في اليوم العالمي للقهوة.. كيف وصلت إلينا معشوقة الصباح؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


تتجاوز القهوة بالنسبة للكثيرين كونها مشروبًا ساخنًا، فيعتبرونها عالمًا موازيًا يهيمون فيه بين التفاصيل والذكريات، على حد وصف شاعر الأرض الفلسطينية، محمود دوريش، عندما وصفها بأنها صوت المذاق، لا تُشرب على عجل، بل تُحتسى على مهل، لذا خصصت المنظمة الدولية للقهوة يومًا يتم الاحتفال فيه بهذا المشروب الساخن، والذي يوافق الـ29 من سبتمبر.

تُعد القهوة بمثابة ثاني أكثر السلع تداولًا في العالم بعد النفط، كما أنها أصبحت أيضًا أحد الدعامات الأساسية للنظام الغذائي الحديث، ويُعتقد أن القهوة قد تم اكتشافها في إثيوبيا ثم انتشرت بتوسع في الشرق الأوسط خلال القرن السادس عشر للمساعدة على التركيز، كما أنها أثارت أيضًا ثورة اجتماعية في بريطانيا في القرن السابع عشر.

وفي السطور التالية نحاول رصد الحقائق عن القهوة، والتي من الممكن أن تكون غائبة عن الكثيرين فيما يتعلق بالقهوة.

ماعز كالدي تحب القهوة
بحسب الأسطورة الشعبية المتداولة، يرجع اكتشاف القهوة إلى راعي غنم إثيوبي يُدعى كالدي خلال القرن التاسع، حيث اكتشف التأثيرات المنشطة والمنعشة للبُن، ولاحظ أعراض النشاط المفرط على الماعز بعد تناول بعض الحبات من الشجرة، فأخبر كالدي رئيس الدير المحلي عن هذا، والذي جاء بدوره بفكرة تجفيف وغلي هذه الحبوب لصنعِ مشروبٍ منها، فألقى بالحبوب في النار، لتنداح رائحة البن جلية، بالشكل الذي نعرفها عليه، ثم تم جمع الحبوب المحمصة من الجمر، وتقشيرها وإذابتها في الماء الساخن، وهكذا تم صنع أول فنجان من القهوة في التاريخ

وجد رئيس الدير والرهبان أن هذا المشروب قد أبقاهم مستيقظين لساعات في كل مرة، وهو الوقت الذي خصصه الرجال لقضاء ساعات طويلة من الصلاة، وانتشرت أخبار هذا المشروب الساخن في أماكن بعيدة مثل شبه الجزيرة العربية.

في الوقت ذاته، كان هناك صوفي يمني يدعى غوثول أكبر نورالدين أبو الحسن الشاذلي قد أدعى اكتشاف القهوة، يقال بأنه رصد الطيور التي تتغذى على حبوب البن وهي تحلق فوق قريته بنشاط غير معتاد، وبتذوق بعض تلك الحبوب التي تناولتها الطيور وجد نفسه أيضًا على غير العادة في حالة تأهب.

التخمير على يد الأولياء
هناك قصة أخرى رائجة عن القهوة، حيث يُقال إنه تم اكتشافها بواسطة شيخ يدعى عمر، وهو أحد التلاميذ لغوثول أكبر نور الدين أبو الحسن الشاذلي، فبينما كان في المنفى بمنطقة موكا، إحدى المدن اليمنية القديمة،  وكان عمر مشهورًا بقدرته على علاج المرضى من خلال الصلاة والدعاء، عاش في تلك الفترة بكهف جبلي في الصحراء، جائع ووحيد، مما دفعه يومًا ما إلى محاولة تناول بعض الحبوب من البن لكنه وجدها شديدة المرارة، فحاول تحميصها لكنها صارت أكثر صلابة، وفي النهاية، قرر غليها مما أدى إلى ظهور سائل بني اللون ذو رائحة قوية ونفاذة، ما منحه قدرًا كبيرًا من الطاقة سمح له بالبقاء مستيقظًا لأيام عدة في النهاية.

وبحلول القرن السادس عشر؛ كانت القهوة هي المشروب المفضل في كل من بلاد فارس ومصر وسوريا وتركيا، وأخذ صيتها كمشروب عربي يتنقل بلا نهاية بين آلاف من الحجاج الذين يزورون مكة المكرمة في كل عام من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وأخذ التجار اليمنيون على عاتقهم جلب القهوة من أثيوبيا وزراعتها بأنفسهم، كما قصده الصوفيون في اليمن كمشروب يساعد نوعًا ما على التركيز وكمسكن روحي، ولإسعافهم على البقاء متيقظين أثناء الصلوات الليلية.

ثورة اجتماعية 
كان لظهور القهوة أثرًا ضخمًا، جعلها أشبه ما تكون بثورة اجتماعية كاملة، فقد كانت تُحتسى في المنازل كمشروب محلي، لكن بشكل أكبر في المقاهي العامة واسعة الانتشار التي ظهرت في العديد من القرى والبلدان والمدن عبر الشرق الأوسط وشرق أفريقيا، وسرعان ما أصبحت هذه المقاهي بمثابة مكانًا عامًا يتوافد عليها الناس إليها للاختلاط والتعارف، فإلى جانب احتساء القهوة والدردشات كانت هناك الكثير من أشكال الترفيه الأخرى، منها الأداء الموسيقي، والرقص، والشطرنج، والأهم من ذلك، النميمة والجدال ومناقشة الأخبار العاجلة لليوم، وسرعان ما عُرفت هذه المقاهي باسم "مدارس الحكماء"، المكان الذي تذهب إليه إذا كنت تريد أن تعرف ما يدور بعالمك، ومن هنا نشأت العلاقة بين القهوة والحياة الفكرية.

مشروب مُحرم
شهد تاريخ القهوة فصولًا ممتدة من التحريم والحظر، لأنها آثارت مزيجًا ممتدًا من هواجس الخوف والشك والقلق الديني، والرياء، ففي عام 1511 تم تحريم شرب القهوة من قبل عدد من الفقهاء والعلماء المسلمين الذين اجتمعوا بمكة حينها، وذلك بضغط من "خاير بك" حاكم مكة آنذاك والذي خشي أن تشكل القهوة حاضنة تعزز المعارضة ضده من خلال اجتماع الرجال يوميًا لتناولها والسماح لهم بمناقشة إخفاقاته.

هكذا ولدت علاقة القهوة بالفتنة والثورة منذ ظهورها، وعلى الرغم من الإفتاء سابقًا بكون تناول القهوة هو نوع من الإثم، إلا أن الجدل حول ما إذا كانت تسبب السُكر حقًا أم لا، استمر واحتدم بشدة خلال الأعوام الثلاثة عشر اللاحقة، وذلك حتى تم إلغاء الحظر في النهاية عام 1524 بأمر من السلطان العثماني سليم الأول، والذي طلب من محمد أبو السعود العمادي مفتي العاصمة في الإمبراطورية العثمانية بإصدار فتوى تحلل شرب القهوة مرة أخرى.