منال لاشين تكتب: حكايتى مع الإعدام

مقالات الرأي



منذ أكثر من ربع قرن وأيام شبابى كنت ضد عقوبة الإعدام. وانضممت لفريق أن الإعدام همجية وبربرية، وأتذكر أن أهم أسباب رفضى للإعدام هو إمكانية أن يقتل برىء، ولا نستطيع تعويضه عن الخطأ الذى حدث، وذلك بعد أن فقد حقه الرئيسى فى الحياة. ولذلك كانت احتمالية الخطأ فى الحكم بالإعدام عاملا حاسما فى موقفى الرافض لعقوبة الإعدام.

وفجأة تعرضت شقيقتى لحادث سيارة مروع. لأن سائق نقل حقير وجبان حطم سيارتها برعونة واستهتار. عاشت شقيقتى 17 يوما بين الحياة والموت فى غيبوبة. كنا جميعا نجلس على باب الكريم أمام غرفة العناية المركزة فى انتظار الفرج. أمى رفضت أن تغادر المستشفى وظلت عيناها معلقتين بباب العناية وأى همسة تصدر عنها، بينما رفض والدى أن يزورها مفضلا أن يحتفظ بصورة ابنته الجميلة المتحمسة التى تنبض بالحياة. وكلا الموقفين كانا يقتلانى ليل نهار. وقال لنا الأطباء إن شقيقتى لو عاشت ستفقد الإدراك والوعى وتعيش كنبات. وسحقتنى هذه الكلمات.. شقيقتى المحامية الشاطرة والشابة والتى قامت برفع دعوى لتصبح قاضية، الناشطة بالنقابة وبالحياة تتحول إلى نبات ينمو جسمه دون عقله ويتعذب قلبها وقلوبنا بحالها. ولولا رحمة الله ثم عناد وقوة شقيقتى لما عادت للحياة معافية دون خسائر تذكر.

وطوال فترة مرضها كان الانتقام من السائق قاسمًا مشتركًا وملحًا فى عقلى. كنت أسأل عشرات المرات كل يوم عن مصير السائق وهل توصلوا إليه وما هى عقوبته؟ وكنت أحلم كل يوم بأننى قابلت هذا السائق المجرم وخنقته حتى القتل وأصحو على صوتى ودموعى وأنا أصرخ فيه: حرام عليك ضيعتها وضيعتنا.

وبعد هذا الحادث تغير موقفى من رفض الإعدام. فمع احترامى للأسباب التى يتشبث بها رافضو الإعدام، فقد كشفت تجربة أو بالأحرى مأساة شقيقتى أننى لن ولم أستطع إعلاء قيم التسامح والإنسانية مع قاتل كاد أن يدمر حياة شقيقتى وأسرتى. ورأيت اتساقا مع مشاعرى وتجربتى أن أعود إلى معسكر مؤيدى عقوبة الإعدام. وكنت كلما ثار الجدل مع بعض الأصدقاء من رافضى عقوبة الإعدام أنهى الجدل بعبارة واحدة. كنت أقول لهم «ربنا ما يعرضك لموقف فى حياتك يجعلك توافق على عقوبة الإعدام».

وعلى الرغم من أننى أدرك أن الرفض لعقوبة الإعدام موقف مبدئى ولا يخص على الإطلاق إعدام الإخوان المجرمين، وعلى الرغم من الحجج القوية لرافضى عقوبة الإعدام من الحقوقيين. رغم هذا وذاك فإن الوقت الحالى بالطبع ليس أفضل الأوقات لرافضى العقوبة. فمن الصعب أو المستحيل الاقتناع بضمان حياة من أصر على قتل الآخرين. ومن المستحيل التعاطف مع قاتل من ذهب للصلاة سواء فى مسجد أو كنيسة. ومن المستحيل التسامح أو طلب الحفاظ على من خطط بكل إصرار لقتل أبنائنا من الضباط سواء فى الجيش أو الشرطة. لم يترك الإخوان بإجرامهم وإرهابهم مساحة للدعوة القانونية الحقوقية لإلغاء وقف عقوبة الإعدام.