سيد أحمد يكتب: العقوق!

ركن القراء

سيد أحمد
سيد أحمد


قال تعالى {وقضىٰ ربُكَ ألَّا تعبدوا إلَّا إياهُ وبالوَالدينِ إحسٰناإما يبلُغَنَّ عِندكَ الكِبَرَ أحدُهما أو كلاهُما فلا تقُل لهُما أُفٍ وَلا تنهَرهُما وقُل لَّهُما قولاً كَريماً (23) وأخفِض لهُما جَناحَ الذُّلِ مِنَ الرَّحمةِ وِقُل رَّبِ إرحمهُما كما رِبَّيانِى صَغيرا(24)} [سورة الإسراء] صدق اللهُ العظيم..
 
لعل ما نحنُ فيه من ضياع وشَتات ومشاكل جياتية كثيرة وصعوبات تفشَّت بشكل عام ونغصت علينا حياتُنا هو عقوق الوالدين..

فما هو العقوق ؟.. العقوق فى اللُغه يعنى الشقَّ، وسُميت العقيقه بهذا الإسم لأن شعر المولود يُعَقّ أى يُفصل عن رأسه وكانت هذه من عادات العرب.. ومعنى العقوق للوالدين هو أن يبيتَ الأب والأم فى حاله من البُكاء أو الحُزن والأسىَ فى غير مغضَبةٍ لله من هذا العقوق.. وعقوق الناس من صغائر الذنوب، أما عقوق الوالدين فمن أكبر الكبائر..

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ألا أُنبِّئكُم بأكبَر الكبائر ؟ قالوا بلى يارسول الله،  قال: الشِّركُ بالله، وعُقوق الوالدين، وكان مُتَّكِئاً فجلسَ وقال: ألا وقولُ الزور ألا وشهادةُ الزور ٠ وظلَّ يُكررها حتى قُلنا ٠ ليتَهُ سَكت».. وقال صلى الله عليه وسلم «ثلاثة لا يقبل الله منهم صَرفًا ولا عدلًا (أى فرضًا ولا نافلة) يوم القيامة، قال: العاق لوالديه والمنَّان والمُكذِّبُ بالقَدَر»..

قال أيضًا -صلى الله عليه وسلم- «ثلاثة لا ينظُرُ اللهُ إليهم يومَّ القيامه ولا يُزكِّيهِم ولهُم عذابٌ أليم.. العاق لوالديه والمرأه المُتَرَجِله، والديوس»..

والعقوق تَجنى ثمرتهُ المُرَّه فى الدُنيا قبل الآخره.. فقد قال النبى «كُل الذنوب يؤخرها اللهُ إلى يوم القيامه ٠ إلا عقوق الوالدين ٠ فأنهُ يقضى لصاحِبَهُ فى الدُنيا».. وفى الحديث "إثنان يُعجلهُما اللهُ فى الدنيا قبل الآخره ٠ البغى والعقوق".. فما هى سلوكيات العقوق؟

أن تُطيع أصحابك وتَعصى أبويك - النظر إليهما نظرة المُغضَب أو نظرة إتهام - إبكاء الوالدين - إدخال الحُزن عليهما - نهرَهُما وزجرَهُما بالصوت - عدم الإعتناء برأيهما - تَرك إستأذانِهما - ترك زيارتهُما عمداً - إرهاقهُما بالنفقات.. وغيرُها..

وماهى سلوكيات البِر؟

ذِكر الوالدين عند المُخاطَبَه بألفاظ الاحترام - المسارعة بالتلبية، إذا ناداك أَحَدَهُما - عدم إكثار الطلبات منهما - إذا رأيت أحد والديك يحمل شيئًا فسارع لحملة منه - إلقاء السلام إذا دخلت عليهما وتقبيل أيديهما - لا تجلس قبلهُما ولا تأكل قبلهما - خفض الصوت عندهما ولين القول لهما - الدُعاء لهما - إذا كنت مشغولًا فأستأذنهما حتى تَفرغ - إلزم خدمتهما إذا مرض أحدهما - النفقة عليهما إذا احتاجا - أن تعتذر إذا أخطأت معهما..
فهل تحفظ والديك بلطفك وعطفك قبل أن تُفارقهُما ؟!!

آتى رجل من الكوفة من أرض العراق مسافرًا يحمل أُمُه على كَتفيه ليطوف بها حول الكعبة فتقابل فى طوافه وهو يحملها مع عبد الله بن عمر، فقال الرجل: "هل تَرانى أجزيتُها ؟"، فقال: له ابنُ عمر ولو بزفرةٍ واحده من زَفراتها (يقصد زفرات الولاده )..

قال الله تعالى: {ووصينا الإنسٰنَ بوٰلديه حملته أُمُّه وهنًا على وهنٍ وَ فِصٰلُهُ فى عامين أن اشكر لى ولوٰلديك إلىَّ المصير (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(15)} [سورة لقمان].. قيل للأمام الشافعى.. أيتخاصم الرجل مع أبويه ؟ قال ٠ ولا مع نعليهِما..

خرجَ نبينا إسماعيل للصيد وجاء والده النبى إبراهيم لزيارته وكان إسماعيل قد تزوج وأبوه فى سفر، فلم يعرف زوجة ابنه ولم تعرفه.. وعندما طرق الباب وفتحت له سألها عن زوجها وعن حالهم دون أن تعرفه،  فشكت له من ضيق الحال وصعوبة المعيشه.. فقال لها عندما يرجع زوجك أقرأيه منى السلام وقولى له أن يُغيِّر عتبة بابُه، فلما عاد إسماعيل ووصفت له الضيف وما كان منه قال: "هذا أبى وقد أمرنى أن أفارقك فألحقى بأهلك"..

ولقد جاء رجل للإمام أحمد وقال له إن أبى يأمرنى أن أُطلقَ زوجتي، فسأل عنها الإمام فلم يَجد عليها شيئ، فقال له.. لا تُطَّلِق زوجتٌك.. فقال الرجُل: "أليس عبد الله بن عمر قد طلقَ زوجتُه لما أمرهُ أبوه".. فقال الإمام: "وهل أبوكَ مثلَ عُمر"!! فما هى قصة إبن عمر هذه.. نوضح قبلها بأن الزوج يجب أن يكون باراً بأُمه وألا يكون ظالماً لزوجته.. فخدمة المرأه لأم الزوج، هذا من باب الإحسان وليسَ فرضًا.. وفى الحديث "ما من ذنبٍ أجدر أن يُعجِّلَ اللهُ تعالى لصاحبه العقوبه فى الدنيا مع ما يدَّخِرَهُ لهُ من العقوبه يوم القيامة، من البغى وقطيعة الرحِم".. وقال شيخُنا إبن عُثيمين.. أنه على الأب أن يبين سبب الطلاق من سوء دين أو سوء خُلُق..

كان لعبد الله بن عمر زوجه وكان شديد الحبُ لها.. فأمرهُ والدُه عمر أن يُطلقها، فرفض.. فذهب عمر وشكاه لرسول الله.. فقال له النبى طلِقها..

على الإبن أن يعى أنه من الوجهة الشرعية أنه طالما أصبح فى سن البلوغ فليس له عند أبيه أى حقٍ مادى إلا إذا كان نابغًا فى علمٍ من العلوم النافعة فوجب على الأب إعانته.. والبنت يظلُ ولائها لأبويها مادامت فى كنفهم.. وينتقل ولائها للزوج مادامت فى كنفه، وطاعتها للزوج واجبه مالم تكن فى معصية وعليها أن تطيع زوجها وإن منعها عن بِر والديها، والإثمُ عليه.. أما الولد فلا طاعة له لزوجته فى قطيعة رحمه.. والمداوره فيما بين الزوجة وأم الزوج من الحكمة للزوج الإبن، وأنه من علامات الساعة كما قال الصادق الأمين: "أن تَلِد الأَمه ربَّتها" فى أقوال العلماء أن السيد يُنجب من أمَتُه ولداً أو بنتأ فينتسبا له فيُصبحا أسياد على أُمهم الأمه (الخادمة).. والأرجح ما قاله الحافظ بن حجر، بأن المعنَى هو كُثرة العقوق، وهى من علامات الساعة..
 
وهل يعَقُ الأبُ إبنه ؟! ذهب رجل لسيدنا عمر بن الخطاب وقال يأمير المؤمنين لقد عاقَّنى إبنى، فأرسل عمر إلى إبنه فلما جاءَ وعنَّفَهُ عمر، قال الإبن يا أمير المؤمنين إن هذا الأَبُ لم يُحسِن إختيار أمى فتزوج من أمَه يُعايرنى الناسُ بها ولم يُحسن تسميتى فأسمانى جُعران فسخر الناسُ من إسمى ولم يُعلمنى شيئاً من القرآن، فوخذ عمر الرجل بعصاتُه قائلا: "قُم يارَجُل لقد عققتُ إبنك فعاقَّك"..

عقوبة العاق فى الدنيا..

أن يُسلَّط عليهِ أبناءه - عدم البرَكَه فى الرزق - كُثرة المشاكل والهموم.. لا يُقبل عمله عند الله..

ولعل فى قصة الأعراف لعِظه.. فهم أُناسٌ ينتظرون يوم القيامه فى مكان يُسمىَ بالأعراف.. يقول الإمام بن كَثير عن بن عباس.. أنهم يُحتجزون خمسون ألف سنة، حتى يدخل أهل الجنه الجنة، ويدخُل أهل النار النار.. ثم يدخلون الجنة.. ذلك بأنهم ذهبوا إلى جهاد التطوع دون أن يستأذِنوا أبويهم.. فمنعهم الجهاد فى سبيل الله من دخول النار، ومنعهم عقوق الوالدين من دخول الجنة.. فينتظرون على الأعراف خمسون ألف سنه ثم يدخلون الجنة..

اللهم إرحم آبائنا وإرزقنا رضا من بقىَ منهم وإجعلنا ممن يسعدون برضاهم فى الدنيا والآخرة..