عادل حمودة يكتب: كلاكيت خامس مرة.. أسرار الرغبة الأمريكية فى إعلان الإخوان منظمة إرهابية

مقالات الرأي



المعارضون للقرار يخشون من ضرب المصالح الأمريكية وتوتر العلاقات مع تركيا والدول العربية التى تعترف بأحزاب سياسية إخوانية


من جديد عاد البيت الأبيض للضغط على المؤسسات السياسية والأمنية الأمريكية لوضع جماعة الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.

للمرة الخامسة يسعى الرئيس دونالد ترامب إلى نيل موافقة وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية قبل أن يصدر القرار.

لكن للإنصاف فإنه لم يكن أول من فكر فيه.

قبل انتخابه زار القاهرة جنرالات أصبحوا مسئولين فى إدارته منهم مايك بومبيو مدير وكالة المخابرات المركزية الوزير الحالى للخارجية الذى تحمس لطلب مصر بتصنيف الإخوان جماعة إرهابية وعرض فى الوقت نفسه قيام تحالف عربى إسرائيلى.

وزار القاهرة فى تلك الفترة أيضا السيناتور الجمهورى تيد كروز.. وكان أصغر أعضاء الكونجرس سنا.. ولد فى كندا وإن كانت جذوره إسبانية كوبية.. ودرس الفنون والقانون وكان النائب العام لولاية تكساس قبل أن يمثلها فى مجلس الشيوخ.. ولكن الأهم أنه أول من تقدم بمشروع قانون يضع الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية بعد أن نجحت إدارة باراك أوباما فى تجميد مشروع قانون مماثل سبق أن تقدم به السيناتور الجمهورى ماريو دياز بالارت عضو لجنة الاعتمادات فى مجلس النواب.

وما أن عاد كروز إلى واشنطن حتى أرسل مستشاره السياسى وسكرتيرته إلى القاهرة ليلتقيا بمن يمده بمستندات قانونية يستخدمها فى تمرير قانونه وهو على ما يبدو ما جعله يقدم للكونجرس (11) وثيقة تثبت أن الإخوان يتوارون وراء 28 منظمة خيرية وطلابية وإسلامية فى الولايات المتحدة كما أنهم كانوا شجرة الشر التى أثمرت التنظيمات الإرهابية المدمرة من «القاعدة» إلى « داعش».

فى ذلك الوقت كان الجمهوريون يتمتعون بأغلبية تسمح بتمرير القانون إلا أن مخاوف الأجهزة الأمنية من أن يؤدى القانون إلى استهداف المنشآت والشخصيات الأمريكية المنتشرة على خريطة الدنيا جعله يتجمد فى مكانه قبل عرضه على الكونجرس خاصة أن الإخوان لهم تنظيم دولى تمتد أذرعه فى دول عربية وأجنبية بدعوى أن الجماعة حركة إسلامية عالمية.

وعندما يفكر ترامب فى تجديد الفكرة الآن فإنه لن يجد نفس الدعم من الكونجرس بعد أن زادت نسبة الديمقراطيين فى الكونجرس إلا أن عداء وزير خارجيته مايك بومبيو ومستشار الأمن القومى جون بولتون للإخوان يشجعان البيت الأبيض على اتخاذ قرار بتصنيف الإخوان إرهابيا دون عرضه على الكونجرس كما حدث فى أمور أخرى اتخذ فيها ترامب قراره منفردا.

ومثل هذا القرار يفرض عقوبات اقتصادية على الشركات والشخصيات التى تنتمى إلى الجماعة أو تتعامل معها.

ولكن مثل هذا القرار يوتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن بسبب تأييد الرئيس التركى رجب طيب أردوجان القوى والمعلن للإخوان كما أن هناك أحزابا سياسية رسمية فى دول أخرى مثل تونس والأردن والمغرب تعتبر نفسها تابعة للجماعة وأحيانا يسمح لها بتشكيل الحكومة بعد حصولها على نصيب مؤثر من مقاعد البرلمان وهو ما يهدد علاقات تلك الدول ــ دبلوماسيا واقتصاديا ــ بالولايات المتحدة.

ورغبة فى إرضاء ترامب دون الإضرار بالمصالح الأمريكية تكونت فى واشنطن جماعات عمل من دبلوماسيين محترفين ومحامين حكوميين وجنرالات فى الخدمة ــ تحاول الوصول إلى حل وسط يحقق للبيت الأبيض رغبته دون الإضرار بالمصالح الأمريكية.

وعرضت عدة اقتراحات : أن يكتفى القرار بتحذير من الإخوان وفى هذه الحالة لن يساوى ثمن الحبر الذى كتب به أو يصف القرار الجماعة بأنها منظمة إرهابية دون فرض إجراءات عقابية مكملة وفى هذه الحالة لن تعانى الجماعة إلا بالنبذ.

وخرج من المجتمعين فكرة أخرى: أن يستهدف القرار تنظيمات وجمعيات مرتبطة بالإرهاب وذات صلة بالإخوان كما حدث فى إبريل الماضى عندما أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثورى الإيرانى على قائمة الإرهاب وهو ليس مجرد تنظيم عسكرى فقط وإنما مسئول عن برنامج الصواريخ البالستية ويمتلك نفوذا مؤثرا فى المصارف والشحن البحرى -أيضا- مما يعنى معاقبة الشركات التى تتعامل معه بالمقاطعة وعقاب الشخصيات التى تتعامل معه بالسجن عشرين سنة.

ولكن مثل هذا القرار أصاب شخصيات سياسية عراقية تتمتع بعلاقات طيبة مع البيت الأبيض وفى الوقت نفسه تجبرها الظروف الداخلية فى بلادها على التعامل مع الحرس الثورى الإيرانى.

وسبق أن صنفت واشنطن حزب الله فى لبنان تصنيفا إرهابيا ولحقت بها لندن فيما بعد ولكن لا مسئول واحدا فى العاصمتين فكر فى عقاب الشخصيات السياسية اللبنانية التى تجبرها طبيعة الحكم فى بلادها على التعامل مع الحزب المشارك بوزراء فى حكومة سعد الحريرى فلم يزد القرار عن كونه طحنا للماء فى خلاط.

ومن جانبها سارعت قيادات إخوانية تعيش فى الولايات المتحدة إلى الهجرة إلى كندا ونقلت أموالها ونشاطها إلى دولة تسيطر عليها تنظيمات إسلامية متشددة لم تشعر حتى الآن بالخوف منها أو تحد من تمددها وانتشارها بصورة تثير القلق.

والمؤكد أن ترامب يريد إرضاء الدول العربية المساندة له بعد أن صدمت بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلان ضم الجزء المحتل من مرتفعات الجولان السورية إلى إسرائيل والقبول بوعد نتانياهو بضم مستوطنات الضفة الغربية بعد أن فاز فى الانتخابات الأخيرة بجانب فرض ما يعرف بصفقة القرن التى يبدو أنها أصبحت جاهزة للتنفيذ بعد أن تأخر الكشف عنها طويلا.

ومن جانبه جهز البيت الأبيض ملفات موثقة شاركت فيها دول عربية تثبت تورط الإخوان فى أعمال عنف وقعت فى السنوات العشر الأخيرة بجانب تقرير يتعرض للدعم المالى الذى يلقاه التنظيم الدولى للجماعة من دول بعينها عبر شبكات دولية لغسيل الأموال.

ولكن المشكلة ليست فى الإثبات وإنما فى الآثار الخطرة للقرار.

على أن هناك بين مستشارى ترامب من يراهن على أن حماسه لمثل هذا القرار ربما يتبخر فى الهواء مثل كثير من القرارات التى تراجع عنها أو نسيها أو أخفوها عنه قبل توقيعها.

حسب بوب وود ورد فى كتابه «خوف» تقدم جارى كوهين مستشار الرئيس الأعلى للشئون الاقتصادية بحذر نحو مكتب ترامب وسحب فى هدوء مسودة رسالة من صفحة واحدة موجهة إلى رئيس كوريا الجنوبية تنهى اتفاقية التجارة الحرة ــ المعروفة باسم كوروس ــ بين بلاده والولايات المتحدة.

بموجب تلك الاتفاقية التى تعود إلى خمسينيات القرن الماضى نشرت الولايات المتحدة 28500 جندى أمريكى يستخدمون برامج «ساب» السرية والبالغة الحساسية لفك تشفير معلومات استخباراتية معقدة وسرية تستطيع رصد الصواريخ البالستية لكوريا الشمالية قبل أن تصل إلى لوس أنجلوس بنحو 38 دقيقة مما يسهل على الدفاعات الأمريكية إسقاطها فى الوقت المناسب.

ولكن ترامب لم يلتفت لتلك الأهمية العسكرية وكل ما فكر فيه أن واشنطن تنفق 3.5 مليار دولار على قواتها فى كوريا الجنوبية بينما هناك عجز أمريكى فى التبادل التجارى معها يصل إلى 18 مليار دولار.. وهنا قرر ترامب إلغاء اتفاقية كوروس.

خلسة أخذ كوهين مسودة الرسالة ووضعها فى ملف أزرق يحمل عبارة: «للحفظ» قائلا لأحد مساعديه: «سرقتها من مكتبه لم أكن لأدعه يراها لن يرى تلك الوثيقة قط كان عليه حماية بلاده».

وسار روب بورتر سكرتير موظفى البيت الأبيض على نهج كوهين فى عرقلة كثير من أوامر ترامب التى كانا يعتقدان أنها متهورة وخطرة.. «وسرعان ما ينساها الرئيس».. ومثل ذلك التصرف يعد انقلابا إداريا وتقويضا لإرادة الرئيس الأمريكى وسلطته الدستورية.

وتكرر ذلك الحدث أكثر من مرة فيما بعد مما يعنى احتمال أن يلقى قرار ترامب الماس بالإخوان أو بمنظمة تتبعهم نفس المصير.

ويدعم هذه المخاوف تقرير روبرت مولر المحقق الخاص فى اتهام ترامب بتلقى دعم روسى فى الانتخابات الرئاسية.

لقد برأه التقرير من الاتهام ولكن تحليل تقرير مولر الذى قامت به مجلة تايم أثبت أن ترامب ضعيف وخائف ومستعد للتضحية بأقرب الناس إليه ــ حتى ابنه ــ لينجو بنفسه مما يهز صورته فى عيون أنصاره باعتباره يمتلك قوة هائلة على المواجهة وإلقاء الرعب فى قلوب خصومه.

والدليل على ذلك أنه رفض الإجابة عن أسئلة مولر وجها لوجه وقدمها مكتوبة.

لكن لو كان ضعيفا مترددا فيما يتعلق بشئون بلاده الداخلية فإنه عادة ما يكون جريئا فيما يتعلق بالشئون الخارجية ولعل موقفه من إيران يدعم ذلك.

على أن السؤال : هل سيكرر موقفه من إيران مع الإخوان؟.

نحن فى الانتظار