مي سمير تكتب: جيوش قطاع خاص

مقالات الرأي



ميزانيتها تصل لـ200 مليار إسترلينى وتملك قوات جوية وأسلحة ثقيلة ولاتلتزم بقوانين الحروب

ظهرت بالعراق بعد الغزو.. والروس اعتمدوا عليها فى سوريا وفنزويلا والصين القادم الجديد


يمكن لجيوش المرتزقة، أن تصبح قوة عسكرية جديدة مرعبة جاهزة لغزو الدول ونهب موارد العالم، لتصبح قوة جديدة تضاف إلى القوى التقليدية الموجودة والمتمثلة فى الجيوش التقليدية، المزودة بترسانات من الأسلحة من المدفع حتى الصواريخ الحاملة للقنابل النووية.

بهذه المقدمة نشر موقع جريدة «ذا صن» البريطانية تحقيقاً كشف فيه أن الشركات العسكرية التى تنتمى للقطاع الخاص، وتعمل وفق عقود أصبحت واحداً من أكبر التهديدات الأمنية فى القرن الـ21، حيث أصبح لديها القدرة على شن الحرب الإلكترونية، والإطاحة بأنظمة الحكم وسرقة موارد الدول، ويقال إن الجيوش الخاصة لديها آلاف من الجنود المدربين تدريباً عالياً، على سبيل المثال هناك ما يصل لـ10 آلاف من موظفى شركة فاجنر الروسية فقط منتشرين فى جميع أنحاء إفريقيا.

ويبلغ إجمالى الإنفاق العالمى على الأمن الخاص 200 مليار جنيه إسترلينى أى 5 أضعاف ميزانية الدفاع البريطانية، إذ إن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا هما لاعبان رئيسيان فى صناعة المقاولات العسكرية الخاصة.

وتلجأ الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومؤخراً روسيا والصين إلى الجيوش الخاصة للتدخل بشكل غير مباشر فى شئون الدول ودون تورط معلن من جانبها، إما لحماية مصالح أو لتحقيق أهدافها الخاصة، حيث يعتمد المرتزقة «قطاع خاص» على الخلل الأمنى وعدم الاستقرار فى الدول التى لا تملك جيشاً قوياً للعمل وتنفيذ أجندتهم الخاصة.

أحدث لاعب بارز هو الشركة الروسية المرتبطة بالكرملين، أو ما يسمى بمجموعة فاجنر، التى أفادت التقارير بأنها تساعد فى تعزيز الأمن لرئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، وقيل إن هناك حوالى 400 مقاول موجودين فى فنزويلا لمساعدة حكومة مادورو المدينة لروسيا بمليارات الدولارات.

وقال يفجينى شاباييف قائد فرع محلى لجماعة كوساكس شبه عسكرية لوكالة رويترز للأنباء إن شركة فاجنر ذهبت إلى فنزويلا فى يناير الماضى، وقاتلت الشركة، التى يتألف معظم أعضائها من موظفين سابقين فى الأجهزة الأمنية الروسية، بشكل سرى فى دعم القوات الروسية فى أوكرانيا ومؤخراً فى سوريا.

وقام خبير الأمن شون ماكفيت، وهو أحد أفراد قوات المظلات السابقين بالجيش الأمريكى، وهو نفسه مقاول عسكرى سابق، بكتابة كتاب بعنوان «القواعد الجديدة للحرب»، ويرى أن أحد القواعد الجديد للحرب فى القرن الـ21 هو هذه الجيوش المرتزقة.

وقال ماكفيت لصحيفة «ذا صن» إن فاجنر الروسية تشكل فئة جديدة من القوة الخاصة التى ينكرها العالم، حيث ظهرت لأول مرة حوالى عام 2014 عندما تم إرسالها لتعزيز القوات الروسية فى شرق أوكرانيا، وكان جزء أساسى من دورها هو تقديم «إنكار معقول» للدور الروسى وهو «سلاح رئيسى فى عصر المعلومات».

والمقصود بمفهوم «الإنكار المعقول» الذى أصبح معروفاً فى الأروقة السياسية والعسكرية، هو تورط دولة فى زعزعة الأمن أو فى استغلال موارد دولة أخرى من خلال وكيل لها تحركه من وراء الستار، وفى نفس الوقت تستطيع إنكار تورطها فى أى أعمال يقوم بها هذا الوكيل، وبعض التحليلات تعتبر مثل هذه الشركات العسكرية الخاصة بمثابة وكيل غير رسمى للدول التابعة لها.


1- سوق واسعة

تعتمد هذه الشركات على ظاهرة أمنية يطلق عليها «الباب الدوار» للأفراد العسكريين السابقين المدربين تدريباً عالياً، المتمرسين والذين تجذبهم المكافآت التى تصل فى بعض الأحيان لـ20 ألف جنيه إسترلينى فى الشهر، وتتراوح أنشطتها بين حماية عمال النفط فى المناطق الخطرة حيث تستخدمها بعض الحكومات لتنفيذ مهام عسكرية محفوفة بالمخاطر، وأثبتت إفريقيا أنها أرض خصبة لهذه الصناعة، حيث استعانت الحكومة النيجيرية بمقاول عسكرى خاص يملك مروحيات هجومية روسية الصنع، فى حربها ضد تنظيم بوكو حرام الإرهابى الموالى لتنظيم داعش.

ماكفيت، الذى أصبح حالياً أستاذاً للاستراتيجية فى جامعة الدفاع الوطنى وجامعة جورجتاون فى واشنطن يرى «أننا نشهد نمو القدرات الفتاكة بين الشركات الخاصة التى لم تعد حتى تعمل فى الظل وأصبحت واحدة من أكبر التهديدات الأمنية فى القرن الـ21»، محذراً من أن هذه الشركات تركز بشكل خاص على إفريقيا خصوصاً جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط للسيطرة على الموارد الطبيعية وبيعها.

ويقول ماكفيت «يمكن أن تتوجه هذه الشركات إلى بلد هش وتصبح القوة التى تسند السلطة الحاكمة، ومن بين 190 دولة أو أكثر فى العالم، فإن الدول الثلاثين الكبرى ليست فى خطر ولكن يجب على الآخرين الشعور بالقلق».

يتخيل ماكفيت مستقبلاً تخوض فيه الجيوش الخاصة الحروب حيث تقاتل نيابة عن الدول أو أصحاب المصالح الراغبين فى زعزعة الأمن فى منطقة أو حماية مصالحهم فى منطقة أخرى.

ويلقى التحقيق الضوء بشكل خاص على شركة فاجنر المنضمة حديثاً لهذا العالم حيث نشرت الشركة الدبابات والمركبات المدرعة فى سوريا وغيرها من المناطق، ويقول المراقبون إن هذه الشركة تعد بمثابة جيش باستثناء الاسم.

وأفادت التقارير أيضاً أن الشركة تعمل فى إفريقيا، وقادت حملة الكرملين للتأثير على القارة، كما أفادت الأنباء بأن الشركة انتقلت للعمل فى فنزويلا بمهمة محددة هى حماية الرئيس مادورو، وأنها موجودة قبل الانتخابات الرئاسية فى مايو العام الماضى.

وانضمت شركة فاجنر إلى صفوف الصناعة التى يزيد نموها فى البداية مع الحرب الأمريكية على الإرهاب بعد 11 سبتمبر، وتضم العديد من الشركات البريطانية والأمريكية، التى تخدم فى الأساس مصالح دولها الأم.

وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة «War on Want»، غير الحكومية، تعتبر المملكة المتحدة «محوراً مهمًا» لصناعة المقاولات العسكرية الخاصة، وفى ذروة الاحتلال الأمريكى للعراق، كان هناك ما يقرب من 60 شركة بريطانية تعمل هناك.

وهناك حالياً مئات من الشركات البريطانية العاملة فى جميع أنحاء العالم، وفى نهاية العام الماضى نفذت طالبان هجوماً على قاعدة شركة الأمن البريطانية «جى 4 إس» فى كابول، والتى تمتلك حوالى 1200 موظف يعملون فى أفغانستان.

وتوظف العديد من الشركات الأخرى مشاة البحرية الملكية السابقين لتوفير الأمن للشحن ضد خطر القراصنة فى القرن الإفريقى، وحسب ذا صن البريطانية،، فإن عمل الشركات البريطانية يركز أكثر على نطاق توفير الأمن بدلاً من العمليات العسكرية الكبيرة.

تأسيس جيش قوى قادر على حماية الدول وحدودها هو أكبر ضامن لحماية أى دولة من أنشطة هذه الشركات التى تنتهز فرص ضعف جيش الدولة لكى تعمل كبديل لحماية النظام وفى نفس الوقت تنفيذ أجندتها الخاصة.

وقال بى. دبلوى سينجر، مؤلف كتاب «الشركات المحاربة: صعود الصناعة العسكرية المخصخصة» لـ ذا صن: «بعض هذه الشركات تمتلك بشكل قاطع القدرات التى لا يمكن للعديد من الدول إلا أن تحلم بها»، كما أن الشركات الخاصة انتقلت من توفير الأجهزة إلى مجموعة واسعة من الخدمات، منها الانخراط المباشر مع العدو، التدريب، الاستشارات، والقيادة والسيطرة، والإمداد الخلفى، النقل، وغيرها من الخدمات العسكرية والأمنية.


2- تعاون مع الأنظمة الغربية

بالنسبة للحكومات الغربية، فإن وفاة مقاول عسكرى خاص فى الخارج لا يكون له نفس التأثير لوفاة أحد أفراد القوات المسلحة ونقله إلى الوطن فى تابوت ملفوف بعلم الدولة. ويتباهى المقاولون العسكريون الخاصون بأنهم يستطيعون إنقاذ الحكومات من الحروب الطويلة.

وفى العام الماضى، عرض إيريك برينس، ضابط البحرية الأمريكية السابق والذى أسس شركة بلاك ووتر الشهيرة، إدارة الحرب فى أفغانستان، حيث تعد «بلاك ووتر» أول مقاول عسكرى خاص، وتصدر اسمها عناوين الصحف عندما قتل 4 من موظفيها 17 مدنياً عراقيا بالرصاص فى عام 2007.

وفى دليل على قوة هذه الشركات وإمكانياتها، عرضت شركة إيريك برنس، والتى تضم 6 آلاف مرتزقة مدعومة بقوات جوية خاصة لنقلهم وتوفير الخدمات اللوجستية، المساعدة فى تعزيز الجيش الأفغانى مقابل الحصول على 5 مليارات دولار، ولكن واشنطن لم توافق على العرض الذى تضمن نشر قوات تعادل الانتشار الألمانى فى أفغانستان.


3- الصينيون يقتحمون المجال

مؤخراً دخلت الشركات الصينية مجال الشركات العسكرية الخاصة، فمع اتساع نطاق المشروعات الصينية فى مختلف أنحاء العالم، وبالتحديد إفريقيا، وفى ظل مشروع «حزام واحد وطريق واحد» الجديد العابر للقارات، يعمل ملايين المواطنين فى المناطق التى تعمل فيها الشركات الصينية ما يعرضهم للخطر، ومن بين الشركات العسكرية الصينية مجموعة شاندونج هواوى الأمنية، وهى أول شركة أمنية صينية تفتح مكتباً فى الخارج، وشركة دى وى للخدمة الأمنية، وهى شركة تعمل فى 37 دولة.

ومع عدم استعداد الحكومة الصينية للدفع بقواتها الخاصة لحماية مواطنيها، تركت لهذه الشركات القيام بهذا الدور، ووفقاً لتقرير لصحيفة فاينانشيال تايمز، فإن هناك 3200 من أفراد الأمن الخاصين الصينيين بالخارج، مقارنة بـ2600 من جنود حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة، فعلى سبيل المثال، ضمنت شركة دى وى الصينية إنقاذ 330 عاملاً فى مجال النفط كانوا عالقين فى عاصمة جنوب السودان عام 2017.

ودخل إيريك برينس، مؤسس شركة بلاك ووتر، السوق الصينية، حيث وقعت مجموعة «فرونتير سيرفيسز» الخاصة به، اتفاقية مثيرة للجدل لإنشاء قاعدة تدريب فى منطقة شينجيانج فى أقصى غرب الصين، والتى تعتبر جزءاً من شبكة البنية التحتية لمشروع «حزام واحد وطريق واحد» فى الصين، ولكن هذه المنطقة شهدت أيضاً حملة أمنية على أعضاء أقلية الأويجور العرقية المسلمة.

بالنسبة لكثيرين، يمثل ظهور هذه الشركات تطوراً مثيراً للقلق، لأن الشركات العسكرية الخاصة تتمتع بقدرة القتل القاتلة لدولة ما ولكنها تعمل خارج نطاق قوانين الحرب مثل اتفاقية جنيف، حيث قال تقرير صادر عن كلية الحقوق بجامعة بنسلفانيا إن «القانون الحالى غامض ومتضارب وغير كامل فيما يتعلق بوضع هذه الشركات».