وليد عوف يكتب: هل غير ماكرون موقفه؟

ركن القراء

وليد عوف
وليد عوف


أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي خلال زيارته الأخيرة لمصر جدلاً وغضباً بسبب إنتقاده لقيود حرية التعبير وسجناء الرأي، وما إلى ذلك، وهو الذي قال سابقاً خلال زيارة الرئيس السيسي لفرنسا من شهور قليلة، أنه لا يعطي دروسا في الديمقراطية وحقوق الإنسان لغيره من الرؤساء، كما لا يتقبل توجيها إليه كرئيس لدولة ذات سيادة من أي طرف خارجي.

وكانت ردود فعل قطاع مهم من الرأي العام المصري تشيد وتهلل لتصرياحاته السابقة، وتعترض وتدين تماماً تصريحاته ونقده خلال زيارته لمصر، وفي الحالتين كانت ردود الفعل تتعامل مع كل موقف دون تأمل كاف وتحليل موضوعي لسياق التصريحات ودوافعها وآثارها سواء في الساحة المصرية، أو الفرنسية والأوروبية والدولية.

وفي واقع الأمر فإن تصوري أن هناك ثوابت لم تتغير في رؤية ماكرون لدور مصر في المنطقة وأهميتها بالنسبة لفرنسا وأوروبا، وأن التغير في الخطاب هو تغيير تكتيكي في الأسلوب والمدخل، أملته متغيرات تتعلق بدرجة شعبية ماكرون في فرنسا وأوروبا، والضغوط السياسية للتيارات اليمينية واليسارية في ذات الوقت، وضغط الرأي العام ودافعي الضرائب الذين يعنيهم أن تكون الدول التي تتلقى أي دعم أو منح من فرنسا دول ملتزمة بمنظومة القيم التي يؤمن بها الشعب الفرنسي، ولا تهدر الحريات وتتعسف حكوماتها مع أصحاب الرأي، والمعارضين السياسيين، وهي إعتبارات لا يملك رئيس في وضع ماكرون تجاهلها أو إغماض العين عنها، ويلزم عليه المواءمة بينها في العلن، والحديث عنها بحرص وحذر وإيضاح كاف في الجلسات الرئاسية الثنائية، وأكاد أجزم من واقع ما أشار إليه أثناء لقاء حضرته بالأمس في السفارة الفرنسية من أن حديثه مع الرئيس اتسم "بحميمية ومصارحة الأصدقاء" أن ما تطرقا إليه علناً في المؤتمر الصحفي المشترك كان إلى حد كبير منسقاً بينهما.

وأن كل منهما يتفهم الأجواء والتحديات المحيطة بالآخر، وأعتقد أن حديث كل منهما، قد يكون دافعا لكلا الطرفين لتقريب المسافات والفجوات في الفهم والمواقف، وهذا هو ركن الأساس في المشاورات والمناقشات الدبلوماسية على كافة المستويات، لتعظيم الاستفادة المتبادلة، وتوسيع رقعة التعاون النافع للطرفين في مختلف المجالات العسكرية والسياسية والإجتماعية والثقافية والتقنية، وهو الأمر الذي أكد عليه الرئيس ماكرون في اللقاء بالسفارة الفرنسية مع ممثلي الجالية وبعض المصريين المهتمين بالشأن الدولي والعلاقات المصرية الفرنسية، وواجبنا كمواطنين ومهتمين بالشأن العام أن ننبه لأهمية التقييم الموضوعي والتفاعل الإيجابي في مثل هذه الزيارات، لتعظيم الاستفادة المتبادلة من مثل هذه الزيارات، وأتصور بدرجة كبيرة أن الرئيس ماكرون قد استخلص وكبار مسؤوليه من هذه الزيارة فهما أوضح وأشمل للتوجهات والتحديات المصرية.

كما أعتقد أن الرئيس السيسي وكبار رجال الدولة قد إستخلصوا رسائل ومحاذير وفرص سانحة .. تتطلب تقييما جديدا لعلاقتنا الثنائية .. ومراجعة لبعض أوضاعنا في الساحة الداخلية، خاصة وأن التقدم الذي نحرزه في مكافحة التحديات الأمنية يفتح مجالا لمزيد من الإصلاح والتفاعل في الساحة السياسية على النحو الذي نأمله جميعا وننشده، وتحيا مصر.. وتحيا فرنسا، ويدوم ويتطور التعاون والبناء بيننا.
وليد عوف 
عضو المجلس المصري للشؤون الخارحية