"كان ابن موت".. والدة الشهيد إسلام مشهور: "اتحرمت من كل سنة وأنت طيبة" (حوار)

حوادث

الشهيد إسلام مشهور
الشهيد إسلام مشهور ووالدته


 

والدة الشهيد إسلام مشهور: كان نفسي ابني يكون عنده طفل قبل استشهاده

 

سوزان مشهور: إسلام كتب "أنا خريج مدرعة" وربنا اختاره وهو في المدرعة

 

وأصحابه: "دماغه قلم وقمة في الذكاء والأخلاق"

 

يوم 21 مارس من كل عام، تحتفل كل أم بعيدها وسط فرحتها بأبنائها ولمتهم حولها، وما يحملونه لها من كلمات حب وهدايا سواءً قيمة كانت أو رمزية، لكن الوضع مختلف لدى أمهات ألبسهن الإرهاب ثياب الحداد، حزنًا على فراق أبنائهن الذين ضحوا بحياتهم فداء للوطن، فيمر ذلك اليوم عليهن كشريط أسود يتذكرن خلاله أبنائهن، فمنهن من تجلس يوم عيدها تبكي حزنًا على فراق ابنها، ومنهن من تجلس لتدعو له بالرحمة، وكلاهما يحتسبوهن شهداء عند ربهم يرزقون.

 

وداخل العقار رقم 61 بمنطقة البارون بالقطامية سيتي، تسكن "سوزان مشهور" سيدة أميرة بأخلاقها وطيبة قلبها، وكرم ضيافتها، لقبت وسط جيرانها بـ"أم البطل"، بعد استشهاد النقيب إسلام مشهور، أصغر أبنائها في اشتباكات بين الشرطة وعناصر إرهابية بالكيلو 135 بطريق الواحات البحرية، لكن رغم رضاها بقضاء الله، إلا أن يوم ذكرى عيد الأم يمر عليها كمزيج بين الفرح والحزن، فرحا لوجود أبنائها وأحفادها حولها يوم عيدها واحتفالهم بها، وحزنا على فراق أصغر أولادها بعد استشهاده في حادث الواحات الإرهابي.

 

فرحة الشهيد إسلام مشهور بعد أول مأمورية له لبني سويف

 

بدأت سوزان مشهور حديثها، مرسومًا على وجهها علامات الرضا بقضاء الله وقدره وعدله بعد فقدها فلذة كبدها، قائلة: "عندي 4 أبناء، ابني الكبير ضابط بالعمليات الخاصة بقطاع الأمن مركزي، ووالدهم لواء بالقوات المسلحة بالمعاش، وابنتان وإسلام أصغرهم، وبعد حصول إسلام على شهادة الثانوية العامة، طلب من والده الالتحاق بالكلية الحربية، لكن لم يحالفه الحظ، وبعدها قدم بأكاديمية الشرطة وتم قبوله بعد اجتيازه الاختبارات".

 

وبعد قضائه الأربع سنوات بالأكاديمية، تخرج عام 2012، والتحق بالعمل بقطاع الأمن العام فور تخرجه، وعمل لمدة عامين بقسم شرطة الزاوية الحمراء، وكان في قمة سعادته، عندما التحق بقطاع الأمن المركزي، وخاصة بالعمليات الخاصة مثل أخيه الأكبر، وعمل بقطاع سلامة عبد الرءوف، وكانت أول مأمورية له بمحافظة بني سويف، بعد التحاقه بالقطاع.

 

طلب الشهادة ونالها

 

وقالت: "فوجئت بعد استشهاده أنه كان بيعمل خير كتير وبيساعد في كفالة الأيتام، والفقراء، وفي يوم قالت لي خطيبته، أنهما حال تناولها وجبة طعام بإحدى المطاعم، اشترى وجبتين لطفلين يقومان بتنظيف السيارات بالشارع" موضحة أن "إسلام مكنش بيخاف بالعكس ده طلب الشهادة ونالها" وفي أحداث ثورة يناير، عام 2011، كان يقف مع الأهالي بالشارع في ساعات متأخرة من الليل، ويطلب مني عمل مشروبات ومأكولات لهم.

 

قبل استشهاده.. إسلام يعطي لوالدته "العيدية" ويطلبها من والده

إسلام كان أسلوبه حلو وهادئ، ودائمًا كان في الأعياد يعطي لي مبلغ مالي "العيدية"، ويطلب مني شراء احتياجات خاصة لي، وكنت أنفقهم في البيت: "كان كل تفكيري هما" وفي عيد الأضحي قبل استشهاده، أعطى "العيدية" لأخته ريهام، وطلب منها أن تذهب معي لشراء هدية لي قائلًا لها: "كل ما اديها فلوس تصرفها في البيت روحي معاها اشتري لها اللي عايزاه"، وبعدها أعطى لأولاد أشقائه "العيدية"، ومن ثم طلب "عيدية من والده"، مازحًا أياه.

 

والدته: "اتحرمت من كل سنة وأنت طيبة يا ست الكل"

ابني طلب الشهادة قبل وفاته ونالها، حيث كان قد كتب على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك: "أنا خريج مدرعة" وربنا اختاره وهو في المدرعة، وكان يطلب الدعاء للشهداء، وكان دائمًا يقول لي كل سنة وأنت طيبة في الأعياد، حتى في حالة عدم وجوده، كان يتصل بي ويقول لي: "كل سنة وأنت طيبة يا ست الكل، مكنتش عايزة حاجة إلا الكلمة دي ودلوقتي اتحرمت منها".

 

قبل استشهاده طلب "بدلة سوداء" من والده

قبل استشهاد ابني كانت حالتي النفسية سيئة جدًا، وعصبية، دون سبب، ولاحظت على إسلام الإرهاق، ووجوده منفردًا داخل حجرته طوال الوقت، وقتها ظننت وجود خلافات بينه وبين خطيبته، أو في عمله، وبعد عودته من عمله صباح يوم الإثنين في نفس أسبوع استشهاده، وجدني داخل المطبخ أحضر له طعامًا، وتوجه ليطمئن علي، ظاهرًا على وجهه الإرهاق والتعب، وعندما سألته عن أحواله، رد "أنا قرفان".

 

ووقتها كانت أول مرة يشكو من عمله، وعندما سألته أجاب كنت في مأمورية في الصحراء، مضيفة أنه يوم الأربعاء قبل استشهاده بيومين طلب من والده شراء بدلة سوداء له لحضور حفل زفاف صديقه، ورد والده عليه: "لما ترجع هجبهالك"، ليرجع إسلام لوالده مرة أخرى طالبا منه شراء البدلة قائلًا له: "هاتها أنت عارف مقاسي وهاتها سوداء".

 

ويوم الخميس تأخر إسلام عن ميعاده، وبعد وصول والده المنزل سأل عنه لأنه مقيم معنا بالمنزل بعد زواج أشقائه، بسبب تأخره وقتها طلبت من والده الاتصال به للاطمئنان عليه، وأبلغه أنه في مأمورية خارج القاهرة، ووقتها شعرت بالخوف عليه، وجلست انتظره بمفردي بعد نوم زوجي وابنتي ريهام، حتى آذان الفجر، وبعدها صليت الفجر، ثم دعيت له ولإخوته: "دول هما ولادي وأصحابي وجيراني وكل حاجة ليا بعد وفاة والدي، لأني وحيدة الأبوين".

 

مات راجل والرصاصة في صدره وليست ظهره

ويوم الجمعة ذهب زوجي لصلاة الجمعة، ثم لعمله، قائلة: "سبحان الله يومها لم أقم بفتح هاتفي المحمول أو التلفاز، وكان كل تفكيري إحضار طعام لإسلام"، وحوالي الساعة 2 ظهرًا أثناء تحضيري الطعام، اتصلت بي زوجة عمه للاطمئنان علينا، وكانت نبرة صوتها غريبة، وعندما سألتها ردت بأنها اتصلت للاطمئنان علينا فقط، وبعدها اتصل أحد اقارب زوجي، ثم صديقة لي كانت تتصل في ساعة متأخرة من الليل، وقتها استغربت من مكالمتها وسألتها: "إسلام ابني حصله حاجة".

 

لترد علي: "مين معاكي"، قلت لها ريهام، وأثناء ذلك كان باب الشقة يطرق وبفتحه وجدت سكان العقار يبلغوني: "إسلام استشهد"، وبعدها وجدنا أصدقائه يكتبون على صفحته الشخصية على الفيسبوك: "إنا لله وإنا إليه راجعون، استشهاد النقيب إسلام مشهور"، ولم أشعر بنفسي وقتها، وتجمع الأهالي والجيران داخل الشقة، وقاموا بنقلي للمستشفى بعد فقداني الوعي، وبعد عودتي للمنزل جلست داخل حجرة إسلام، وشعرت كأنه متواجدًا بها ويبتسم لي.

 

ومن الناحية الأخرى كان والد خطيبة إسلام، قد أبلغ والده بخبر استشهاده، ووجدت زوجي محمولا على الأكتاف، وكان ابني أحمد متواجدًا وصحبته أصدقائه، وكانت وقتها تتردد الأقاويل، بأنه مصاب بقطع بقدمه، وتبين بعدها أن زميله الشهيد أحمد زيدان هو من قطعت قدمه، وكان كل تفكير زوجي الاطمئنان أن "إسلام مات راجل والرصاصة في صدره وليست بظهره"، وتم نقل جثمانه لمستشفى الشرطة بمصر الجديدة، بواسطة طائرة، وطلبت من والده رؤيته قبل دفنه، وتوجهنا للمستشفى لرؤيته قبل نقل جثمانه لمثواه الأخير، وعندما شاهدت جثمانه قمت بتقبيل رأسه، ولاحظت وجود آثار مثل حرق برقبته وبمحاولتي رؤيتها رفضوا، وقمت بتقبيله وابتسم لي، وأطلقت بالزغاريد كأنه عريس، وفقدت الوعي بعدها وجاءت ابنتي لتأخذني، حال نقلهم جثمانه لمثواه الأخير بمقابر العائلة بطنطا: "وصلنا كأني راكبة طيارة مش حاسة إني ماشية على الأرض".

 

النقيب إسلام مشهور "إحنا رايحين مأمورية هنا الواحات ساعتين وراجعين"

وتابعت والدة "مشهور" حديثها ودموعها تنهمر من أعينها، إسلام كان متواجدًا في أول مدرعة، والإرهاب الكفرة "حسبي الله ونعم الوكيل فيهم"، استقطبوهم لداخل الصحراء، وكان قبلها بيومين متواجدًا صحبه زملائه بقطاع المحور، تجهيزًا للمأمورية، وكانت التعليمات وقتها بتواجد 3 أو 4 عناصر إرهابية بمكان الاشتباكات، وكلفت المأمورية المكونة من ضباط الأمن الوطني، والـ4 ضباط من قطاع سلامة، بالقبض عليهم، وتم إجراء تمشيط للمكان قبلها، وتحديد يوم الجمعة للقبض عليهم.

 

وحال تواجدهم بقطاع المحور كان يوجد عقيد شرطة على معرفة بـ"أحمد ابني الكبير"، وكانوا متوجهين لمأمورية بمحافظة سيناء، وفجر الجمعة، صلوا جميعهم صلاة الفجر وكان العقيد إماما لهم، وبعد استشهاد "إسلام"، قال لابني أحمد: "إسلام كان يمزح مع أصدقائه والتقط لهم صورًا، وعندما طالبوا منه الصور رفض، لحين رجوعهم من المأمورية، وكان يقول لهم أنه سيتزوج في نهاية العام، وأن شقيقه من قام بتسميته بعد ولادته وتربيته، وكان نفسه يحدث والدته هاتفيًا، قبل المأمورية"، مشيرًا أن إسلام قال له بعد صلاة الفجر: "ربنا معاكم يا فندم أنتم طالعين مأمورية بالعريش، لكن إحنا رايحين مأمورية هنا في الواحات ساعتين وراجعين"، وعلم خبر استشهاده قبل وصوله للعريش قائلًا: "مكنتش مصدق".

 

يلتقط صورًا لتهدئة قائده أثناء إطلاق النيران عليهم في إشتباكات الواحات

وواصلت سوزان مشهور حديثها، أن صديق إسلام أجرى اتصالًا هاتفيًا به للاطمئنان عليه، فرد عليه "شوية مناوشات من برة"، وعندما طالبه بالانسحاب والرجوع رفض قائلًا: "مينفعش نرجع"، مشيرة أن القائد بالمامورية كان يستقل سيارة دفع رفاعي، وتركها وقام بالركوب مع إسلام بالمدرعة، وكان إسلام يقودها رغم أنه لم يدرب على قيادتها وكان صحبته القائد والدليل وزميله أحمد زيدان.

 

وبتجدد الاشتباكات، قال القائد له: "شكلنا من هنخرج من المكان ده"، ليرد "مشهور" عليه: "يا باشا متقلقش العمر واحد والرب واحد"، ثم التقط صورا صحبته داخل المدرعة، لتهدئته، وبعدها تم إطلاق أعيرة نارية صوبهم بالأسلحة الثقيلة، أصابت ابني أحدثت له فتحة دخول وخروج، لكنه لم يشعر بها وبعد مشاهدته الدماء تغرق المدرعة من الداخل، قال لقائده: "يافندم أنت أصيبت" ليرد عليه القائد: "لا أنت اللي أصيبت يا إسلام، قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"، ليجيب عليه: "هات حد بدلا مني يا فندم أو تعالى أنت" ثم ابتسم ولفظ أنفاسه الأخيرة بعدها.

 

ووقتها كانت نفس الطلقة أصابت رجل النقيب أحمد زيدان، سببت له قطع بقدمه، وبعد ذلك حضرت مدرعتان إحداهما استقلها القائد لنقله لأقرب مستشفى والمدرعة الثانية نقلت زميله أحمد زيدان بعد قطع رجله، وطلب من الضابطين اللذين يقومان بنقله نقل زميله إسلام صحبتهم، إلا أنهم أبلغوه أنه استشهد، حتى لفظ أنفاسه هو الآخر بعد قطع رجله، واستشهد.

 

سوزان مشهور: 'كل ما الجرس يرن أحس أنه إسلام'

ابني كان عريس وسيتزوج في شقتنا آخر السنة في نفس سنة استشهاده، لأنها آخر سنة لخطيبته بالجامعة، وكنا سيسكن بشقة بمدينة أكتوبر، بجوار إخوته، وذلك بعدما باع إسلام شقته بأكتوبر لمساعدة والده ماليا وقت زواج أخته.

 

"حرموه مني وحرموه من شبابه 27 سنة مروا علينا في لحظة، منهم لله، كل لما الجرس يرن أحس أنه إسلام، كنت بعمل حسابه في كل حاجة وبعرفه من عينه، مكنش بيعلي صوته، ولا يقول كلمة تزعل شخص منه، لكن خلاص صوره هي اللي ذكري دلوقتي، مش مصدقة نفسي إني مش هشوفه تاني، ابني مات راجل وكلهم ماتوا رجالة الـ 16 واحد ماتوا رجالة، وكل اللي بيستشهد راجل"، مضيفة: "ياريت اللي مش عارف يعرف أنهم ضحوا بحياتهم ورووا بدمائهم أرض بلدهم اللي عايزينها أحسن من نفسهم وحياتهم وأهلهم".

 

العثور على فلاشة بالواحات تحوي صوره بعد 4 شهور من استشهاده

وبعد 4 أشهر من وقت استشهاد ابني عثر عسكري على "فلاشة" متفحمة، وملقاة بالرمال أثناء إجراء عمليات تمشيطية بالمكان، وسلمها لأحد الضباط، وظنوا أنها تحوي على معلومات مهمة بالنسبة لهم، لكنهم اعتقدوا أنها لا تعمل بسبب تفحمها، وبفتحها فوجئوا أنها تعمل وتبين احتوائها على صور إسلام الشخصية، ووقتها الضابط قرر تسليمنا الفلاشة، ووصلتني لمنزلي.

 

"كنت دائمًا بدعي له ربنا يجعل يومي قبل يومك"، لتغطي الدموع عينيها وتقول: "إسلام ده كان ابن موت"، متذكرة أنه في الماضي أصيب في حادث سيارة، ونجاه الله بعد تحطم السيارة، وبعدها أصيب بالتهاب بالأعصاب، ومر بعدة أزمات بحياته.

 

بعد استشهاده حقق لي كل ما تمنيته، وسعدت بتكريم الرئيس عبدالفتاح السيسي لي، وحاليا الناس "بتقولي يا أم البطل، لكن فراقه بس اللي صعب، نفسي أشوفه وحشني أوي مش بيجيلي في المنام بدعي يارب ارزقني رؤيته".