا، فسقط كل ما له قيمة ومعنى فى هوة النسيان..

ربما بصرخة العدالة العادلة نستعيد المبادئ والقيم التى فقدناها.. ربما.