أدب الطفل في الوطن العربي.. صغار يجيبون على سؤال العصر: الكتاب أم الإنترنت؟

السعودية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


حمَّل عدد من الأطفال العرب مسؤولية تراجع مستويات القراءة في أوساطهم إلى عدم نجاح القائمين على أدب الطفل في المنطقة في تطوير أدواتهم، في مواجهة الوسائط الجديدة، التي وفّرتها التطورات التقنية وثورة المعلومات، خلال السنوات الماضية.

بعضهم مازال أسيرًا للإصدارات الورقية، ويرى أنها الأنسب لأبناء جيله، بشرط أن تواكب العصر، بينما رأى آخرون أن زمن تلك الإصدارات قد ولّى تمامًا، مفضلين الوصول للمعلومة عن طريق الإنترنت، بكل ما يوفِّره من تسهيلات.

قد لا يعرف هؤلاء الأطفال ما يواجه "أدب الطفل" في المنطقة العربية من معوِّقات ومشاكل، لكن رأيهم يظل مهمًا، على الأقل لأنهم يمثلون عينة للطرف المستهدف من أي منتج، سواء جاء في صورة ورقية أو على شكل تطبيق أو لعبة.

ومعلوم أنَّ حركة النشر الموجهة للأطفال تراوحت بين 15% و20% من إجمالي ما أصدرته المطابع في الوطن العربي، خلال السنوات الخمس الماضية، وفق ما جاء في تقرير اتحاد الناشرين العرب لعام 2017.

ويمثّل اعتماد الأجيال الجديدة على أجهزة الهواتف اللوحية الحاسوبية وغيره في التعلم والترفيه، مع توافر برمجيات تعليمية وأفلام كارتون مسلية أقل كلفة وأكثر تفاعلية- أبرز العوائق أمام إنقاذ صناعة كتاب الطفل في الوطن العربي، على ما خلص التقرير نفسه.

مع ذلك، يبقى السؤال عن موقف الأطفال العرب من المنتج الثقافي المتاح لهم جديرًا بالطرح؛ أما إجابات الأطفال الذين حاورتهم "عاجل" حوله، فتعبِّر عن جانب رئيس في النقاش الدائر تجاه هذه القضية.. فماذا قالوا؟

مجلات من عالم آخر:
في البداية يقول "مروان هاني عبد المريد" (13 عامًا، من القاهرة): أعتقد أن المجلات وكتب الأطفال في شكلها الحالي جيدة، لكن إدخال بعض التطورات أو التحسينات عليها يمكن أن تجعلها ممتازة، فأغلب المجلات والكتب مازالت محتفظة بالشكل الورقي التقليدي بينما التكنولوجيا تتقدم يومًا بعد يوم.

ويؤكد "مروان" الذي كتب ورسم العديد من قصص الكوميكس في مجلات الأطفال والمهتم بفن "المانجا" الياباني، أنّ الشكل الورقي غير متناسب مع التقدم التكنولوجي الحالي، فلماذا الورق بينما الصفحات الرقمية يمكنها حمل كم هائل من المعلومات من ضمنها مثلًا الفيديوهات وملفات الصوت التي لا يمكن للمجلة الورقية استخدامها، مع أنهما من أهم الوسائل لتلقِّي المعلومات في الوقت الحالي.

ومن الأردن، تقول لمى أحمد خليل المطري، التي تدرس بالصف الثاني عشر: إنَّ معظم مجلات وكتب الأطفال تفتقد الحيوية. وتطالب بالاهتمام بالرسوم وأن تكون مليئة بالألوان التي يحبها الأطفال.

وتقول صبا منتصر، 14 سنة، من القاهرة: "لا تعجبني مجلات الأطفال ولا أنجذب إليها؛ فهي لا تعبِّر عما أحبه وكأنها في دنيا وعالم آخر، ولا أنكر أنني كنت أحب الفرجة ومشاهدة بعض الرسوم الملونة وبعض الشخصيات، ولكن كنت أصغر سنًا وقتها، لكن اليوم وأنا عندي 14 سنة، لا تجذبني مجلة، فأنا أشعر بالملل والتكرار، لا توجد مجالات جديدة تخصّ اهتماماتي أنا وأصحابي، وكأن العالم كله عبارة عن أطفال محبين للقصة والشعر والرسم والرسوم المضحكة والألغاز، فأنا مثلًا أحب الرقص وفنونه وعالم الموسيقى، لكن لا توجد مجلات أو كتب أطفال تعبِّر أو تتناول اهتماماتي تلك".

وتضيف مريم العزب (من دمياط بمصر): إن معظم المجلات والكتب لا تعجبها، رغم ذلك يبقى البعض منها مميزًا؛ حيث يوجد مغزى من القصص المنشورة بها وليس لمجرد المتعة فقط.

مواكبة العصر:

إذن ما الذي يريده الأطفال من المجلات والكتب الموجهة لهم، يقول "مروان": أريد المواضيع أو النشاطات التفاعلية التي تؤدّي إلى ارتقاء المجلة أو الكتاب للمستوى التكنولوجي الحالي.

وتتمنى "صبا" أن تكون مجلات الأطفال متفاعلة مع الأطفال بشكل أكثر، وتصنع قنوات من التواصل معهم، ومع ما ينشر فيها، وأن تجدد المواد المنشورة بشكل دائم، وكذلك أن تهتم بفنون جديدة وبالمواد الشيقة المناسبة لهذا العصر، من "موضة" أو معلومات تواكب العصر وما يحدث فيه من ظهور فرق جديدة في الغناء والرقص، وأن يتابع الأطفال نجومهم المفضلين، وليس النجوم الذين يفرضهم الكبار.

أما "مريم" فتريد ألعاب الذكاء أو قصص القضايا البوليسية التي تتطلب إعمال العقل من أجل حلها؛ حيث يتوافر بها عامل التشويق الذي يجذب الشخص لإكمال القصة حتى النهاية. بينما ترغب "لمى" في القصص التي تمنح أملًا أو تدفع لتحقيق الحلم، وكذلك القصص التعليمية لتنمية المهارات، ويمكن إضافة بعض الألعاب البسيطة للتسلية وأيضًا معلومات عن الحيوانات أو العلماء.

صراع الورقي والإلكتروني:

وحول الشكل أو الوسيط الأفضل، اختلف الأطفال الذين ناقشتهم "عاجل"؛ فمنهم من مازال يفضل الشكل التقليدي (الورقي)، بينما عبر آخرون عن ميلهم للشكل الحديث(الإلكتروني).

تقول "صبا": إنها تحب استخدام الإنترنت والموبايل؛ لأنها تجد أي معلومة بسهولة، كما أنها تجد الأشياء التي تحبها، سواء كانت فيديوهات أو صور، كما أنها تشاهد ما يحدث في العالم وتتابعه، إضافة إلى تعرُّفها على بعض المواقع التي تهتم بهواياتها، وتتشارك مع آخرين مختلفي الآراء حول ما يحبونه.

وتضيف قائلة: "يعني ممكن أقول إن عالم المجلات ضيِّق، بعكس عالم النت، وأن القراءة على الموبايل أو النوت أجمل وأسرع من الكتاب، عشان كده طبعًا ياريت ( ليت) الكتاب أو المجلة يكون على شكل موقع وليس ورق".

وتتابع: "وقتها سأتشارك أنا وكثيرون أعرفهم أولًا أعرفهم في القراءة والتعليق، وتكون قراءة ومشاهدة جماعية، وهذا لا يتم مع الكتاب والمجلة؛ لأن كل شخص يكون بمفرده".

أما "مروان" فيقول: إنّ "المجلات والكتب شيء لا غنى عنه، ولكن أعتقد أن الالتزام بالشكل التقليدي قد يؤدي إلى موت تلك الفكرة، أنا مثلًا لا أقرأ المجلة أو الكتاب إلا إذا كنت أحتاج معلومة معينة منه، أو أجد أي فكرة أو معلومة جديدة، وغالبًا ما أفضل الإنترنت للبحث عن المعلومات أو حتى الاستمتاع بوقتي؛ لأن الإنترنت يوفِّر طرقًا فعالة أكثر للحصول على المعلومات مقارنة بالمجلات أو الكتب، المجلات مثلًا لا تستطيع استخدام غير الكلمات والصور لتوصيل المعلومة، أما من خلال الإنترنت فيمكنني سماع فيديو يتحدث عن أي معلومة أو قصة أريدها، في الوقت الذي أقوم فيه بعمل شيء آخر".

وأضاف: "أرى أن الدمج بين الفكرتين(الورقي والإلكتروني) قد يؤدي إلى نتائج مدهشة، فمثلًا إذا كان هناك موضوع في المجلة عن "الحيوانات المنقرضة" تقوم صفحات المجلة بتقديم فكرة عامة عن الموضوع، ثم تضع بعض الروابط المرتبطة به، أو صورًا مدعمة بتقنية "الواقع المعزز" والتي تتيح لمستخدمي المجلة بعرض المجسمات ثلاثية الأبعاد".

وتختلف "لمى" مع رأي "مروان" قائلة إنها تفضل مجلات وكتب الأطفال، لأن القراءة توسِّع الفكر، وتعمل على تنشيط الذاكرة وتزيد من مستوى الذكاء، كما أنّ الضوء والأشعة التي تنبعث من الهواتف وأجهزة الكمبيوتر قد تضر بالعين، كما أنَّ قراءة المجلات بها متعة أكثر من القراءة عن طريق الإنترنت.

تتفق معها "مريم" التي تضيف أن القراءة من خلال الكتب والمجلات الورقية أفضل "حتى لا أنشغل عن القصة بأي مؤثرات خارجية، كإشعارات الهاتف وغيرها من المؤثرات التي تشتت الانتباه، كما أنّ الشكل الورقي يمنح القارئ شعورًا بأنه أنهى شيئًا بدا به، كما أنَّ الأطفال لا يجب أن يتعلموا عن طريق الهواتف أو أجهزة الكمبيوتر، ومن الأفضل أن يكون ذلك عن طريق الكتب الورقية".

المدرسة.. والقراءة:

لكن هل ساهمت المدرسة في تنمية الاهتمام بالقراءة والتفاعل معها، من خلال المكتبات المتواجدة بها، أو حتى من خلال دروس اللغة العربية، أم أنها تكتفي بالمواد المقررة فقط.

تقول "صبا": إنها تعرفت على بعض الروايات الشبابية خلال هذا العام في حصة المكتبة، كما أنها استعارت من المكتبة رواية "ما لا نبوح به" لسارة سراج، وقد أعجبتها وكانت تقرأها في باص المدرسة حتى انتهت منها.

ويعترف "مروان" بأن المدرسة لم توجهه للقراءة، قائلًا: أنا شخصيًا لم تكن مكتبة المدرسة هي بداية حبي للقراءة، أنا محب للقراءة منذ صغري، لكن مكتبة المدرسة تتيح لي الوصول لبعض الكتب والموضوعات التي لم أسمع عنها من قبل.

وتؤكّد "لمى" نفس الرأي قائلة بجملة مختصرة: "لا.. للأسف"، أما "مريم" فتقول: "في مدرستنا يكون النشاط المكتبي للفئة التي تختاره وليس لكل الطلاب، كما أنّ المعلمات لا يهتمنّ بالتشجيع على القراءة أو البحث عن المعلومات والاشتراك في الأنشطة وعمل أبحاث باستخدام كتب المكتبة، كما أنه لا يتوافر الوقت الكافي في المدرسة للذهاب للمكتبة والقراءة فيها".