أحمد عبد الوهاب يكتب: "ثمار التفاح"

ركن القراء

أحمد عبد الوهاب
أحمد عبد الوهاب


"لا إنها حصة اللغة العربية"
جملة لا أكاد أسمع غيرها في أرجاء المكان، لم تكن بداية موفقة على الإطلاق، ما الذي يحدث هنا؟ ولما كل هذا؟

لا شك أن هؤلاء الطلبة اعتادوا حياة الرفاهية والرغد،  فمدارسهم ليست كمدرستي المتواضعة التي تعلمت فيها، ورغم ذلك لم أكن أكره حصة العربية كما يكرهونها الآن. 

ثم أننا كمعلمين نبذل كل جهدنا لتعليمهم لغتنا الجميلة،  تبا لأطفال هذا الزمان،  ويكأننا لم نكن أطفالا. 
كان هذا هو حديثي مع نفسي، أنا 

تلميذ الأمس الوديع، ومعلم اليوم المجتهد. 

عدت إلى البيت تناولت طعامي ثم فاكهتي المفضلة التفاح. كان التفاح غير ناضج بالقدر الكافي، ولم يكن شكله كذلك جذابا، لكني أنا الأكول للتفاح، لا يعنيني شكله أو لونه،  هو التفاح ثمرتي المفضلة، وأنا راضي النفس بثمرتي كيفما بدت وحيث ما كانت.

أمسكت بثمار التفاح وأردت أن أعطيها لأبناء أخي وأختي،  لكنهم لم يلتفتوا اليها أصلا، واعتذروا بأسلوب رقيق،  سامحنا نحن لا نحب التفاح. تعجبت وقلت في نفسي أنى لهم عدم أكل التفاح؟  ما لهم لا يفقهون فوائد هذه الثمرة اللذيذة؟

نظرت إلي والدتي والتي لم تعطى حظا كبيرا من التعليم الأكاديمي، وإن كان كل ما تعلمتهُ في الحياة بفضل دعمها لي ولأخوتي.

 وقالت يا بني لم العجب؟  هكذا كنت وأنت صغيرا تألف أشياء لم نكن نحن نألفها وقتها،  لقد خلقت في جيل يختلف عن جيلنا،  فربيت على ما سيأتي في جيلك،  لا على ما مضى من جيلنا.

عذرا أمي  ماذا تقصدين؟ 
يا بني أنت تفكر بعقلك أنت لا بعقولهم هم، تراهم على خطأ لأنهم لا يفكرون مثلك،  فهم لا يحبون ثمرة التفاح،  ثمرتك المفضلة،  انت الأكول لها.

ماذا عساي أن أفعل يا أمي؟ هل أترك أكل التفاح؟ 
لا يا بني بل فكر لما لا يحبون هم أكل التفاح؟
هل لطعمها؟ 
أم لشكلها؟ 
أم لأنك تقدمها بطريقة تصرفهم عن طعمها اللذيذ؟

حضر أخي محمد حوارنا، وهو خبير في صناعة الحلوى،  وهبه الله ذوقا في تشكيل الحلوى بطريقة مبتكرة. وفي الحال أمسك بثمار التفاح  ثم نادى على أطفالنا قائلا: 
اليوم نعلمكم كيف ترسمون شجرة من ثمار التفاح. وهنا كانت المفاجأة. لقد التف الأطفال حوله وهم منتبهون جدا، والأهم أنهم يأكلون كذلك الأشكال التي يصنعونها من التفاح وبنهم كبير. تعجبت جدا كيف غير عقولهم؟  كيف أقنعهم بما لم أستطع انا إقناعهم به؟

لقد غير أخي شكل التفاح، شكله بطريقته المبدعة تشكيلا،  فتارة يرسم قلبا بالتفاح،  وتارة يرسم بطة. تارة يغمر التفاح بالشوكلاتة وتارة أخرى بالعسل المصفى..
الحق يقال لقد بدا التفاح حتى لي كأني لم أره من قبل. أي حسن هذا؟
التفاح في جوهره واحدا، لكن السر كيف قدمه أخي إليهم بطريقة مختلفة. 

في الصباح ذهبت كالعادة إلى المدرسة ولا تزال صورة أبناء اخوتي مع التفاح لا تفارقني،  حتى انتبهت ثانياً على صوت أطفال مدرستنا "لا انها حصة العربية"

لكن هذه المرة لم أستنكر مقولتهم، بل تذكرت قصة  أطفال إخوتي مع التفاح. وسألت طلابي لماذا لا تعجبهم حصة اللغة العربية؟ 
قالوا سامحنا أستاذي هي حصة مملة ونمطية؟ 
هنا قلت لنفسي العيب فينا نحن المعلمين، لا زلنا نقدم لهم لغتنا العربية بطريقة تقديم التفاح التقليدية.

الطالب يسمع كلمات ربما كانت مقبولة قديما في جيلنا مثل:
". كرر، احفظ، انسخ،  اجلس،  لا تتحرك" أوامر وارشادات لا يخلو منها درس من حصص تعليم العربية،  والطالب مسكين محبوس في مقعده، محبوس في نفسه،  عصفور وضع في قفص، وقد خلق حرا ليطير. 
لا زلنا للأسف نقدم الدروس بطريقة تقليدية جامدة.  الطالب يريد أن يتعلم ويستمتع. وأنى له المتعة والتعلم وهو حبيس مقعده مسجونا في قفص العصفور .  
لماذا لا يتعلم الطلاب عن طريق اللعب؟  وهل يكره أحد منا اللعب؟ 
لماذا لا يغنون ما يتعلمون؟ 
وأين التكنولوجيا من الحصة؟
هل أطلقنا صراحهم ليطيروا فيبتكروا وييبدعوا، أم أعجبنا أن يبقوا في سجنهم كالعصفور الأسير؟ تحضرني الآن مقولة يقال أنها منسوبة لسقراط  يقول فيها "لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"
لم تخلق العصافير لتحبس،  وكذلك أطفالنا خلقوا لينطلقوا ويبدعوا.