"لا تفتح التابوت".. سر التحنيط عند القدماء بين الأسطورة والعلم

أخبار مصر

أرشيفية
أرشيفية


"لا تفتح التابوت، فسیذبح الموت بجناحيه كل من يجرؤ على إزعاجنا"، كانت هذه هي العبارات التي وقعت عليها عيني هوارد كارتر عندما اقتحم خلوة الفرعون الصغير، توت عنخ آمون، حيث وجد جسد الملك محفوظًا، في أول مقبرة كاملة يُعثر عليها، محاطًا بكنوزه، وجسده في حالة رائعة من الحفظ. 

وهنا ظهر لغز كثيرًا ما حير العلماء وهو التحنيط كأحد أبرز علامات الحضارة المصرية القديمة، وأسراره العديدة التي ألهمت الكثيرين ودارت حولها العديد من الأساطير، والتي أثبت البحث العلمي الدقيق والمنظم، أن التحنيط عند المصري القديم، كان جزءً أصيلًا من معتقداته بشأن الحياة الأخرى.  

تقول إيناس نبيل مفتشة آثار بالمتحف المصري في التحرير، والمسؤولة عن بدروم المتحف، إن الاعتقاد بالحياة بعد الموت، يعد واحدًا من أقوي المعتقدات في الحضارة المصرية القديمة، وهو الذي ساهم في ظهور فكرة الحفاظ على أجساد الموتى، حيث يمثل التحنيط عادة من أهم عادات الدفن في مصر القديمة. 

وتابعت نبيل قائلة إن أنوبيس كان هو إله التحنيط الذي تخيله المصري القديم بجسد إنسان ورأس ابن آوي، وتغيرت تقنيات التحنيط بمرور الوقت من منطقة إلى أخرى طبقًا للمستوي الاجتماعي، فليس تحنيط العامة مثلًا يتساوى مع تحنيط الملوك. 



وأشارت نبيل إلى أن البحث الجديد الذي أجرته جامعة يورك، وجامعة ماكواري وجامعة أكسفورد أظهر حالات تحنيط تؤرخ لعصور ما قبل التاريخ، وذلك من خلال التحليل الكيميائي لبعض اللفائف المصنوعة من الكتان أو الجلد أو الحصير الملفوف حول أجساد تؤرخ لحضارة البداري، أواخر العصر الحجري الحديث، وعصر ما قبل الأسرات، حيث عثر عليها داخل مقابر محفورة في باطن الأرض من منطقة "المستجدة" بالبداري بصعيد مصر حوالي 4500 ق.م - 3350 ق.م.


وعن خطوات التحنيط قالت نبيل إنها كانت تبدأ بإزالة الأعضاء الداخلية للجسم وغسله جيدًا، وفي معظم الأحيان كان يُترك القلب حيث كان بحسب الاعتقاد المصري القديم هو مقر الفكر والشعور، وهو الذي سيوزن في مواجهة ريشة العدالة "ماعت" وعلى أساس ثقل القلب يكون جزاء المتوفى.



وعن الخطوات التالية تقول نبيل، إنه بعد التنظيف كان المحنطون يغمرون جسد المتوفي بملح النطرون، -وهنا يظهر سبب أثر الأملاح في الكثير من المومياوات- وكذلك داخل تجويف البطن، وكانت الأعضاء الداخلية أيضا تجفف ويتم وضعها إما بأواني أو لفها وإعادتها داخل الجسم، وكانت المومياء تلف في طبقات كثيرة من قماش الكتان ويتخللها تمائم وتغطي بالراتنج، وفتر هذه العملية كانت تستغرق عادة أربعين يومًا.



ومما سبق نخلص بنتائج محددة، أن التحنيط كان علمًا غرضه إيصال جسد المتوفى كاملًا تأهيلًا للحساب، وأن العبارات التي كتبت على الكثير من المقابر الفرعونية، ما هي إلا للتخويف، حتى لا يعبث أحد بالجسد، فقد تم فتح العشرات من المقابر ولم يصب أحد بشيء ما أو يموت أو يمرض حسب الأسطورة التي تداولها الكثيرين تحت اسم "لعنة الفراعنة".