محمود فوزي يكتب : التحرش الإلكتروني والتحرر من القيم

مقالات الرأي

د. محمود فوزي
د. محمود فوزي


أفرزت التأثيرات المتنامية لتطوّر التطبيقات والبرامج الرقمية عبر منصات وشبكات الإعلام الإلكتروني؛ العديد من التحديّات الأخلاقيّة والمجتمعية؛ سواء علي مستوي المتصفحين الإلكترونيين في حياتهم العادية، أو علي مستوي ممارسي ومحترفي الأعمال الرقمية في مؤسساتهم ومنظماتهم المختلفة.

وقد يصاحب هذه التجاوزات والانتهاكات الأخلاقية، وقائع متعددة الأشكال للتمييز العنصري وكذلك التحرش، وهو المفهوم الذي انتقل للمجتمع الافتراضي؛ من خلال الممارسات الاستفزازية Flaming التي يقوم بها أفراد في تعليقاتهم عبر غرف الدردشة ومجموعات النقاش، بقصد تشويه سمعة طرف آخر أو تقليب الرأي العام عليه، أو من خلال قيام أفراد عبر قنوات شخصية خاصة مثل البريد الإلكتروني أو بالمنتديات العامة وغرف الدردشة؛ بعرض رسائل أو ألفاظ مهينة ومتكررة بغرض انتهاك كرامة الفرد أو تخويفه، أو معاداته، أو إهانته، أو الإساءة إليه.

وبالطبع صارت هذه الممارسات تمثل جريمًة أخلاقيًة يعاقب عليها القانون كونها تمثل انتهاكًا صريحًا لخصوصية الجمهور؛ كما في جرائم سرقة الحسابات الإلكترونية، وانتهاك حقوق التأليف والملكية الفكرية، ونشر صور مزيفة ومفبركة، أو انتحال الشخصية Impersonal Identity Theft؛ بقيام فرد أو جهة باختراق الحساب الإلكتروني لآخر، ونشر رسائل في شكل معلومات أو صور غير لائقة أو مسيئة علي لسانه؛ بغرض تشويه سمعته.

وبالعام الماضي 2018 أجري الباحثان(Doug and Michael) دراستهم المسحية عن الممارسات غير القانونية وغير الأخلاقيّة بالمنظمات الأمريكية؛ من خلال استطلاع رأي(2120 بالغًا) للتعرف علي تصوراتهم نحو 21 نمطًا من هذه الممارسات، وتوصلت النتائج إلي مجيء "الممارسات غير القانونية بالحملات illegal campaign contributions بالترتيب الأول بنسبة (27%) تلاها "التجاهل المتعمد لوقائع التحرش الجنسي بمكان العمل" Ignoring sexual harassment or discrimination claims in the workplace بنسبة (26%).

بينما جاء الترتيب الثالث من نصيب "سرقة البيانات الشخصية لعملاء المنظمات نتيجة لتعرض كميات ضخمة من قواعد بيانات المنظمة للاختراق وحملات الهاكرز" massive data hack resulting in the respondent’s بنسبة(25%) وجاء رابعًا "التجاهل المتعمد لممارسات التمييز العنصر بمكان العمل" Ignoring workplace racial discrimination بنسبة(22%) وجاء بالترتيب الخامس والأخير بنسبة (21%) "انتهاك المنظمات للقوانين والتشريعات البيئية" Violation of environment laws.
لتطرح الدراسة اتجاهًا نظريًا؛ يرتقي من أخلاقية البيئة الداخلية لعمل المنظمة إلي نطاق اعتبارات الصالح العام والمجتمع الخارجي؛ بالإشارة إلي التحديات المتعلقة بزعزعة مباديء المصداقية والشفافية والنزاهة؛ والتي يجب أن يتمتع بها المجتمع وضميره الجمعي المستمد من القيم الدينية وأجهزة التنشئة الاجتماعية؛ كالمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة ومن قبلهم الأسرة التي صار من اللازم والضروري أن تعود إلي وظائفها التربوية وثيقة الصلة بقيم المجتمع وأعرافه ومناهجنا الدينية القويمة.