د. نصار عبدالله يكتب: المطلوب: حبس الموظف المتعنت بدلا من المواطن

مقالات الرأي



لن أتكلم فى السطور التالية عن مشكلة شخصية عشتها فعلا فى الشهر الماضى، بقدر ما سأتكلم عن مشكلة عاشها مثلى عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء، وسوف يعيشها فى المستقبل عشرات آخرون من آلاف الأبرياء الذين ربما سيجدون أنفسهمْ فى غمضة عين عرضة لفقدان حريتهم بالحبس، وربما فقدوها فعلا نتيجة لمسلك الاستهتار واللامبالاة الذى يتسم به بعض الموظفين البيروقراطيين بمباركة من رؤسائهم الذين كثيرا ما يغضون النظر عن مخالفة الموظفين للقانون طالما أن هذه المخالفات سوف تدر عائدا لخزانة الدولة، كما أنها سوف تدر عليهم شخصيا وهذا هو الأهم عائدا يضاف إلى مرتباتهم الفقيرة تحت مسمى: مكافآت،أوحوافز، أوأية مسميات أخرى!!...فى الشهر الماضى نما إلى علمى بالمصادفة الخالصة أننى قد صدر ضدى فى القاهرة (رغم أننى أقيم فى سوهاج )..صدر ضدى حكم غيابى بالحبس مع النفاذ لعدم سدادى فاتورة مياه قيمتها عشرون ألف جنيه...صحيح أنى أمتلك شقة فى القاهرة عداد مياهها ما زال باسمى، يغذيها كما يغذى إلى جانبها شققا أخرى مؤجرة، وقد كانت تلك الشقة المذكورة وهى الشقة رقم 17 يستأجرها فيما مضى مجلس إدارة جمعية الإسكان للعاملين بالتليفزيون المصرى ويمثله قانونا السيد توفيق عكاشة بصفته رئيس مجلس الإدارة، لكن السيد توفيق عكاشة وهذه شهادة منى لصالحه فى هذه النقطة على الأقل لم يتأخر يوما لا فى سداد الإيجار ولا فى سداد مستحقات المياه والكهرباء، وقد ظل كذلك إلى أن انتقل إلى مقر نشاطه الجديد بمدينة 6 أكتوبر ثم قامت من بعده جمعية أبناء النوبة المعروفة باسم جمعية توماس باستئجار نفس الشقة وسداد ما عليها من مستحقات المياه والكهرباء، من أين إذن جاء مبلغ العشرين ألف جنيه مستحقات متأخرة..الأغلب أنه جاء من تأخر الشقق الأخرى التى تتغذى على نفس العداد ومن بينها الشقة التى كان يستأجرها السيد المستشار بدرعبدالعزيز المستشار بمجلس الوزراء والذى لم يكن يسدد شيئا على الإطلاق والذى دأب على تغيير محل إقامته حتى يصعب على صاحب الحق ملاحقته قضائيا مقدما بذلك أسوأ المثل على من يستغل خبرته القانونية كمسئول مهم فى الدولة فى أكل حقوق الناس بالباطل..على أية حال فليس بدر عبدالعزيز وأمثاله هو الموضوع الأساس الذى أكتب فيه الآن، ولكن الموضوع الأساس هو : كيف يمكن تحرير جنحة لمواطن لعدم سداد فاتورة مياه؟ دون إنذار للمواطن أوتنبيه عليه، بل حتى دون أخذ أقواله؟؟...المهم أننى سلمت أمرى لله وقمت بسداد العشرين ألف جنيه وتصالحت مع شركة مياه الشرب بالقاهرة الكبرى مع تنازل صريح من الشركة عن الجنحة رقم 3182 لسنة 2019 موقع عليه من السيدة خديجة عطوية المحامية المفوضة من الشركة فى التنازل عن جنح المياه وقمت بتسليم التنازل إلى محام قام بعمل معارضة فى الحكم الغيابى، وفى جلسة المعارضة تقدم المحامى بالتنازل إلى المحكمة التى رفضت أن تستلمه إلا فى حضور المتهم شخصيا ودخوله للقفص أولا، وعبثا حاول المحامى أن يوضح للمحكمة أن المتهم شيخ عجوز مريض مقيم فى سوهاج على بعد 550كيلومترا من القاهرة، وقد أدى بالفعل للدولة ما لها عليه أو بالأحرى ما يفترض أنه عليه .. لكن المحكمة رفضت توضيحاته ورفضت أن تستلم التصالح، وطلبت منه حضور المتهم شخصيا قبل نهاية الجلسة، عندئذ طلب المحامى التأجيل لجلسة قادمة، لكن المحكمة رفضت التأجيل وقامت بتأييد الحكم لأن هذا ما يقضى به القانون!، ولا اعتراض لدينا على القانون، ولا على التزام المحكمة بالقانون فهذا هوما ينبغى أن يكون!، وقد احترمنا حكم القضاء وارتضيناه لأن هذا واجب علينا وعلى كل مواطن وقمنا بالاستئناف طبقا للقانون. لكننا فى الوقت ذاته من حقنا أيضا وواجبنا كل الحق والواجب أن نطالب مجلس النواب بتعديل مثل تلك القوانين ليس حماية لنا، ولكن حماية لسائر المواطنين الذين قد يوقعهم حظهم العاثر فيما أوقعنا فيه، بما فى ذلك أعضاء مجلس النواب أنفسهم حينما يفقدون صفتهم النيابية وهى صفة سوف يفقدونها على الأرجح فى يوم من الأيام، قرب هذا اليوم أو بعد وعندئذ سوف يفقدون تلك الحصانة التى يتمتعون بها والتى تؤمنهم من كثير من الأخطار الإجرائية التى يواجهها المواطن العادى فى معاملاته اليومية مع الموظفين البيروقراطيين المتعنتين، وأول التشريعات التى نطالب المجلس بالمسارعة إلى إصدارها فى هذا الخصوص تشريع يكون مضمونه ما يأتى : كل موظف عمومى له سلطة تحرير محضر لمواطن يتهمه فيه بارتكاب جريمة عقوبتها الحبس أو الغرامة، يعاقب بنفس العقوبة أو بعقوبة أشد، إذا لم يقم بمواجهة المواطن بما هو منسوب إليه مع أخذ أقواله وإثبات دفاعه فى محضر موقع عليه من الطرفين، كما توقع نفس العقوبة على الرؤساء المباشرين لذلك الموظف باعتبارهم شركاء ومحرضين على هذا الفعل الذى يمثل جريمة متكاملة الأركان، وباعتبارهم أيضا مستفيدين محتملين من المزايا المادية والمعنوية المترتبة عليها سواء تحققت تلك المزايا أو لم تتحقق. وفى ظنى أن مثل هذا القانون لو صدر فسوف ترتجف أيدى أولئك البيروقراطيين المتعنتين قبل أن يحرروا ما يحررونه حاليا بمنتهى الاستخفاف واللامبالاة، والحقيقة أن أيديهم وأصابعهم مرتجفة بطبيعتها، لكنها ترتجف الآن خوفا من مساءلة رؤسائهم لهم، وتوهمهم أن المواطن خصم للدولة، وأنهم هم أى الموظفين هم الذين يمثلون الخصم الذين يعملون فى خدمته ويتقاضون منه أجورهم وحوافزهم، وهو توهم يذكيه فى أنفسهم مسلك رؤسائهم المباشرين، غير أن هؤلاء وأولئك ينسون أن المواطنين هم الدولة ذاتها أما الجهات الإدارية فهى جهات فوضها المواطنون لإدارة شئونهم فى أمور معينة، ومنحوها من الصلاحيات ما يمكنها من إدارة تلك الشئون بشكل رشيد ومتعقل، ولم يفوضوها بداهة صلاحياتها لتكدير حياتهم وجعلها محفوفة بأخطار لا يعلمون متى وكيف ستنزل على رؤوسهم!!، لهذا السبب فإن مجلس النواب باعتباره ممثلا لسائر المواطنين الذين هم مصدر لسائر السلطات، لهذا السبب فإن مجلس النواب هو الملاذ الأول والأخير الذى ينبغى أن نتجه إليه فهو وحده بما له من سلطة الرقابة والتشريع، هو وحده القادر على إيقاف العبث الذى يمارسه البيروقراطيون المتعنتون، وهو وحده القادر على جعل تلك الرؤوس والأصابع المرتجفة، جعلها تستدير لكى ترتجف فى الاتجاه الصحيح، أعنى اتجاه الحرص على أمن المواطن وكرامته، وقبل ذلك وأهم من ذلك: حريته