بداية من اليوم.. "الشهر الملعون" يحل على مصر

أخبار مصر

أرشيفية
أرشيفية


اعتبارا من اليوم السبت، وحتى 7 يوليو المقبل يحل شهر "بؤونة ذو الحرارة الملعونة" ضيفا ثقيلا على مناخ مصر، داعما للارتفاع العالمى فى درجة حرارة الأرض، وما ترتب عليها من تغير توزيع الظواهر المناخية التى تمثل تهديدا قويا للبشر خلال القرن الحالى، خصوصا مع استمرار سياسات الدول الصناعية وانبعاث غازات الاحتباس الحرارى، وما تشير إليه التنبؤات من أن الأعوام المقبلة ستشهد تزايدا متوقعا فى درجات الحرارة، وما كشفت عنه دراسة علمية حديثة من أن الموجات الحارة لها تأثير كبير على عمل الفرد وإنتاجه.

تمسك شهر بؤونة بشهرته المناخية كشهر شديد القيظ يضرب فى حرارته الأمثال، و"بؤونة تكتر فيه الحرارة الملعونة"، أحد تلك الأمثال الشعبية التى عبرت عن مناخ مصر خلاله، ومن المفارقات الغريبة التى يقف العلم أمامها، أن لكل شهر من الشهور القبطية رمزا لجو خاص، وأن المناخ فى تلك الشهور ثابت لا يتغير بمرور السنين رغم التغيرات العالمية فى المناخ، حيث يحتفظ كل منها بصفاتها المناخية التى على أساسها نظم الفلاح المصرى الدورة الزراعية.

يقع شهر بؤونة ما بين شهرى بشنس وأبيب، وترتيبه العاشر فى الشهور القبطية المكونة للتقويم القبطى المصرى القديم والبالغ عددها 12 شهرا، والتقويم القبطى (الفرعونى) سابق للتقويمين الهجرى والميلادى، وهو تقويم وإن كان يبدو أنه يخص مصر وحدها إلا إنه يشمل بعض دول وادى النيل التى ما زالت تستخدمه حاليا.

ويحل شهر بؤونه فى الفترة من 8 يونيو إلى 7 يوليو من كل عام، وهو الشهر الثانى فى موسم الحصاد (الشيمو)، وفيه يبدأ جنى وحصاد المحاصيل من الحقول والمزارع، ويعود اسم بؤونة لكلمة "باينى" بالقبطى، وأصلها بالهيروغليفية "با أوني"، واسمه مشتق من اسم إله المعادن عند قدماء المصريين الإله "خنتى" أحد أسماء حورس أو الشمس، لأن فيه تستوى المعادن والأحجار الكريمة بسبب شدة القيظ لذلك يسميه العامية "باؤنى الحجر".

ويعرف الفلاحون وعموم المصريون شهر بؤونة بخصائصه المناخية والزراعية المميزة، مثل الارتفاع الشديد فى درجة حرارة فصل الصيف، وحتى عقود قريبة وربما إلى الآن، يقوم الفلاح بزراعة الباذنجان فى هذا الشهر، وعندما ربط الفلاح المصرى الشهور القبطية بأمثاله الشعبية، فقد جاء ذلك لما لها من ارتباط بالزراعة من حيث فيضان النيل وجفافه وزراعة المحاصيل وحصدها، الأمر الذى عززته تكنولوجيات الزراعة واستخدام الآلات وتنوع المحاصيل عن المحاصيل الحقلية التقليدية.

وجاء فى تراث الأمثال الشعبية عن شهر بؤونة بأنه "ينشف الميه من الماعونة"، تعبيرا عن تبخر الماء من الأوانى من شدة الحر، وبؤونة "أبو الحرارة الملعونة"، و"بؤونة الحجر"، و"بؤونه نقل وتخزين المونة" أى المؤنة للاحتفاظ بها بقية العام، وكان التخزين أحد عادات المصريين القدماء، خشية الفيضان الجارف أو انقطاع الفيض.

ويحمل هذا الشهر العديد من التذكارات والأعياد المسيحية بطول أيامه، ففى ثانى أيامه يطلع الفجر مع نجم الدبران، وفى خامسه يتنفس النيل، وفى تاسعه يحين أوان قطف عسل النحل، وفى حادى عشره تهب رياح السموم، وفى ثالث عشره يشتد الحر، وفى عشرينه تحل الشمس أول برج السلطان وهو أول فصل الصيف، وفى السابع والعشرين منه ينادى على النيل بما زاده من ماء.

وفى هذا الشهر ينضج التين ويكون فيه أطيب منه فى سائر الشهور، وينضج العنب الفيومى والخوخ الزهرى والكمثرى والقراصيا والقثاء والبلح والحصرم، ويطيب التوت الأسود، وفيه يطلع النخل ويقطف جمهور العسل فتكون رياحه قليلة.

ومن الناحية الزراعية، ففى شهر بؤونه تشتد حاجة الحاصلات الصيفية الى الرى المتقارب، وقد تهب خلاله احيانا رياح حارة فتسبب شيئا من الضرر لمحصول القطن بسقوط بعض اللوز، وقد يصاب كذلك الارز المتأخر ببعض الضرر، وفيه يتم جمع لطع دودة القطن ويتم زراعة الذرة الشامى النيلى والسمسم والسمار فى الوجه البحرى، وزراعة الذرة الشامى والبطاطا فى الوجه القبلى، وتزرع اللوبيا والفاصوليا والبطيخ والشمام والخيار والكوسة والقرع العسلى والملوخية والرجلة والبامية والطماطم والباذنجان والفلفل، ويستمر شتل الكرنب والقنبيط والكرفس والكرات، وفسائل الخرشوف، وتجهز الارض لزراعة الفراولة والمحاصيل الشتوية المبكرة، ويستمر تطعيم المانجو وترقيد النباتات، وتسميد الشتلات والعقل الصغيرة وجمع الخوخ والبرقوق والعنب والتفاح البلدى والليمون البلدى والتين والتين الشوكى، ويجمع من الموز المحصول الصيفى ويكثر الجميز ويبدأ بجمع الكمثرى وبوادر المانجو.

ومن الناحية العلمية، يعرف الخبراء "موجة الحر" بأنها الحالة التى يرتفع فيها معدل الحرارة بنسبة خمس درجات لمدة لا تقل عن خمسة أيام على التوالى، ومن هذا المنطلق توقع أحد مسئولى منظمة الصحة العالمية، أن تكون هناك "موجة حرارة شديدة كل عامين خلال النصف الثانى من القرن الواحد والعشرين"، الأمر الذى سيؤدى إلى خروج كوكب الأرض من العصر الدافئ إلى العصر الساخن.

وطبيا، فإن ارتفاع درجة حرارة الطقس يؤثر على صحة الإنسان، فتقع الصحة العامة فى دائرة الخطر، حين تجتمع ظروف جوية معينة بتكاثف الرطوبة ودرجات الحرارة العالية، والنتيجة مشاكل فى الدورة الدموية وفى الجهاز التنفسى، إضافة إلى الربو وأعراض أخرى كاضطرابات النوم وغيرها بحسب منظمة الصحة العالمية، ويعتبر المسنون والأطفال من أكثر الفئات العمرية المتضررة، خاصة قاطنى المدن والمناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية الكبيرة، فيكون الشعور بالتعب وانخفاض عام فى الأداء الذهنى والبدنى خاصة فى أوقات العمل.

وبيئيا، يترتب على تآكل طبقة الأوزون اثار سلبية على الحياة، واختلال فى التنوع البيولوجى، ونقص الغذاء وخلل الأنظمة المنتجة للغذاء وانتشار الأمراض المعدية بشكل عالمى.

وهندسيا، فإن التغيرات المناخية لا تؤثر على الكائنات الحية فحسب بل إنها تؤدى إلى تشوهات وعيوب فى المبانى ناجمة عن أسباب مناخية وعوامل بيئية طبيعية تؤدى إلى خلل به، مما يستوجب اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لتلافى حدوثها، ومحاولة قياسها لعلاجها حتى لا تؤثر على العمر الإفتراضى للمبنى، أو تتسبب فى خسائر بشرية ومادة إلى جانب والتلوث البصرى والتأثير على صحة القاطنين فيه.