عادل حمودة يكتب: حرب أمريكية إيرانية ساخنة ولكن بلا نيران

مقالات الرأي



ترامب عرض على الإيرانيين الجلوس معهم ست مرات ولكنهم رفضوا

إيران سترد على العقوبات الجديدة بإخراج 3 ملايين لاجئ أفغاني من أرضها وتهديد المصالح الأمريكية بتفجيرات تنفذها تنظيمات إرهابية

منع إيران من تصدير النفط قد يدفعها إلى زرع حقول الألغام فى ممر هرمز كما حدث من قبل لمنع ناقلات النفط من العبور


وضعت صورة ترامب على قوالب شيكولاتة بيعت فى المطارات الأمريكية، وفى الوقت نفسه أغرقته مجلة «ماد» فى مغطس من السخرية الجارحة فصورته ــ بأسلوب الفتو مونتاج ــ وهو يرقص بنصف ثياب فى البيت الأبيض ورسمته وهو يمشى على أربع ويشد بأسنانه قطعة الملابس الداخلية الوحيدة التى يرتديها بوتين.

وما كاد ترامب يلتقط أنفاسه ــ بعد أن برأه تقرير المحقق الخاص روبرت مولر من تهمة تدخل الروس لصالحه فى الانتخابات الرئاسية- حتى فوجئ بمنظمات سياسية مؤثرة ــ مثل ويمنز مارش وموف إن- تجمع عشرة ملايين توقيع على عرائض وتطالب الكونجرس بإقالته.

ورغم حرص ترامب غير المسبوق على تجنب بلاده التورط فى حروب خارجية تستنزف مواردها وتشوه سمعتها وتقتل أبناءها فإنه فجأة صعد من تهديداته ضد إيران إلى حد إرسال حاملة الطائرات إبراهام لنكولن إلى منطقة العمليات المتوقعة فى الخليج.

حالة من التناقضات يصعب تفسيرها وجدت نفسى فيها فور أن هبطت مطار هارتسفيلد جاكسون فى مدينة أتلانتا (عاصمة ولاية جورجيا) حيث يعيش جيمى كارتر على ذكريات معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، رغم مرور أربعين سنة على توقيعها.. وحيث المقر الرئيسى لشبكة سى. إن. إن التى كشفت مؤخرا عن ابن غير شرعى لترامب أنجبه من أربعين سنة أيضا.. وحيث تخرج أجرأ التقارير عن حرية الميديا من مراكز بحثية جادة استقرت هناك.

وفى مزيد من التناقضات تحدث ترامب عن احتمال الحرب ضد إيران وهو يقلد لاعب الجولف تايجر وودز ــ الأكثر ثراء بين الرياضيين فى بلاده ــ ميدالية الحرية ولطبيعة المناسبة فإن لا أحد أخذ حديث الحرب بالجدية الكافية إلا أن صقور البيت الأبيض ــ جون بولتون مستشار الأمن القومى ومايك بومبيو وزير الخارجية الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية ــ يريان أن إسقاط النظام فى إيران خطوة تأخرت كثيرا ولا مفر منها.

والمؤكد أن ترامب سيخفف من سخونة الموقف إذا ما وافقت إيران على التخلص من برنامجها النووى أو على الأقل قبلت الجلوس على مائدة تفاوض مع الولايات المتحدة، كما حدث مع كوريا الشمالية وحسب ما ذكر محمود فائزى مدير مكتب الرئيس الإيرانى حسن روحانى: فإن ترامب طلب الجلوس معنا لكننا رفضنا فالقرار فى طهران لا يؤخذ بطريقة فردية، كما فى بيونج يانج حيث كل السلطات فى يد زعيمها كيم يونج أون.

بل إن المرجعية الشيعية السيد صادق الموسوى كتب فى مجلة الشراع اللبنانية يصف رغبة ترامب فى التفاوض مع إيران بالتوسل وحسب معلوماته الأكيدة فإن ترامب مستعد أن يقدم لهم أكثر مما قدم سلفه أوباما لكن: نحن نرفض مجرد اللقاء حتى مع أحد رموزه فالرئيس الذى لا يحترم توقيع بلاده لا يمكن الوثوق به.

ويعتقد الإيرانيون أن ترامب بسعيه للتفاوض معهم يريد انتصارا شكليا كالذى خرج به بعد أن التقى كيم يونج مرتين الذى يصفه الآن بالصديق الحميم بعد أن ألقى فى وجهه بأقبح الأوصاف ولكن اللقاءين لم يسفرا سوى عن سخرية من ترامب نالها من معارضيه.

على أن ما يؤلم إيران ويهدد استقرارها ولو نسبيا هو العقوبات المتصاعدة ضدها والتى منعت كثيرا من الشركات والبنوك من التعامل معها حتى لا تمنع من السوق الأمريكية كما أن حرمان إيران من صادراتها النفطية والمعدنية سيفقدها أهم مواردها المالية ويزيد من مساحة الغضب الشعبى المكتوم وربما يفجر تظاهرات شرسة تطالب بإسقاط النظام، كما حدث فيما قبل.

يبلغ الناتج المحلى الإيرانى 413 مليار دولار.. متوسط نصيب الفرد منه (83 مليون نسمة) 5124 دولارا وتعتبر إيران الثانية فى احتياط الغاز والرابعة فى احتياط النفط الذى تنتج منه 4 ملايين و300 ألف برميل يوميا وتعانى ميزانيتها من عجز لا يتجاوز 7 مليارات دولار أدى إلى وصول الدين العام إلى 60 مليار دولار وإن تملك مخزونا من العملات الصعبة يصل إلى 140 مليار دولار وبينما لا يزيد معدل النمو عن 4.5 % فإن معدل الفقر لا يقل عن 8 %.

وتنفذ واشنطن العقوبات هذه المرة فى وجود قوة عسكرية أمريكية استثنائية قريبة من إيران حتى لا تقوم بعمل متهور فى المنطقة ردا على العقوبات.. مما يعنى أن مشاهد التسخين التى نراها لاتستهدف الحرب وإنما تستهدف الردع.

على أن السؤال الخطر: منذ متى كان اللعب بالنار مأمونا؟ إن شرارة طائشة يمكن أن تورط منطقة بأكملها فى حرب متعددة الجنسيات تشارك فيها دول صاعدة القوة مثل روسيا والصين فلم تعد الولايات المتحدة وحدها المتربعة على العرش.

وفى الوقت نفسه لا يجوز الاستهانة بفرص إيران فى الرد على مستويات مختلفة.

على المستوى الاستراتيجى: تستطيع إيران اللعب فى ممر هرمز المعبر الرئيسى لنفط الخليج، كما فعلت من قبل عندما نفذت خطتها العسكرية غدير ــ نسبة إلى معركة شيعية قديمة ــ فى عام 1984 وزرعت ثلاثة حقول كبيرة من الألغام غرب مضيق هرمز لمنع صادرات النفط الخليجية وأصيبت سفن بالفعل حتى إن وزير الدفاع الأمريكى كاسبر وينبرجر قال وقتها مندهشا: لدينا أقوى سلاح بحرية فى العالم ومع ذلك لا نستطيع الحفاظ على تدفق النفط أمام عدو مسلح فقط بقوارب صيد من طراز بوسطن هلرس وبعدد قليل من الألغام القديمة.

وعلى المستوى السياسى: تستطيع إيران طرد ثلاثة ملايين لاجئ أفغانى يعيشون على أرضها ملقية فى حجر العالم مشكلة إنسانية صعبة تصيبه بالحرج والشلل وحجتها أنها تعجز عن إطعامهم بسبب الحصار الذى يحرمها من موارد مالية تستورد بها المواد الغذائية.

وعلى المستوى الإرهابى: تستطيع إيران الإضرار بالمصالح الأمريكية فى كثير من دول العالم بعمليات إرهابية (استشهادية) تنفذها منظمات وجماعات شيعية تمولها وتحركها وتسيطر عليها.

وعلى المستوى العسكرى: لا يمكن الاستهانة بالقوة الإيرانية.

حسب تقارير مركز ستوكهولم لأبحاث السلاح (سييرى) فإن إيران تمكنت من تركيب منظومة دفاعية تعد من الأقوى فى العالم وقد نفذتها سرا بمساعدة محدودة من روسيا والصين وساعدتها على الصمود أمام تهديدات عسكرية أمريكية وإسرائيلية.

وحسب تقرير هادى زعرور عن توازن الرعب: تبلغ الميزانية العسكرية فى إيران 22 مليار دولار إضافة إلى ميزانيات سرية سنوية تتجاوز 8 مليارات تنفق على مشروعات عسكرية خاصة.

أما عقيدتها العسكرية فهى دفاعية تعتمد على مبدأ الردع والتركيز على الصواريخ البالستية والقدرة على إغلاق ممر هرمز ونشر قوات بأعداد كبيرة فى ساحة الحرب.

يضم الجيش الإيرانى 545 ألف جندى وضابط أغلبهم فى القوات البرية (465 فردا) يضاف إليهم 175 ألف مقاتل من الحرس الثورى، أما بالنسبة لقوات التعبئة (البسيج) فهى الأعلى فى العالم فقد تصل إلى 13 مليون جندى وضابط يستدعون للتدريب حتى يحافظوا على قدرتهم القتالية ويمكن تجهيز ثلاثة ملايين منهم فى غضون ساعات.

أما القوات الخاصة فتسمى تكافار وتوازى القوات الأمريكية المسماة نيفى سيلس.

والنسبة الساحقة من النشاطات العسكرية الإيرانية محاطة بسرية مطلقة وتفخر الأجهزة الأمنية هناك بعجز المخابرات الغربية عن الحصول على ما تريد من معلومات عن الأسلحة المتطورة مجهولة الصنع ومجهولة التسليح.

وأهم من الأسلحة التقليدية (المدافع والدبابات والطائرات) التى تمتلكها إيران الصواريخ متعددة الأنواع التى تصنعها بنفسها ولا تكف عن تطويرها ونجحت فى إنتاج أجهزة توجيه ضاعفت من دقة إصابة الصاروخ سجيل الذى تتجاوز سرعته عشرة أمثال سرعة الصوت ويصل إلى هدفه خلال 13 دقيقة تقريبا.

وهناك الصاروخ هرمز ــ واحد القادر على اكتشاف الرادارات البحرية والأرضية وتدميرها فى مدى 300 كيلومتر أما الصاروخ البالستى هرمز ــ اثنين فمضاد للسفن وتتجاوز سرعته 13 مرة سرعة الصوت ويحمل رأسا من المتفجرات تزن 650 كيلوجراما تنفجر فى مدى 350 كيلومترا والأخطر منهما صاروخ بارانى الذى يعتقد أنه يحمل عددا من الرؤوس المتفجرة.

وبنت إيران فى محافظاتها البالغ عددها 31 محافظة قواعد تحت الأرض بعمق مئات الأمتار جاهزة لإطلاق الصواريخ.

وبنفسها أعلنت إيران عن إنتاجها القنبلة الذكية التى تزن ألفى رطل وتصيب الأهداف بدقة عالية.

وتغطى الرادارات نحو ثلاثة آلاف كيلومتر على حدودها وبالقرب من مراكزها الاستراتيجية.

وبرعت إيران فى استخدام الزوارق الحديثة فائقة السرعة والمجهزة بصواريخ مضادة للسفن وطوربيدات مضادة للغواصات ويمكن تجهيزها بالمتفجرات وتحويل العملية الهجومية إلى عملية استشهادية عند الضرورة.

ولدى إيران ما يقارب من 2500 دبابة وحوالى 800 ناقلة جنود مصفحة وما يقارب 9 آلاف قطعة مدفعية منها 500 ذاتية الحركة وما يزيد على ألف قاذفة صواريخ و800 طائرة مقاتلة وقاذفة وحوالى سبعين طائرة تجسس و35 غواصة هجومية ومدمرة واحدة و9 فرقاطات و3 بوارج و25 زورقا صاروخيا بجانب عدد من واضعات الألغام والسفن اللوجستية.

لكن ذلك كله لا يقارن بالقوة العسكرية الأمريكية التى تزن عشرة أضعاف القوة العسكرية الإيرانية والأهم أن لديها فى المخازن من الأسلحة المتطورة ما لم تكشف عنه حتى الآن ويكفى القول: إنها القوة الأولى فى العالم الأكثر تسليحا والأقوى اقتصادا والأقدر عسكريا.

على أن القوة النظامية الأمريكية لم تحقق انتصارا يذكر فى فيتنام وأفغانستان والعراق وقبل ذلك فى كوريا وكل ما فعلت أنها حاربت ودمرت وخربت وهزمت وانسحبت تاركة وراءها دولا فاشلة ممزقة وعاجزة عن العودة إلى ما كانت عليه.

ونتصور أن ترامب لن يغامر بتسويد صفحة جديدة فى سجلات بلاده العسكرية بأن يفرض لأول مرة حربا ساخنة ولكن بلا نيران ليحقق ما يريد من أهداف ومنها أن يجلس مع الإيرانيين ويلتقط الصور التذكارية معهم لكن هل تفلح هذه الحرب منزوعة السلاح فى تحقيق ما يريد؟

لننتظر الإجابة.