دروس خصوصية لتعليم الطريقة.. مغامرة لـ"الفجر" تكشف مافيا التنقيب عن الآثار

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


لم يكذب من قال أن مصر "بلد العجائب"، فبرغم خطورة عمليات التنقيب عن الآثار وتجريم القانون لها، الإ أن هوس البعض جعلهم يقعون في فخ الجرائم، فمنهم من يقتل ويغتصب وينتهك الحرمات، بل أن البعض منهم يدفع حياته ثمنا لتلك الأوهام.
بعد معاناة يوم شاق بين ترتيب المنزل، ومراعاة الأبناء والزوج، دلفت السيدة "كريمة" إلى غرفتها برفقة أبنائها الأربعة (أنس، آية، منة، تسنيم) إلى النوم كي تنال قسطاً من الراحة، لم تعرف ثلاثينة حينها أن تلك الدقائق هي الأخيرة لها في الحياة برفقة أبنائها.

فبينما وضعت الأم رأسها على وسادتها، كان الأب "خالد" يعد العدة لارتكاب جريمته، أحضر ساطوراً، وأخذ يتنقل بين غرف شقته بمنطقة الحريشي بمركز الفيوم، ليجهز به على زوجته وأطفاله الأربعة، في مشهد دموي تخشي كاميرات السينما تصويره من هول المنظر.

وبعد أن أتم معلم اللغة الإنجليزية بمعهد الفتيات الأزهري جريمته، جلس في جانب غرفته واتكأ بظهره على حائط الغرفة ويده غارقه بالدماء، ينظر إلى جثة زوجته وأبنائه، وانخرط في نحيب فاجع.

ربما راودته حينها ذكريات عدة شهور ماضية، عندما كان يعمل بدولة خليجية، وعاد لزوجته وأبنائه يحمل حصيلة من المال لا بأس بها، ثم استقطبته مجموعة من العاطلين بحجة التنقيب والإتجار في الآثارمن أجل جني مبالغ طائلة، وبعد أن نهبوا كل أمواله حاولوا التخلص منه، إلا أنه فاجأهم بأن لديه معلومات ومستندات تدينهم أمام القانون فهددوه بقتل أبنائه، إن حاول توريطهم في قضية من قضايا الآثار، أو أفصح عن ما يمتلكه من معلومات، فبادر بقتلهم باستخدام ساطور قام بشرائه من مكان محدد لذلك الغرض لاعتقاده في جدية تهديداتهم.

المشهد السابق لم يكن قطعة من فيلم سينمائي، بل هو واحد من آلاف الحالات في مصر، التي خُدعت بحلم الثراء السريع والحصول على حياة رغدة من خلال البحث والتنقيب عن الآثار والكنوز، واستيقظت على كابوس فقدانها لنفسها وأسرتها.

ومع تملك المواطنين هاجس التنقيب عن الآثار، وضعف القوانين التي تعاقب الباحثين عن الآثار والكنوز المفقودة، استغل بعض الدجالون والمشعوذون ذلك الهوس لإقامة صفحات وأكاديمات إلكترونية من أجل تعليم علوم البحث والتنقيب عن الآثار والكنوز المدفونة.




"تدريس جميع علوم الدفاين والكنوز وشغل الأرض.. نبدأ معك من أول تعليم الكشف الصحيح والتحديد والتربيع والتثبيت".. كانت صيغة إعلان منشور على إحدى الصفحات عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" والتي تحمل اسم "تعليم علوم الكشف واستخراج الكنوزو الدفاين والأثار"، كما تضمن المنشور عدد من أرقام الهاتف للتواصل مع صاحب الأكاديمية وهو الشيخ "ش.م"، ووضع بالمنشور عدد من الروابط الخاصة بالأكاديمية وموقعها الإلكتروني.





تواصلنا مع صاحب الإعلان من خلال أحد الأرقام الموجودة بالمنشور، فأجاب أحد الأشخاص معرفاً بنفسه أنه الشيخ "ش.م" صاحب الأكاديمية، وسأل عن هويتنا.

حينها أوضحنا له أننا رأينا الإعلان للأكاديمية عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، ونرغب في الحصول على دورة في التنقيب عن الآثار في الأكاديمية الخاصة به.





ثم سألنا "الشيخ" حول سبب الحصول على الدورة، فأخبرناه أننا نهوى فكرة البحث والتنقيب عن الآثار، بجانب أننا نعيش بمنطقة المطرية في القاهرة، وهناك الكثير من الأقاويل التي تدور حول وجود كنز أسفل منزلنا، ونرغب في التنقيب عنه، كما موضح بالإعلان، فأجاب: "تكلفة الدورة من خارج مصر التكلفة ألف دولار، أما من الداخل فالتكلفة 10 آلاف جنيه مقسمة على جزئين".


وتابع حديثه قائلاً: "الجزء الأول 5 آلاف جنيه، وهذة تكلفة أول درسين عملي وهم لكشف والتحديد وتكون في محافظة الإسماعيلية، حيث مقر الأكاديمية وهو الفرع الوحيد لها، أما الـ5 آلاف جنيه المتبقية فهي تكلفة بقية الدروس، ويتم دراستها نظرياً من خلال كتب ووثائق وتشمل تربيع وتحصين وتأمين الموقع، وهذه الأجزاء نظرية لا تحتاج إلى عملي".


وحينما استفسرنا حول طريقة التعلم وهل الأكاديمية معتمدة، أوضح الشيخ "ش" أن المادة العلمية مقسمة إلى عدة أقسام منها الكشف الصحيح عن موقع الكنز والتحديد والتربيع والتثبيت لطرد الجان، والجزء الثاني طرد جميع الأرصاد وكيفية التعامل معهم وتحصين مكان الاستخراج، أما الجزء الثالث من خلال التعامل مع عمار المكان من الجن لترحيلهم، ثم تعليم  الحفر أسفل المنشأة لاستخراج الكنز من خلال عزائم وآيات قرأنية تتضمن عزائم للشق وللسحب والتبديل للتخلص من المياه الجوفية، وكل هذا مزود بالخطوات العلمية، ولكنها غير معتمدة فهي أشبه نظام الدروس الخصوصية.

وتابع أن تلك الطريقة هي طريقة روحانية بعيداُ عن استخدام أدوات الكشف عن الآثار، فالعلوم الروحية تغني الشخص عن أية معدات، وانتهت المحررة بالإتفاق معه على تجهيز المبلغ المطلوب ثم ستتواصل معه مرة أخرى من أجل المقابلة.




عقب التواصل مع الشيخ "ش"، طلبنا منه تحديد موقع لتعلم عملية التنقيب عن الآثار، ولكن قريب من منطقة القاهرة، وذلك للتأكد من أن الأمر حقيقي ولا لن يتم النصب علينا بعد دفع المبلغ.

فوافق الشيخ، وأخبرنا أن هناك مساعد له في مدينة بنها، يمكن أن يصطحبني في جولة بإحدى المناطق الآثرية التي يمكن التنقيب بها، فوقع الأختيار على منطقة "تل أتريب"، والتي سرق منها عشرات من القطع الأثرية والتي تبلغ مساحتها أكثر من 3 أفدنة.

وبالفعل في تمام الساعة العاشرة صباحاً، توجهنا إلى المنطقة المذكورة وكان في انتظارنا بموقف "ميكروباصات بنها"، السيد "م"، بالحديث معه تبين أنه اشترك في العديد من عمليات التنقيب عن الآثار، ولكنها ليست مهنته الأساسية فهو يعمل كموظف بإحدى شركات الكهرباء.



وبسؤاله "كيف تتم عملية التنقيب عن الآثار"، أخبرنا في البداية سيقوم الشيخ بتعلمينا كيفية الكشف عن الأثر وتحديد المنطقة من خلال بعض العزائم، ثم نحضر عدد من مواسير الفايبر الدائرية، ونقوم بالحفر في المنطقة المحددة، ونضع تلك المواسير في منطقة الفحت حتى تهبط الرمال وتنغلق الحفرة، ثم نقوم بإحضار عدد من الحقن من أجل تجميد المياه تحت الأرض، و تسمى"حقن تجميد المياه الجوفية" وهي شائعة الاستخدام بين المنقبين الآثريين.
وفي المرحلة التالية يتدخل الشيخ، أو المنقب إذا كانت لديه القدرة للحديث مع عمار المكان"الجان" المسئول عن المقبرة، وإقناعه بتركها بعد الاستماع لطلباته وتنفيذها ثم يقوم الفرد بإستخراج كنزه.

ثم اصطحبنا في جولة للتعريف بالأماكن التي يمكن الحفر والتنقيب بها، لاستكمال الجانب العملي من الدرس.



أكاديمية الدكتور (غ) 
هناك عدة طرق يتبعها الباحثون عن الكنوز والآثار، الأولى من خلال الشعوذة والعزائم، أما الثانية من خلال أسياخ النحاس، والثالثة من خلال أجهزة البحث التنقيب الإلكترونية.

"التنقيب بأسياخ النحاس" وهي طريقة إحدى الطرق التي يستخدمها المنقبون على الآثار، وتقوم على استخدام أسياخ من النحاس في عمليات التنقيب بديلاً لأجهزة الاستشعار الحديثة.

"تعلن أكاديمية الدكتور غ.س عن دورة في فن التنقيب عن الذهب والآثار".. صيغة إعلان أخرى لأحد إعلانات التنقيب عن الآثار والكنوز، وضعتها أكاديمية "غ.س" الإلكترونية المتخصصة في علم الآثار، مشيرة إلى أنها تشرح للفرد طريقة التنقيب عن الآثار من خلال طريقتين الأولى بإستخدام أسياخ النحاس أما الثانية فبإستخدام أجهزة الاستشعار الحديثة.




اشترطت الأكاديمية من أجل الحصول على الدورة دفع مبلغ  قدره 150 دولارًا أمريكيًا يحول المبلغ إلى حساب بنكي وبعد استلام الحوالة يتم اعطاء الفرد كود سري من أجل الإنضمام لها، ويسجل الفرد أسمه ثلاثياً مع رقم هاتفه ودولته، وطريقة التعليم إلكترونية عن بعد، وهناك كتاب مرجعي يسمى "الموسوعة العلمية" يحصل عليه الطالب مقابل دفع مبلغ 100 دولار يصل إليه عن طريق الشحن.

راسلت "الفجر" الأكاديمية الإلكترونية والتي أوضحت أن طلبت الانتساب ترسل عبر رسالة خاصة وبعد دراسة الطلب ودفع المبلغ المحدد، يحصل الطالب على الموافقة، وتفتح الأكاديمية باب التسجيل عند وصول طلبات الانتساب إلى 25 طالب فيما أكثر، ويتم الإعلان عن المواعيد من خلال صفحة الأكاديمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقد عرضت صفحة الأكاديمية طريقة البحث بأسياخ النحاس موضحة أن الفرد يحضر عدد 2 أسياخ نحاس  بسماكة لا تزيد عن 6 ملم،  ثم يتم ثني كل سيخ نحاسي بزاوية قائمة بواسطة الكمّاشة، ولكن يكون جزء منه بطول 50 سم والجزء الآخر بطول 15 سم، ثم يتم برد كل سيخ نحاسي بمبرد الحديد حتى يتحول السن إلى مدبب.

ومن هنا يقوم الباحث بتمرير الأسياخ على المنطقة المراد البحث فيها عن الكنز، يمسك سيخ باليد اليمنى والسيخ الأخر باليد اليسرى ويتم تمرريها على المكان فإذا انفجرت الأسياخ هذا يعني أن المكان به مقبرة أثرية أو شئ مدفون.



أما الطريقة الثانية فهي التنقيب بإستخدام أجهزة "الاستشعار الحديثة"، ووضعت الأكاديمية عدة شروط للباحث تتمثل في "تحضير المعدات الخاصة بالحفر والتنقيب والذهاب بها إلى المكان المحدد، تحريك الجهاز جنبا يميناً ويساراً، مع إبقاء المسافة قصيرة بين الجهاز و الأرض، معاملة جميع النتائج الإيجابية كمؤشرات على كتل أكبر، الذهب لا يتواجد في مساحات صغيرة لذلك يجب على الفرد الحفر في أعماق كبيرة".

تلك الطرق يتم التدريب عليها عملياً من خلال فيديوهات شرح لكل طريقة حتى تساعد الباحث بالتزود بكافة المعلومات.

السجن المشدد عقوبة التنقيب
وفي هذا السياق، أكد عمرو عباس أستاذ القانون الجنائي، أن قانون الآثار الجديد الذي تم تعديله العام الجاري، أوصى بالسجن المشدد لمن يقوم بالتنقيب عن الآثار أو الكنوز.

وأوضح في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن المادة "42"من قانون حماية الآثار أوصت  بفرض عقوبات على أفعال محددة  بقصد التهريب أو الإتيان بأفعال عمدية من شأنها هدم  الأثر أو تشويهه أو تغيير معالمه أو فصل جزءاً منه أو الحفر  للحصول على الآثار دون ترخيص.

وتابع أن العقوبة هي السجن المشدد لكل من قام  بالحفر خلسة أو بإخفاء الأثر أو جزء منه بقصد التهريب، ويحكم فى جميع الأحوال  بمصادرة الأثر والأجهزة والأدوات والآلات والسيارات المستخدمة فى الجريمة لصالح المجلس وذلك دون الإخلال بحقوق الغير حسن النية.

إشراف وزارة الآثار
ومن ناحية أخرى، يقول الدكتور سيد حسن، خبير آثار فرعونية، أن عمليات التنقيب عن الآثار الرسمية، تتم في مناطق تشرف عليها وزارة الآثار، ويقوم بها بعثات أجنبية وبعثات مصرية بإشراف مفتشين من الوزارة، ويتم الإعلان عن نتيجة التنقيب بعلم لجنة من قطاع الآثار المصرية.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن كليات الآثار في جامعات عين شمس والقاهرة تقوم بتجارب عملية للتنقيب عن الآثار لتعليم الطلاب، تحت إشراف مفتشي الآثار.

كما تابع أنه عند إخراج الأثرية، يتم تحديد نوع الحجر، ومقاساته  وتوصيف المادة، وتحديد العصر الذي تعود إليه، ثم توضع بياناتها في دفتر مصور من أكثر من جهة ويتم توثيقه، موضحاً أن ما يسمى بالتنقيب العشوائي عن الآثار ما هو الإ سرقة وجريمة يعاقب عليها القانون.