د. نصار عبدالله يكتب: عن النادي الاجتماعي بالغردقة

مقالات الرأي



النادى الاجتماعى بالغردقة مثال جيد جدا على أن جانبا كبيرًا من المشاكل التى تعانى منها مصر هى فى المقام الأول مشاكل فى الإدارة من ناحية، ثم من ثقافة قطاع من قطاعات المجتمع المصرى تعود على أن يسىء استخدام الموارد خاصة إذا كانت هذه الموارد موارد عامة من ناحية أخرى.. النادى الاجتماعى فى الغردقة يشغل شاطئا بالغ الجمال، فى موقع بالغ التميز من مواقع الغردقة، لكنه تحول نتيجة للإدارة السيئة من ناحية، ولثقافة الاستهتار من ناحية أخرى إلى شاطئ بالغ القبح والقذارة!!، فزجاجات المياه الفارغة وأكياس الزبالة ملقاة على كل مكان فى الشاطئ مضافا إليها أحيانا بقايا بعض الأطعمة كريهة الرائحة كالفسيخ مثلا، وذلك كله دون مساءلة حاسمة من جانب الإدارة للأعضاء والزوار الذين تصدر من بعضهم مثل تلك التصرفات، ومما ساعد على التدهور المستمر لمنشآت النادى ومرافقه قلة إيراداته وضآلة ميزانيته، فرسم الدخول واستخدام الشاطئ مازال عشرين جنيها فى اليوم للزوار الجدد، وهو أقل من ذلك بكثير بالنسبة للأعضاء القدامى حيث لا يتجاوز بضعة قروش للفرد الواحد أى أنه مجانى تقريبا بالنسبة لهم خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار أن رسم استخدام الشاطئ فى القرى السياحية تراوح ما بين مائة وستمائة جنيه للفرد، وفى أغلب الأحيان فإن استخدام الشاطئ فى تلك القرى لا يسمح به إلا للنزلاء حيث يتراوح أجر الغرفة المزدوجة ما بين ثلاثة آلاف إلى عشرة آلاف جنيه فى الليلة الواحدة أى أن أجر المبيت لليلة واحدة يعادل تقريبا راتب خريج الجامعة لعام كامل (هذا بفرض أن ذلك الخريج قد أتيحت له فرصة الحصول على وظيفة ما).. بالطبع فإن الخريج الذى ليس له مورد غير وظيفته لن يفكر أصلا فى قضاء عطلة فى مصيف أو مشتى حتى لو كانت تكلفة المصيف زهيدة وأقصى ما يمكنه أن يفكر فيه هو أن تتاح له الفرصة للالتحاق بفوج تابع لجهة عمله حيث تتحمل تلك الجهة الجانب الأكبر من التكلفة بعد أن تحصل من خلال علاقاتها واتصالاتها على عرض خاص يتيح لها خصما كبيرا، وفى كثير من الحالات فإن تلك الجهات تحاول أن يكون النادى الاجتماعى بالذات هو المكان الذى سوف يستخدم فيه فوجها (السياحى) شاطئه المميز من حيث الموقع، وهو ما يزيد من الضغط على النادى ويضاعف أيضا من مستوى سوء استخدام مرافقه المتداعية أصلا، وفيما أتصور فإنه لو توافرت الإدارة الحاسمة للنادى فإن من الممكن الارتفاع بمستواه ارتفاعا كبيرا من خلال عدم التساهل فى تطبيق القانون الذى يحتاج بطبيعة الحال إلى تعديلات كثيرة ضرورية لتجاوز أوجه القصور فيه، وحتى لو لم تتم تلك التعديلات فإن القانون بصورته الحالية يمكن أن يواجه الكثير من السلبيات التى يعانى منها النادى، وعلى سبيل المثال إيقاف عضوية العضو المخالف لفترة معينة أو إسقاطها نهائيا إذا ما تكررت أوجه المخالفة، أيضا تطبيق غرامات فورية ضخمة على المخالفين، أو حتى تحويلهم إذا لزم الأمر فى حالات معينة إلى النيابة العامة لمساءلتهم جنائيا عن إتلاف مرفق عام.. قد يبدو هذا الكلام كلاما نظريا، لكن تجربة المحافظ عادل لبيب فى قنا ثم بعد ذلك فى الإسكندرية قد أثبتت أن هذا الكلام عملى تماما فقد استطاع عادل لبيب أن يعيد الانضباط إلى شوارع قنا عندما كان محافظا لها، ثم استطاع أن يفعل نفس الشىء فى الإسكندرية، ولقد كان أهم ما قام به ليس هو أنه قد أعاد الانضباط فحسب، ولكنه ساهم فى إرساء دعائم ثقافة جديدة ترسخت شيئا فشيئا فى نفوس الناس وأصبحت جزءًا من سلوكهم اليومى، وما زالت آثارها باقية إلى الآن بدليل أننا ما زلنا إلى الآن نذكره، وما زلنا كلما رأينا الآن مدى التزام السائقين بالحارات المرورية فى الإسكندرية، ما زلنا نقول إن هذا هو فى الواقع هو إنجاز عادل لبيب الذى ترك موقعه كمحافظ منذ سنوات بعيدة لكن آثاره ما زالت باقية تشهد له إلى الآن.. نعود إلى الآن الغردقة التى قدر لى أن أقضى فيها أسبوعا هذا العام، وبالمناسبة أرجو ألا يتصور القارئ أنى من نزلاء القرى السياحية لأن هذا يفوق إمكاناتى بكثير، ولكننى لحسن الحظ أمتلك شقة فيها فى مدينة مبارك 2 اشتريتها بالتقسيط المريح منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، وخلال هذه الأعوام الثلاثين تغيرت الغردقة تغيرا كبيرا، وأهم ملمح من ملامح هذا التغير هو الزحام الشديد الذى تتزايد وطأته عاما بعد عام، وفى هذا العام أصبح وسط الغردقة أشد اختناقا من وسط القاهرة بحيث أنك فى أوقات الذروة تقطع المسافة بين السقالة والشيراتون (وهى لا تزيد عن كيلومترين) فى نحو نصف ساعة أو أكثر قليلا.. ومما يشرح الصدر أن جانبا كبيرا من هذا الزحام راجع إلى الزيادة فى عدد السياح الذين تراهم فى كل مكان تقريبا، ومن ثم فإنه يمكن القول بأن الذين راهنوا على ضرب السياحة فى مصر واهمون.