استقالة "ظريف"..نار تحت الرماد وصراعات تنهش في صفوف النظام (تقرير)

عربي ودولي

بوابة الفجر


اهتزت الأوساط الدولية والإقليمية التي تابعت عن كثب، استقالة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، التي خُطت بعيداً عن الأوساط الرسمية، وأعلنت عن نفسها من خلال صفحات "أنستجرام" موقع الصور الأشهر، بينما شهد الوضع الداخلي الإيراني صدمة كبيرة إثر تلك الاستقالة المفاجئة.

على غير العادة

يبدو من استقالة وزير الخارجية الإيراني، أن هناك شيئاً غير مفهوم يضفي بعض الغرابة على الموقف الإيراني، الذي يعيش أكثر الأوضاع حرجاً، خلال الفترة الحالية التي تشهد تكالباً كبيراً على النظام الإيراني من كل حدب وصوب، ففي الوقت الذي يحتاج فيه النظام إلى لملمة جراحه، تأتي استقالة "ظريف" فتفجر الأوضاع وتؤكد على اشتعال النيران تحت الرماد، وخلافات تكمن وراء الكواليس.

رفض للاستقالة

يزداد الوضع تعقيداً مع إعلان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، عدم قبول حسن روحاني، استقالة وزير خارجيته، محمد جواد ظريف، بحسب تصريحات نقلتها وكالة فارس الإيرانية.
وأوضح قاسمي، أن كل التفسيرات والتحليلات حول أسباب استقالة ظريف غير صحيحة و بعيدة عن الحقيقة، فيما كذّب كذلك الأخبار حول الاستقالة الجماعية من قبل المسؤولين وسفراء في وزارة الخارجية.

ضغوطات كبيرة وانتقادات حادة

وكالة "رويترز" حاولت إزاحة الستار عن سبب الاستقالة، حيث نقلت عن مصدر مقرب من "ظريف" أن هناك ضغوط مورست عليه من قبل المحافظين، بسبب الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية، مما أجبرته على الاستقالة.
وأوضحت "رويترز" أن وزير الخارجية المستقيل، وجهت له انتقادات حادة في اجتماعات مغلقة، كانت تعقد كل أسبوع، إذ كان يمطره خلالها مسؤولون كبار بالأسئلة بشأن الاتفاق"، قائلة "هو ورئيسه "حسن روحاني" كانا تحت ضغط هائل"، بحسب تعبيرها.
كما تعرض "ظريف" لانتقادات بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو الماضي، وعاودت فرض العقوبات الاقتصادية على البلاد.

بشار الأسد من بين الأسباب 

هذا وأشارت تقارير إعلامية إلى أن ظريف استقال لأنه لم يُبلغ بزيارة بشار الأسد لطهران أمس الاثنين، فيما أوضح الموقع الإخباري الإيراني "انتخاب" أنّ الزيارة التي أجراها الرئيس السوري بشار الأسد لطهران كانت السبب في تقدم وزير الخارجية ظريف باستقالته من منصبه.
وبحسب الموقع الإخباري، فإنّ "ظريف" صرّح لمراسل الموقع رداً على زيارة الأسد لطهران بعد الصور التي التقطت خلال المباحثات، قائلا "لم يعد لجواد ظريف اعتبار في العالم كوزير للخارجية".

"ظريف" يعترف بالصراع

وأعترف وزير الخارجية الإيراني المستقيل، بوجود صراع كامن، وفق صحيفة "الجمهورية الإسلامية" التي أجرت معه حوارا، قال فيه " إنّ الصراع بين الأحزاب والفصائل في إيران له تأثير "السم القاتل" على السياسة الخارجية".
وأضاف "يتعين علينا أولا أن نبعد سياستنا الخارجية عن قضية صراع الأحزاب والفصائل، السم القاتل بالنسبة للسياسة الخارجية هو أن تصبح قضية صراع أحزاب وفصائل".
وأوضحت الصحيفة أن تصريحات "ظريف" توحي بأنه ربما استقال بسبب ضغوط من عناصر محافظة، عارضت دوره في التفاوض على الاتفاق النووي مع القوى الكبرى عام 2015.

تاريخ من الصراعات

لم تكن المرة الأولى التي تشهد صراعاً حاداً بين ظريف وأجنحة النظام المعارضة له، ففي نوفمبر من العام الماضي، شن وزير الخارجية المستقيل، حملة كشف فيها جانباً من فضائح المسؤولين التي لعبت دورا كبيرا في احتدام الصراع، كما لعبت دوراً في إظهار جانبا من الفساد المستشري في أروقة النظام الإيراني.

فضائح غسيل الأموال

وكشف "ظريف" آنذاك عمليات غسيل الأموال في إيران، مؤكدا أنها عمليات حقيقية واسعة النطاق، بلغت أرقامها مليارات الدولارات. 
وصرح "ظريف" قائلا "إن إثارة المخاوف ضد قوانين مكافحة غسيل الأموال تعود بالإيرادات المالية والفوائد المربحة لكبار الشخصيات في النظام".

اتهامات بالخيانة

وسرعان ما انقلبت الطاولة على "ظريف" ووجهت له اتهامات بالخيانة والتواطؤ في أعقاب تصريحاته التي يبدو أنها آلمت بعض الأطراف، وخاصة الأصوليين، حيث رد حشمت الله فلاحت، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، التابع للمرشد الأعلى، متهماً إياه بالتواطؤ، وخلق القلاقل تماشيا مع القوى الغربية ضد النظام".
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل شن حسين شريعت مداري، رئيس جريدة كيهان التابعة للتيار الأصولي و ممثل خامنئي فيها، هجوما اتهم فيه "ظريف" صراحة بتواطئه مع أميركا وبريطانيا، وعلق متسائلا، "أليس المراد بهذه التصريحات تهديم النظام "الإسلامي" في إيران؟.

ظريف: لن ينجح الأصوليون

هكذا عبّر "ظريف" صراحة في يونيو من العام الماضي، كاشفا كذلك جانباً من الصراع مع الأصوليين، إذ حذر آنذاك من فشل ذريع إذا "ذهب" حسن روحاني، كما يريد الأصوليون، بحسب تعبيره.
وأكد حينها أن الحكومات لم تعد مجرد قدرات عسكرية، مشيراً إلى أن دبلوماسية عرض الأسلحة تعود إلى القرن الثامن عشر، قائلا "لا تعتقدوا بأن الأصولي سينجح إذا ذهب روحاني، وعلى بعضهم ألا يتصور أنه سيتسلم الحكم إذا فشل النظام.

صراع من نوع آخر

الصراع المحتدم لا يقف عند صراع الأصوليين مع "جواد ظريف"، بل امتد إلى "روحاني" الذي وجه انتقادات حادة في أوقات سابقة إلى الحرس الثوري، المؤسسة الدينية المتشددة، بسبب تهديداته للمسؤولين الحكوميين، وسياسة التضييق على الحريات الفردية والعامة التي يعتمدها.

تصاعد الأزمة والصراع على السلطة


ويرى محمد محدثين، رئيس اللجنة الخارجية للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أنّ استقالة "ظريف" لأي سبب كان، تشير إلى تصاعد الأزمة والصراع على السلطة في داخل النظام، كما تشير إلى إخفاقاته الدولية.

وأوضح أنّ خلال السنوات الخمس والنصف الماضية، حاول ظريف خلق واجهة "صورة معتدلة" للفاشية الحاكمة في إيران، وتمهيد الطريق أمام التجارة مع النظام، وتكثيف عمليات الحروب والارهاب.

وأكد قائلا: "مع انتفاضة الشعب الإيراني ووجود معارضة قوية على الساحة الدولية، وتبخر سياسة المهادنة مع نظام الملالي، حان وقت رحيل لظريف"، مشددا أن العالم لن يخدعه لا روحاني و لا ظريف بعد ذلك، وسيتعزّز قرار الشعب الإيراني.


طقس دائم وأزمة مستمرة

وكما يبدو أن الصراعات بين أجنحة النظام الإيراني، لا تهدأ عند حد معين، بل باتت طقساً دائماً، يتضح الكثير من أوجهها يوما بعد يوم، كما أكدت دراسة لمركز الإمارات للسياسات، التي أشارت إلى أن الصراع كان ولايزال سمة للعلاقات بين التيارات السياسية في إيران منذ قيام الثورة إلى اليوم.
وأوضحت أن هذا الصراع بيئة خصبة لتوالد الأزمات الداخلية بشكل مستمر، وأن ازدواجية "الثورة/الدولة" التي كرسها الدستور الإيراني ستجعل إيران في حالة عدم استقرار في الداخل، وفي علاقاتها الدولية.