ربيع جودة يكتب: صديقي تاجر الحشيش

ركن القراء

ربيع جودة
ربيع جودة


انتهت للتو مباراة المتزوجين.. والتي نلعبها كل أسبوع في الأرض المجاورة.. على أمل أن نتخلص ولو قليلاً من  (الكرش) الذي تمدد وتجدد.. وتباعد عنا وتزايد.. فنصيح ونصرخ أكثر مما نلعب.. وقليل منا من يذكر فنون اللعب.. وقد هزمتنا السنوات.. ولم تعد اللياقة كما كانت... ونضحك حين يسقط الشيخ حسن علي الأرض وقد حمل جسده  الشحم واللحم. ليتشارك الفريقان معا يعيدون إيقافه من جديد . لكن لاتزال في أقدامنا لمسة لتلك المعشوقة.. انتهينا من اللعب وصرنا نتصبب عرقاً.. وردفت أنا إلي الشارع العمومي.. لأحضر كيس اللبن كالعاده..

ولأن الوقت قد تأخر.. والليل قد اشتد علينا . رجعت إلى البيت من  الممر الضيق.. وهو طريق مختصر خلف البنايات.. وإذ بشاب قد خرج علي من سراديب الظلام.. يحمل في يده سيف.. فتعجبت وقد مضى زمن الكفار.. وانطلقت عنه مسرعاً.. لكنه تبعني قائلاً..  تشتري حشيش يا نجم .. فقلت خائفاً. . لا شكرا .. فإذا بشاب آخر.. يخرج من الزقاق المجاور قائلاً.  ليه بس يا نجم ؟ فقلت مرتجفاً.. مش بشتري الحاجات دي  انتو عاوزين إيه؟؟ فخرج الثالث من خلفي.. وكان أكثر وضوحاً.. حيث أمسك بأعلى كتفي قائلاً.. اطلع باللي معاك ياض..  كنت والحمد لله لا أحمل هاتفي إلى الملعب.. ولم يكن معي سوى سبعة عشر جنيها.. وكيس اللبن. فأخرجت ما بجيبي في حذر.. أعطيه لهم.. يا جماعه ده كل اللي معايا.. مش كنتو تقابلوني في ظروف أحسن..  رد الأول بعد أن أخرج من أنفه صوتاً يفيد الاعتراض.. انتا هتستظرف ياض.. هوا ده كل اللي معاك؟؟  قلت . آه والله العظيم.. ده لبس كوره انا جي من الملعب.. فنظر في يدي.. وقد أهدتني زوجتي ساعة.. مميزه جدااا.. فهي ضخمة الحجم.. وألوانها ملفته.. وبها أضواء خافته.. منسجمة مع لون الإطار الخارجي للساعة.. ودائما ما تمنعني زوجتي  من أخذها للملعب.. ولسوء الحظ أخذتها معي هذه المرة . فقال .. اخلع الساعة دي ياض.. وقبل أن أوضح وأتوسل مدى أهمية الساعة.. قال الثاني مبادراً.. بعد أن أخرج نفس الصوت من أنفه.. ماتخلص يا عم النجم خلينا نشوف غيرك..

فخلعت الساعة.. ولذت بالفرار.. اتسائل في نفسي لماذا لم أقاومهم حتى وإن مت.. صعدت إلى الشقه.. تقابلني زوجتي في لهفة.. اتأخرت ليه البنت تعبانه.. دخلت مسرعاً فإذا بابنتي تغلى من شدة الحرارة..  فأخذتها إلى المستشفى .. وتجاهلت رغبة زوجتي في أن تختصر الطريق من الممر.. لعلمي بما فيه.. وفي ساحة المستشفى.. سمعنا أصوات استغاثة وصراخ وخرج الحاضرين عن آخرهم.. فإذا بشاب يحمل صاحبه ينزف.. وبجسده عدة طعنات.. اقتربت منه فإذا به صاحبنا بالممر.. وفي يده ساعتي.. وفهمت من الحديث الدائر بينهم.. أنه تشاجر وزميله على من يأخذ الساعة.. رفضت المستشفى استقباله.. ولم يكن معهم أموال تكفي .. ولكن الشاب قد أوشك على الإحتضار.. ولا أدري لماذا دفعتني الشفقة.. لإخراج مبلغ تحت الحساب للمستشفى لإنقاذ الشاب.. وسط دعوات من صاحبه.. الذي تحقق مني جيداً وقد كنت بنفس ملابس الملعب.. وقبل أن ينطق انه عرفني .. وضعت يدي على فمه أسكته.. وتفاعل الناس من حولي.. فدفع كل منهم قدر استطاعته.. والشاب في أشد الحرج من تصرفي.. انتهينا من الكشف على البنت.. وانصرفت من المستشفى وإذ بيد تمتد من خلفي.. وبها الساعة أحضرها زميله يعطيها لي..يحاول إخفاء وجهه حرجاً دون أن يستطع حتى مجرد النطق.. وما هي إلا أيام.. حتي قابلته بالمسجد يصلي لله ويسجد.. وعلى وجهه نسائم التوبة..