أدب الطفل في الوطن العربي.. كُتَّاب وصحفيون يضعون خطة للدفاع عن "الورقة والقلم"

السعودية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية



لم تترك ثورة الاتصالات مجالًا ثقافيًا أو إعلاميًا إلا وأثرت فيه، بما في ذلك أدب الأطفال، الذي ظل مرتبطًا لعقود طويلة بروايات الجيب والقصص المصورة الصادرة عن دور نشر عريقة كـ"الشركة السعودية للصحافة والنشر بالرياض" "دار الهلال"، ومؤسسة "الأهرام" في مصر، و"شركة أبوظبي للإعلام" بالإمارات ووزارتي "الأوقاف" و"الإعلام" في الإمارات.

وبشكل خاص، أثرت وسائل التواصل الحديثة التي انتشرت في بدايات الألفية الجديدة على المنتج الثقافي "الورقي"، سواء كان كتبًا أو مجلات، بعدما تمت الاستعاضة عنه بالوسائل التقنية الحديثة (إنترنت قنوات فضائية هواتف ذكية أقراص مدمجة)؛ ما أدى، عمليًا، إلى تحول بعض الصحف إلى مواقع إلكترونية، وتوقف البعض الآخر عن الصدور.

أما تأثيرها على أدب الأطفال، فيبدو كبيرًا ومتواصلًا، على الرغم من أنها لم تأخذ حيزًا كبيرًا من الدراسة أو الاهتمام، والشاهد على ذلك أن مجلات مهمة للأطفال في دولة مثل السعودية توقفت عن الصدور إما لأسباب اقتصادية أو فنية.

وتبدو دلالة هذا التوقف، بالنظر إلى أن السعودية كانت صاحبة أول مجلة خليجية للأطفال وهي مجلة "الروضة" التي أسسها طاهر زمخشري في عام 1959م. 

كما أن المجلات السعودية لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل وجدان الطفل العربي، على نحو ما ظهر مع مجلة "باسم"، التي كانت توزع في جميع الدول العربية، واكتسبت شهرة كبيرة كما أسهمت في ميلاد جيل من الكتاب والرسامين من مختلف أقطار الوطن العربي.

كانت "باسم" تصدر أسبوعيًا منذ عام 1408 هـ عن الشركة السعودية للصحافة والنشر بالرياض، ثم تحولت شهرية، لتتوقف بعدها عن الصدور.

أما في مصر فلا توجد سوى 5 مجلات موجهة لنحو 33 مليون طفل يشكلون 34.2% من إجمالي عدد السكان البالغ 96.2 مليون نسمة في بدايات 2018، وفق تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر في مارس من العام نفسه.

ولا تتجاوز كمية المطبوع من المجلات الخمس، وهي "قطر الندي"، التي تصدر نصف شهرية عن وزارة الثقافة، و"سمير"، التي تصدر أسبوعيًا عن "دار الهلال"، و"فارس" (شهرية، أخبار اليوم)، و"علاء الدين" (شهرية، الأهرام)، إضافة إلى مجلة "نور"، التي تصدر شهريًا عن جمعية تابعة لخريجي جامعة الأزهر، 80 ألف نسخة. أما سلاسل الكتب الصادرة عن مؤسسات وزارة الثقافة، وأشهرها "قطر الندى" و"سنابل" و"3 حواديت"، فمتوسط ما تطبعه مجتمعة لا يتجاوز 3 آلاف نسخة فقط.

كثيرة هي التساؤلات التي يثيرها الاقتراب من حال أدب الطفل بالوطن العربي في ظل التطور الكبير في الفضاء الإلكتروني، ومن ذلك؛ ما الذي يمكن أن تقود إليه هذه التطورات مستقبًلًا؟ ثم ما هي السبل المتاحة لإفادة أدب الأطفال من التكنولوجيا بدلًا من تضرره منها؟، وأخيرًا: كيف يمكن للمبدع العربي أن يوظف وسائل الاتصال الحديثة كي يواصل دوره الإبداعي؟

في تقرير سابق اتفقت عينة من الأطفال العرب على أن جمود الأدب المطبوع في مواجهة الإنترنت هو السبب فيما وصل إليه من تراجع، غير أن أدباء وصحفيين رأوا في هذا الرأي تبسيطًا للموضوع، وقالوا لـ"عاجل" إن أدب الطفل يتأثر أيضًا بعوامل اقتصادية واجتماعية.

في البداية؛ أشار رئيس تحرير سلسلة "3 حواديت" عمرو حسني، إلى أن تأثير تكنولوجيا النشر واضح على توزيع المطبوعات الموجهة للكبار؛ حيث بات من الممكن للقارئ أن يكتفي بتصفحها على الحاسب أو الهاتف الشخصي؛ لكنه لم يصل لذات المستوى فيما يخص صحافة الأطفال.

وقال: "أميل إلى الاعتقاد أن الطفل يحتاج دائمًا لكتاب يمسكه بيده ويتأمل رسومه ويضمه إلى مقتنياته لأنه ليس لعبة فيديو يتعامل معها على الكمبيوتر"، مضيفًا أن "هناك بالطبع منشورات إلكترونية تفاعلية للطفل يصنعها الغرب بغرض تعامل أطفالهم مع الكمبيوتر فقط؛ لأنها تفقد مزاياها التفاعلية إذا تم تقديمها كمطبوعة. هذه المنشورات الإلكترونية تقترب كثيرًا من الألعاب التعليمية والتثقيفية؛ ولكنها ما زالت تبتعد عن القصة الأدبية الخالصة".

كما تعتقد رئيس تحرير مجلة "قطر الندى" نجلاء علام أن تأثير التكنولوجيا الحديثة على الكتب والمجلات المطبوعة في عالمنا العربي مازال محدودًا، مشيرة إلى أن "الطفل المصري والعربي مازال يقرأ ويُقبل على اقتناء الكتب والمجلات المطبوعة ورقيا".

وترى علام أن "المشكلة ليست في وسائل التواصل الاجتماعي والميديا، أو حتى في الطفل الذي ينجذب إليها، وإنما تظل في القائمين على إصدار الكتاب أو المجلة للطفل، وكيف يختارون بين السبل الكثيرة المتاحة لتقديمها للطفل بطريقة جديدة وشيقة".

أما رئيس تحرير كتاب "قطر الندى" أحمد زحام، فقال إنه "حتى الآن ما زال مجال استخدام التكنولوجيا الحديثة محدودًا من قِبَل الأطفال، فإذا تحدثنا عن بلد مثل مصر لا نستطيع أن نقارنها بمثيلاتها من دول أخرى، لبطء استخدام التكنولوجيا الحديثة وعدم توافرها بشكل واسع وتكاد تكون محصورة على فئة معينة من الناس".

وأضاف: "لا نستطيع تأكيد أن التكنولوجيا أثرت على المجلات والكتب في الوقت الراهن، بسبب فقر المجتمع ومحدودية استخدامها؛ ولكن في حال توافرت كل هذه العوامل ستتعرض المطبوعات الورقية لتأثير سلبي مؤكد، وسيساعد في ذلك زيادة تكلفة الطباعة وعناصرها من ورق وأحبار وألوان وغيرها".

وتابع: "بين يوم وآخر نسمع عن مجلات وسلاسل اختفت ليس بسبب التقدم العلمي ولكن بسبب التكلفة الباهظة في الإنتاج".

من جهته، قال مدير تحرير سلسلة "سنابل" عبده الزراع إنه "بلا شك أثرت التكنولوجيا الحديثة بالسلب على أدب الطفل؛ ويجب على كاتب الأطفال أن يطور نفسه، وأدواته الفنية دائما، وتكون عينه على الميديا الحديثة والمواد التي تقدم للأطفال من خلالها باعتبارها الأكثر تأثيرا فيهم".

وأضاف: "الأطفال يقضون وقتًا طويلًا أمام وسائل التواصل، فيحدث ما يسمى بإدمان السوشيال ميديا، وأرى أن المنافسة أصبحت أكثر صعوبة بين الورقي المتمثل في كتاب ومجلة الطفل، وبين الإلكتروني والمواقع التفاعلية للأطفال، وهنا تكمن الصعوبة والتحدي لدى صناع كتاب ومجلة الطفل، فلو لم يستطيعوا أن يعيدوا إليهم الطفل مرة أخرى من خلال اقتناء الكتاب والمجلة وحرصهم على القراءة المنتظمة، سوف تزداد الأزمة تعقيدا".

وتابع قائلًا: "انتشار المجلة الورقية يحتاج إلى جهود مضاعفة من قبل الإدارة وهيئة التحرير، فالإدارة عليها أن تذلل العقبات التي تقف عائقا في وجه التوزيع، وأن تحل المشكلات البيروقراطية، وأن تعمل على توفير إعلانات داخل المجلة تساعد في تكلفة المطبوع، وتساعد أيضًا في رفع مكافآت هيئة التحرير ومكافآت الكتاب والرسامين".

وأوضح الزراع أن مكافآت المحررين أصبحت هزيلة ولا تتناسب بحال مع ارتفاع الأسعار ومتطلبات الحياة، وقد أدى ذلك إلى انصراف الكتاب والرسامين المتميزين عن المشاركة فيها.

وأضاف: "أما هيئة التحرير فعليها عبء كبير يتمثل في زيارة المدارس والجمعيات المعنية بثقافة الطفل، وزيارة بيوت وقصور الثقافة في مختلف المواقع؛ للتعريف بالمجلة، وتوزيع عينات هدايا على الأطفال، كل هذا سوف يساعد على انتشار المجلة، فيزيد التوزيع، وهذا يترتب عليه زيادة كمية المطبوع".

واختلف مدير دار "شجرة" لنشر كتب الأطفال محمد فرح مع الآراء السابقة، مرجحًا اندثار مجلات الأطفال الورقية؛ رغم أنها مثلت في حقبة من الزمن عالمًا سحريًا للملايين في الوطن العربي.

ويستند فرح في هذا الرأي إلى أسباب موضوعية أبرزها؛ ضعف التوزيع، وارتفاع تكلفة الإنتاج، وعدم القدرة على المنافسة، فضلًا عن إغراءات القنوات الفضائيات وألعاب الفيديو والمواقع الإلكترونية.

وقال فرح: "في ظل الخيارات المتعددة والمغرية، أصبح على القائمين على مجلات وكتب الأطفال المطبوعة، التفكير ألف مرة قبل الإقدام على إصدارتهم؛ لكن هذا لا يعني أن سبل النجاح غير متوافرة، فالمهم هو الإلمام بالواقع وظروفه وشروطه، والاطلاع على المعايير التقنية والعلمية والتربوية التي تتطلبها التجربة".

أما كاتب الأطفال والشاعر العراقي المقيم في المهجر سعد جاسم فيرى أن "التكنولوجيا الحديثة أثرت إيجابًا على كتب ومجلات الأطفال وعلى جميع المستويات، أولًا: من ناحية صناعة الكتب والمجلات بأرقى وأجمل التقنيات في الإخراج والطباعة والإشكال المثيرة لاهتمام ودهشة الأطفال، وثانيًا: أن هذه التكنولوجيا أسهمت في انتشار وطرق توزيع وزيادة كميات مطبوعات الأطفال سواءً في بلدان الوطن العربي أو في الكثير من بلدان العالم".

خطر الانقراض

في نقاشه مع "عاجل" ذكر عمرو حسني أن مجموعة السلاسل المقدمة للطفل ومنها "3 حواديت" التي يرأس تحريرها، لا تطبع أكثر من 3 آلاف نسخة من العدد الواحد على أفضل تقدير، وهو رقم متواضع للغاية، بينما أشارت نجلاء علام إلى أن مجموع ما تطبعه مجلة "قطر الندى" لا يتجاوز 10 آلاف نسخة من العدد الواحد، لكنها تستطرد موضحة أن "هذا العدد يتم توزيعه كاملا، ولو تم طباعة الضعف فإن الأطفال سيظلون مقبلين على المجلة لأنهم في حاجة إلى مجلة تكون صديقة لهم في رحلة طفولتهم".

أما الكمية المطبوعة من كل عدد كتاب" قطر الندى" فلا تتعدى الـ5 آلاف نسخة، وهي لا تكفي السوق المحلي، حسب رئيس التحرير محمد زحام.

ويشير عبده الزراع، إلى أن كتب الأطفال تشهد تراجعًا كبيرًا في نسب التوزيع، وهذا راجع- حسب رأيه- إلى انتشار الميديا وارتفاع أسعار الكتب التي أصبحت فوق طاقة الأسر المصرية. ويستدل الزراع على ذلك بأن سلسلة كتاب "سنابل" تطبع 1000 نسخة فقط، وتظل فترة طويلة إلى أن تنفد، قبل أن يأتي معرض القاهرة للكتاب ليتم بيع المتراكم منها لدى منافذ البيع المختلفة.

ويجزم عمرو حسني بأن أدب الأطفال المطبوع لن يختفي تمامًا، ولكنه سيتأثر كثيرًا عندما يتوصل الغرب إلى تقديم منتج فني تفاعلي يخرج بالعمل المكتوب من شاشة الكمبيوتر إلى حيز ثلاثي الأبعاد، يحتوى الطفل عندما يتعامل معه كعالم "هولوجرامى" مسموع، يجعله يعيش داخل القصة حتى ولو لم يتمكن من لمس مفرداتها بأصابعه.

أما نجلاء علام فتقول: لا أفهم في الحقيقة سر التخوف الشديد الحادث أو على الأقل الترقب عن كثب- كما يقولون- من اختفاء الكتب والمجلات المطبوعة، لم يحدث أن قام وسيط بإلغاء وسيط آخر، فمازلنا نسمع الإذاعة ونشاهد التلفاز، ومازلنا نستعمل الواتس والماسينجر، ومازال القمر يطلع في الليل والشمس بالنهار، لكل شيء طبيعة محددة ووظيفة خاصة، بالنسبة لي أراهن على استمرار الكتب والمجلات الورقية، فالإنسان لن يستطيع التخلص من الشغف والفرحة والإشباع النفسي وهو يقلب صفحات كتاب أو مجلة.

ويتوقع أحمد زحام أن يتم الإلغاء بشكل تدريجي في المستقبل؛ ولكن حاليا لا يتوقع ذلك إلا إذا انسحبت تلك المطبوعات من السوق بسبب اقتصادي اعتمادًا على منطق "المكسب والخسارة"، بينما يؤكد عبده الزراع أن الميديا الحديثة لا تلغى الميديا القديمة، بل تتجاور معها وتتأثر بها ويستفيد منها القارئ.

ويضيف: "رغم أن بعضًا من أبناء الجيل الجديد يقرأ الآن مباشرة من الانترنت، إلا أن الكتاب الورقي لازال عليه إقبال كبير، ولم يتراجع مطلقا بل إن دور النشر في ازدياد مطرد، فلا خوف على الكتاب الورقي من الإلكتروني".

ويستبعد سعد جاسم فكرة اختفاء المجلات والكتب أمام الآداب والفنون المرئية، لأن أدب الأطفال بكتبه ومجلاته له تاريخه الراسخ ونتاجه الوافر جدًا وخصوصيته، وكذلك اهتمام الدول والشعوب الاستثنائي بأدب وثقافة أطفالها المكتوب، مؤكدًا أن أدب الطفل المكتوب سيبقى شيئًا والأدب والفن المرئي شيئًا آخر، بمعنى: إن لكل أدب منهما خصوصيته ودوره وأهدافه التي تؤكد وجوده المستقبلي.

ويشير محمد فرح إلى أن الكتاب الورقي صامد، خاصة مع تطورت وسائل تكنولوجيا صناعة كتب الأطفال، التي يمكن أن تنتج ما يمكن أن نسميه "القراءة بالحواس الخمس"، وذلك لجذب المزيد من الأطفال إلى حُب الكتب والاهتمام بالقراءة؛و ليصبح التركيــز فيهــا على التجسيــم والتحريك الأضواء والأصوات والملمس والرائحة، وذلك لإعطاء حواس الطفل دورًا رئيسًّا في التحفز على حُب الكتاب، ثم قراءته وفهم مضمونه قصصيًّا كان أو مَعْرِفيًّا. وهناك دعوة قد تكون عالمية تطلب من أدباء الأطفال عدم "إطالة" الوصف لما يمكن أن تراه العين، وأصبح عليهم أن يتركوا مُهمة بعض الوصف البصري لعمل الرسام، الذي أصبح دوره ضروريًّا ومطلوبًا حتى بالنسبة لكُتب المراهقين والشباب.

الجوائز كمحفز

يراهن البعض على أن المسابقات الخاصة بأدب الطفل، يمكن لها أن تحدث رواجًا كبيرًا في هذا المجال، سواء من حيث زيادة العناوين المطبوعة سنويًا، أو جذب فئات جديدة لم تكن مستهدفة من قبل إلى الدخول لعالم القراءة.

يقول عمرو حسني إن المسابقات التي تخضع الأعمال المقدمة إليها لمعايير اختيار راقية، تتعلق بالقيمة الأدبية للقصة المكتوبة، هي فقط التي يمكن أن تسهم في اهتمام القراء بهذا النوع من الأدب، مهما ارتفعت المعايير الفنية التي يخضع لها اختيار الرسوم.

وتضيف نجلاء علام أن فوز أي كتاب للطفل بأي جائزة يزيد من توزيعه بشكل تلقائي، بل مجرد الإعلان عن جائزة جديدة في هذا المجال يشجع الناشرين ويحفزهم على إصدار كتب جديدة للأطفال.

ويشترط أحمد زحام أن تشارك دور النشر في رعاية المسابقات، مشيرًا إلى أن "هناك انسحابًا جماعيًا لدور النشر من سوق كتاب الطفل، ووجود هذه المسابقات تجعل هناك رواجًا على مستوى الكتابة أو التسويق".

ويؤكد عبده الزراع أن مسابقات كتب الأطفال العربية الكبرى، بمثابة ترمومتر تعمل من خلاله دور النشر في مصر والوطن العربي، وخاصة الدور الكبرى بغية الفوز بتلك الجوائز؛ حيث يعكف الكاتب والرسام طيلة عام كامل على صناعة الكتاب الذي سوف تتقدم به الدار للجائزة، والكتب الفائزة في هذه الجوائز أصبحت بلا شك مطلوبة من قبل القراء والكتاب".

حدود الأزمة

هل أزمة النشر للطفل خاصة بعالمنا العربي فقط، أم أنها ذات طابع عالمي؟ وهل فشل أدب الطفل في مجاراة وسائل الميديا الحديثة؟

يجيب عمرو حسني على السؤال الأول قائلًا: "أظن أن مأزق النشر عالميًا وليس في منطقتنا العربية فقط". أما سعد جاسم، فرد على الثاني بقوله: "لا أعتقد أن أدب الأطفال يواجه مأزقًا بسبب انتشار وسائل الميديا الحديثة، بل أرى أن هذه الميديا قد أسهمت في تحديث وتطوير وارتقاء أدب الأطفال في مختلف مناطق العالم، ومنها منطقتنا العربية".

ويشير محمد فرح إلى إن الغرب مازال يهتم بأدب الطفل، خاصة الكوميكس، وهناك معرض سنوي يقام في مدينه "أنغوليم" الفرنسية متخصص بالقصص المصورة وحضوره ليس حصرًا على الأطفال.

ويوضح عبده الزراع أن المأزق الحقيقي يكمن في عدم قدرة "كُتاب" ومبدعي الأطفال على مسايرة الميديا المتطورة؛ كي تكون كتاباتهم عصرية مستمدة من هذا العالم الجديد، والذي استقطب عقل ومخيلة الطفل، مطالبا بالاهتمام بأدب الخيال العلمي ومغامرات الفضاء والنجوم والكواكب، والقصص والسيناريوهات العلمية المحفزة على إعمال العقل ومحركة للخيال.

وأضاف: "في أوروبا وأمريكا استطاعوا أن يتخطوا هذه المرحلة الواقعية التي لا تتناسب مع معطيات العصر الحديثة، وطوروا من أنفسهم ودخلوا في العوالم الغرائبية والعجائبية المبنية على حقائق علمية محفزة للخيال"، لافتًا إلى أن مؤلفة "هارى بوتر" استلهمت قصصها من أجواء حكايات ألف ليلة وليلة، وعوالمها الغرائبية ووظفته لخدمة مضمون قصصها، بينما لم نستفد نحن منها".

أطفال أكثر.. مجلات أقل

وجود 5 مجلات فقط في مصر تخاطب أكثر من 19 مليون طفل في سن القراءة "من 5- 14 سنة"، يعد رقمًا ضئيًلا مقارنة بدول أخرى؛ حيث إن السوق يستوعب عشرات المجلات المتنوعة في مضامينها وأهدافها والفئات والشرائح العمرية التي تخاطبها وتتوجه لها.

في هذا الإطار، تشير نجلاء علام إلى أنه "مهما كان عدد المجلات المطبوعة فإنه يظل أقل بكثير جدا من المطلوب، يكفي أن نذكر أن عدد المجلات التي كانت تصدر في مصر من عام 1870 حتى عام 1950 هي 29 مجلة، ومن عام 1950 حتى عام 2000 صدرت 24 مجلة، وبالتأكيد لم تستمر هذه المجلات في الصدور؛ لكن علينا أن نقف أمام هذه الحقيقة الصادمة لنعرف كم تراجعنا وأخلينا الساحة بيدنا للأفكار الهدامة كي تعشش في عقول أولادنا".

أما عمرو حسني فيقول: "لن يزداد الإقبال على اقتناء كتب الأطفال في مجتمع فقير إلا بدعم حكومي، يتم توجيهه لنشر أعمال لها قيمتها الفنية العالية "كتابة ورسمًا"، المشكلة ألا يتم الاستيلاء على هذا الدعم الحكومي لصالح نشر كتابات رديئة أو رجعية تصاحبها رسوم متواضعة القيمة الفنية.

ويضيف سعد جاسم أن الكميات المطبوعة من الكتب ومجلات الأطفال تبقى خاضعة لإمكانيات وخطط وظروف اقتصادية وإجرائية خاصة بكل بلد عربي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتم عملية طباعة كميات تستوفي كل متطلبات السوق وأعداد الأطفال، لأنها في الحقيقة أعداد مليونيه خاصة في وطننا العربي الذي يشهد تزايدًا عجيبًا في النمو السكاني.

وتابع قائلًا إن دولة مثل الكويت تطبع بحدود 130 ألف نسخة من مجلة العربي الصغير، وأعتقد أنها كمية ممتازة، وكذلك الحال بالنسبة لمصر، التي تطبع كميات كافية من مجلة "قطر الندى"، وكذلك الأمر مع الإمارات التي تطبع كميات وفيرة جدًا من مجلة "ماجد".

مهمة صعبة

إعادة الطفل للقراءة مرة أخرى تبدو مهمة صعبة، فهي تدور في جو غير متكافئ للمنافسة مع وسائل الميديا والتقنيات الحديثة؛ ولمواجهة ذلك تقترح نجلاء علام مشروعًا متكاملًا يقوم على عدة محاور منها: تهيئة المناخ المناسب للقراءة، من خلال إيجاد محفزات للأسرة بكاملها وليس الطفل وحده.

وتوضح علام وجهة نظرها قائلة: "الطفل يتأثر تأثرًا بالغًا باختيارات والديه"، وتضيف أن "تيسير سبل الحصول على الكتاب من خلال المكتبات العامة أو قصور الثقافة أمر مهم، وكذلك إتاحة الكتب والمجلات بأسعار تناسب القوى الشرائية المحدودة حاليا".

كما تطالب علام بـ"إعادة التفكير في الأماكن المناسبة لتوزيع كتب ومجلات الأطفال؛ حيث ترى أننا نخطئ حين نقوم بتوزيع كتب ومجلات الأطفال مع باعة الصحف، والأولى أن يتم توزيعها في أماكن تجمعات الأطفال مثل المدارس والنوادي.

أما محمد فرح فيقترح تقديم مغريات تضاف للمجلات مثل كوبونات بسيطة لشراء هدايا متواضعة، أو ورقة كرتونية بالمجلة بها رسومات قابلة للثني لعمل مجسمات، او عمل مسابقات شهرية مغرية، وبهذه المغريات ستنفد نسخ المجلة بسرعة وتحل المشكلة.

ويرى احمد زحام أن الاستمرارية في صدور الكتاب والمجلة شرط لا غنى عنه لحماية مطبوعات الأطفال. ويقول إن "صدور الكتاب أو المجلة في موعد دوري دون تأخير يحدث الارتباط الشرطي بين الطفل والكتاب والمجلة"، لافتًا إلى ضرورة أن يكون السعر في متناول اليد، فـ"على من يصدرون هذه الكتب مراعاة أن كتاب الطفل كلما زاد سعره قل الطلب عليه، في ظل الضائقة المالية التي يعيشها رب الأسرة حاليا".

ويقول عبده الزراع إن علاج هذه القضية يبدأ من المدرسة التي أصبح دورها غائبًا تمامًا، فبعد أن كانت تحبب الأطفال في القراءة والاطلاع أصبحت تنفرهم منها، لذا "أرى ضرورة إعادة حصة المكتبة والقراءة الحرة مرة أخرى للمدارس الابتدائي والإعدادي (المتوسط)، وحصص الأنشطة المتمثلة في الرسم والموسيقى، والزراعة، والصحافة، والصناعة، والاقتصاد المنزلي".

وقال الزراع: "كل هذه الأنشطة الفنية سوف تشكل عقل ووجدان الطفل وتجعله متميزا في أي من هذه الأنشطة وهذا التميز سوف يدفعه بلا شك لقراءة المجلة بحثا عن هوايته التي يحبها سواء كانت رسما أو قراءة أو مسابقات ".

أما سعد جاسم فيرى أن توفير وتوصيل الكتاب وممارسة القراءة قضية جوهرية، وتقع في البدء على عاتق العائلة. وبقوله فإن هناك "مسؤولية على الآباء والأمهات في تنمية حس القراءة لدى أطفالهم، وكذلك اقتناء الكتب لهم سواء من المكتبات الخاصة أو العامة ومعارض الكتب".

وأضاف: "تأتي في المرتبة الثانية مسؤولية الإدارات التربوية؛ لكن علينا ألا ننسى أن القراءة هي حب وهواية، والأطفال يحتاجون إلى التحفيز والتشجيع من أجل الإقبال على الكتب وقراءتها بمحبة ومتعة".