مهنة تأكل أجساد أربابها.. "عم محمد" يواجه اندثار مهنة "تلميع المعادن" بورشته الصغيرة في طنطا (فيديو وصور)

محافظات

بوابة الفجر


داخل ورشة صغيرة، بشارع طه الحكيم، أقدم شوارع طنطا، بمحافظة الغربية، يجلس رجل في أواخر عقده السادس منهمكا في تلميح إطار سيارة،غير عابئ لملابس المتسخه من الغبار الناتج عن آله تلميع المعادن محيط به بعض الأواني النحاسية التي ترجع لسبعينات القرن الماضي وسرير نحاسي وبعض الآلات البدائية، وعده صور قديمة لأفراد عائلته، يبدو المنظر مدهش للمارة الذين تستوقفهم هيئة الورشه والمقتنيات القديمة المعلقه علي الواجه.

٥٦ عام في تلميع المعادن.. «عم محمد» يروي سبب تعلقه بالمهنة

محمد يونس، قارب علي عامه ال ٧٠، لكن شغفه بمهنة والده لايزال في عمر العاشرة ذلك الشغف الذي كان يدفعه للذهاب لورشه والده عقب إنتهاء يومه الدراسي تاركا حقيبته في أحد أركان الورشه متابعا ما يقوم به والده من مهام ويحاول مرارا وتكرار تقليده حتي تشرب أصول المهنه وظل متمسكا بها رغم ما لحق به من تدهور في حالته الصحية بعد إصابته بحساسيه في الصدر بسبب الغبار المطاير من الآلات التلميع وإصابته بمرض الضغط ساخرا "من المناهدة ليل ونهار مع الزباين" وعلي الرغم من أن الربح بها ضئيل للغاية فضل العمل بورشته علي أن ينصرف لمهنه أخرى فيروى أن والده الحاج "احمد يونس" كان أقدم "صنايعي" في تلميع المعادن بمدينة طنطا وذاعت شهرته في محافظة الغربية والمحافظات المجاورة، وعلي الرغم من صغر الورشه إلا أنها كان يعمل بها أكثر من ٣٠ عامل كل منهم متخصص في تلميع اشياء معينه كالاواني النحاسية، النجف، الاسره النحاسية والحديد والعربات، وكان الضجيج يملاء أرجاء المكان من الساعة الخامسة صباحا حتي منتصف الليل.


وتوقف عن الحديث لبعض الوقت وهو يجوب بنظره متحسرا عما وصل له الحال في المهنة قائلا " مش دلوقتي بفتح الورشه الساعة ٩ وارجع البيت الساعه ٥ عشان مفيش وزباين والصحة معدتش تستحمل" متابعا أنه لم يندم يوما علي عمره الذي قضاه في هذه المهنة "الورشة دي جزء كبير من حياتي، انا عيشت طفولتي هنا، لما بحس أن نفسيتي تعبانه باجي الورشه واسترجع ذكرياتي فيها بحس براحه انا مش ندمان ولو رجع بيا الزمن مش هشتغل غيرها "

"عم محمد": كنا بنلمع السرير النحاس ب ١٠ جنيهًا والحديد ٥٠ قرش

أما عن طريقة التلميع فيشرح أنها تبدأ بتنظيف المعدن" نحاس، حديد، المونيوم " مرورا بعملية الفرشة لتنظيفها من البقايا العالقه بها ومن ثم التطهير ثم عملية الونيش للحفاظ علي التلميع مدة أطول وصولا بالمرحلة النهائية وهي التلميع علي أله كهربائية متابعا أنهم كانوا يقوموا بعملية التلميع يدوي عام ١٩٥٠ حتي تمكن والده من تجميع نفقات أله حديثه وقتها واشترى بعدها شقيقه آله أخرى ظهرت في السبعينات وعلي الرغم من أستخدمه لاله متطورة لم يستغن عن آلات والده البدائية ذكرا أحدث الأمثال الشعبية "من فات قديمة تاه".

وتابع أنه كان يقوم بتلميع السرير النحاس ب ١٠ جنية والحديد ب ٣٥ قرش الذي نعته ب "نحاس الغلابة" وأسره المستشفيات ب ٢ جنية كعمل خيري متابعا أنه الآن يكسب في اليوم ٣٠ جنية أو ربما خلال الأسبوع.


وطالب "محمد يونس" الجهات المسئولة عن المهن اليدوية والمشروعات الصغيرة بتوجيه الشباب لإحياء المهن التي في طريقها للإندثار خاتما حديثه بجملة تحمل أقسي معاني الحسرة وخيبة الأمل «خايف أموت الورشه المهنة تموت في طنطا لو عندي عيال كنت علمتهم».