"شجاع وبيحب شغله".. مقتطفات من حياة شهيد "الدرب الأحمر" يكشفها صديقه المقرب

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


المحيط يتشح بالسواد من حوله، الدموع حبيسة في عينيه عجزت عن التعبير عما يشعر به، غصة في نفسه، قلبه كاد يتوقف عن النبض، وكأن سهمًا اخترق ضلوعه حينما وقعت أمام عينيه صورة تحمل تلك الملامح التي يعرفها جيدًا، إنه رفيق دربه وصديق عمره منذ 15 عامًا، اعتاد على صورته ولكنه لم يعتد على سماح لقب "شهيد" وهو يسبق اسمه.

أصداء الكلمة ترن في أذن عمرو حامد، يحاول مهاتفة صديقه، لا يزال بصيصًا من الأمل بداخله أن يسمع صوته يمازحه من جديد، ثم يعود أدراجه بعدما يأتيه الرد بـ "الهاتف مغلق أو غير متاح" ليتذكر ذلك الشاب المبهج المازح، يتذكر الحماس في لمعة عينيه، يتذكر كيف كان شغوفًا بعمله محبًا للحياة ومقبلًا عليها، فكيف لهذه الروح أن تفارق الدنيا بلا سابق إنذار.

 



"قابلته قبلها بيومين وسلمنا على بعض مكنتش متوقع حاجة زي دي".. يردد "حامد" هذه الكلمات نادمًا على قصر مدة اللقاء، يتمنى أن يعود الزمن إلى ذلك اليوم ليحصد معه أكبر قدر من الذكريات التي تعينه على الفراق، فالشهيد لم يكن مجرد صديق بالنسبة له، بل كان أخًا شاطره العديد من المواقف، وجارًا خير عون لجاره، فيستفيق قليلًا من هول الفاجعة التي أدمت قلبه ليستوعب أنه يجب عليه أن يكون فخورًا برفيقه، معتزًا بذلك الشجاع الذي اصطفاه الله من بين الكثيرين ليصبح شهيدًا نزف آخر قطرات دماء في حياته ولفظ أنفاسه فداءا لأرضه.

كان الشهيد محمود يقطن بإحدى شوارع منطقة إمبابة مع أسرته البسيطة، تلك المكونة من زوجة وثلاث صغار لم تنضج أوراقهم بعد، دائمًا ما كان يشجعهم على حب الوطن، يقتطع من وقته بضعة ساعات ليتشارك معهم معاركه ويروي لهم قصص شجاعته في حماية المدنيين من المخاطر فتلمع أعينهم فخرًا بوالدهم البطل.

"محمود من أجدع وأرجل خلق الله.. بيحب شغله جدًا.. وكل الناس بتحبه"، بهذه الكلمات يصف "عمرو" الشهيد محمود، فقد كان خدومًا يحب مساعدة الآخرين بلا مقابل، وكان ودودًا ذو خلق حسن استطاع أن يكتسب محبة سكان منطقته، وبالرغم من كونه شابًا لم يتجاوز الخمسة وثلاثون عامًا بعد، قطع عهدًا على نفسه أن يكرس طاقته ويبذل قصارى جهده في خدمة وطنه: "أكتر من اللي حصل انهاردة مفيش كلام تاني يتقال يثبت اجتهاده في شغله"، فإصرار الشهيد على ملاحقة الإرهابي نازعًا الخوف من قلبه كان أكبر دليل يراه "عمرو" شهادة إثبات على بسالة صديقه.




وفي الوقت الذي كان محمود أبو اليزيد شرطيًا يركض ساعيًا خلف خدمة بلاده، كان محبًا لكرة القدم ويهتم بمتابعة المباريات مع عمرو وبقية رفاقه في أوقات فراغه القليلة، لم يستطع الشاب الثلاثيني الشهيد أن يحقق الكثير من أحلامه بعد ولكن تظل خير الأرواح هي التي يختارها الخالق لتفارق الدنيا سريعًا فتكرمه السماء على ما قدم طوال حياته للوطن.