د. رشا سمير تكتب: عذراء في فراش البنكنوت

مقالات الرأي



المرأة حين تُحب، تتداخل مشاعرها فتتسلل السعادة لتسكن مسامها وتكسو ألوان قوس قزح كل ملامحها..

المرأة حين تُحب، تتحول هزائمها إلى إنتصارات وإنكسارها إلى قوة وضعفها إلى رونق..

المرأة حين تُحب تدخل كتب الأساطير لتُصبح ملكة البحار وشمس النهار وجنية الكون..

طالما حلُمت نادين بالحُب..فتمنت أن تسكنه أو يسكنها..

هي فتاة رقيقة من أسرة فوق المتوسطة..والدها كان محاميا كبيرا ووالدتها إختارت أن تكون ربة منزل في بداية زواجها لتتفانى فى تربية إبنتها الوحيدة التى لم تنجب سواها..وبعد وفاة زوجها إثر حادث سيارة اضطرت للعمل كمهندسة ديكور حتى تستطيع أن تنفق على إبنتها الوحيدة ذات الخمسة أعوام..وبالفعل نجحت وكونت ثروة لا بأس بها..

كبرت الطفلة الصغيرة لتصبح فتاة ناضجة تمتلك من الجمال فيض لا تخطؤه العين ومن الأناقة أبسطها وأكثرها رونقا، ومن اللباقة ورجاحة العقل ما يجعلها تخطف القلوب والألباب كلما طلت على أى مكان بإبتسامتها المشرقة وقوامها المخملي..

تخرجت من كلية الإعلام بتقدير عام إمتياز وحصلت على عمل فى مجلة تُحرر باللغة الإنجليزية فى القاهرة..حتى أصبحت بعد شهور قليلة من أهم محرريها..ومن ثم قررت أن تستكمل مشوار نجاحها بعمل ماجيستير فى إدارة الأعمال..

ظل إلحاح الأم وسؤالها كل يوم عن الحُب فى حياة إبنتها وعن فارس أحلام يخطفها هو السؤال المؤرق للأم والمزعج للإبنة دائما..فهى حالمة ورقيقة لكن أقدراها لم تضع فى طريقها رجلا يحتويها بحق..إلى أن قابلته..

ذهبت للبنك فى أحد الأيام لتصرف شيك، فاتضح لها أن هناك مشكلة فى الإجراءات وتم تحويلها لمقابلة مدير الفرع..

دخلت إلى غرفته متحفزة فقابلها بإبتسامة أنيقة أذابت كل التحفز بداخلها..

علا وجهها إستغراب..فتسللت أفكارها إليه على الفور دون أن تفصح عنها، فقال لها:

" نعم..أنا أصغر مدير فرع..ومن حقك أن تسأليني: هو فى حد كبير أكلمه؟"

ضحكت وضحك..ثم طلب منها الجلوس وقام بكل مهنية بحل مشكلتها فى دقائق معدودة..أعطاها كارته الشخصي وطلب منها أن تطلبه فى أى وقت إذا إحتاجت إلى مساعدة..

بعد أسبوع من تلك المقابلة..قابلتها مشكلة أخرى بسبب نفس الشيك..أخرجت الكارت وبعثت إليه رسالة على الواتس أب..فما كان منه إلا أن طلبها وقال بكل ثقة:

" كنت أعلم أنك ستعودين من أجل نفس الشيك..فلا يصح أن ننتهى منه فى زيارة واحدة".

تسللت إليها نبرة الإعجاب التى سكنت صوته والحقيقة أنها هي الأخرى كانت قد بدأت تنجذب إليه..

تقابلا وتحدثا..حكى لها عن نفسه..

عمره ثلاثة وثلاثون عاما، أباه رجل أعمال ذو صيت كبير ويرأس أحد الأحزاب السياسية الشهيرة، والدته سيدة مجتمعات وعضو بالجمعيات الخيرية بأرقى نوادى مصر..له أخت واحدة هى الأصغر والأقرب إلى قلبه..حاصل على ماجيستير فى إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية..تمت خطبته أكثر من مرة نزولا على رغبة والده لكنه لم يستطيع أن يستمر لأنه لم يجد فى أى فتاة منهن من يستطيع أن يشاركها حياته ويمنحها قلبه دون شروط..

أبهرها عشقه لدواوين نزار قباني وقصص إحسان عبد القدوس وأغاني ماجدة الرومي..أبهرها هدوءه وأناقته وبساطته فى التعامل مع الآخرين وعذوبة حديثه..

مر عام عليهما وهما بين أحاديث شيقة وباقات ورد ومناسبات تجمعهما مع الأصدقاء..حتى إتخذ قراره بأن يتقدم لطلب يدها من أمها..

أصر أباه على فرح كبير يليق بإسم عائلته وأصرت أمها على فستان فرح من باريس..

أما هي فلم تكن تحلم بالفرح ولا بالفستان..كانت تحلم فقط بتلك اللحظة التى سوف يُغلق خلفهما باب بيت يجمعهما وأن تُنجب منه فتاة تحمل ملامحها وتفاصيله، أوصبي يحمل أخلاقه وحنانها.

مر عام على زواجهما..وهى بين العمل والبيت والحياة الجديدة التى طرأت بكل إختلافها عليها..

لم تنسى أمها ولو مرة فى كل زيارة أن تسألها نفس السؤال:

" نادين..متى سأحمل حفيدي؟ متى ستُدخلين الفرح على قلبي؟"

وكان ردها فى كل مرة:

" لم يشأ الله بعد"

إلى أن كان يوم، ثارت فيه الأم وانفعلت واتهمت إبنتها أنها تخفي عنها شيئا..فانهارت الإبنة وسالت الدموع من عينيها أنهارا وقالت بنبرة صوت لا تحمل سوى الإنكسار:

" أحمد يا أمى يُعاني من مشكلة تمنعه من الإنجاب"

ردت الأم والذهول يغالب مشاعرها:

" أهو عقيم..لا ينجب؟"

ردت الإبنة بحروف مُنكسة النقاط:

" أنا لازلت عذراء!"

حاولت الأم أن تبتلع الكلام..حاولت أن تستوعب الموقف..حاولت أن ترد..أو أن تُعقب..دون جدوى..فغرت فاها وسكنها صمت هو تعبير عن أبلغ كلام يمكن أن يُقال فى تلك اللحظة..

فتحت الفتاة لأول مرة باب قلبها لأمها ودموعها تغالب الكلمات، وأنينها يسابق دقات قلبها..

حكت لها أن زوجها إبن الذوات فشل فى إثبات رجولته منذ ليلة الزفاف!..

ثم حاول الإقتراب منها أكثر من مرة وفشل فى كل مرة..حاولت هى أن تُساعده ولم تنجح..حاولت أن تقنعه باللجوء إلى طبيب فرفض بشدة..فآثرت أن تُعطيه المساحة ليخلو إلى نفسه..لكنه أصبح شديد العصبية، متقلب المزاج..ينهرها على أبسط الأشياء لدرجة جعلته يصفعها فى أحد المرات لأنه لم يجد قميصه مكويا، ثم عاد واعتذر لها بكل الوسائل..فسامحته لأنها تحبه..ومؤخرا لم يعد يريد الخروج معها بل ولم يعد يسمح لها بالخروج مع صديقاتها بمُفردها ظنا منه أنها أفشت سره لهن..والأدهى أنه لم يعد يحاول الإقتراب منها لأسابيع طويلة بل ولشهور..فأصبحت الحياة جحيما وتحول عشقها له إلى سجن تجمدت فيه مشاعرها..

لم يكن أمام الأم إزاء تلك المأساة إلا أن تواجهه..

ذهبت إليه قبل عودة إبنتها من العمل وصارحته بكل ما سمعت من إبنتها وطلبت منه أن يستشير طبيب..فرفض رفضا باتا وأتهم زوجته بأنها تعاني من البرود وأنها مجرد صورة جميلة لإمرأة بلا مشاعر قد تدفعه على الإقتراب منها..

حديث بغيض تطاول فيه الزوج، وحاولت الأم أن تتماسك من أجل إبنتها..حتى إنتهى اللقاء بأنها طلبت منه طلاق إبنتها بلا ضجيج..

فطلب منها بكل تبجح أن تُبريه من مستحقاتها المالية..ردت:

" الرجل الذى يساوم زوجته بالمال ليس إلا تاجر نخاسة يا بُني..الورقة إذن مقابل الدنانير!"

عادت نادين إلى البيت لتجده مثل الأسد الثائر، يصول ويجول بالبيت..يكسر الأشياء ويمزق ملابسها بجنون..

وما أن دخلت إلى المنزل حتى جرجرها من شعرها وأوسعها ضربا فى كل مكان طالته يديه بل ورجليه..حتى سالت الدماء منها على الأرض وفوق الأثاث..

إختلطت دموعها بدمائها فى فيلم سينمائي هابط بطله رجل إستقوى بعضلاته حين إنتفت عنه صفة الرجولة الحقيقية..

فى لحظة فاصلة..حملها زوجها إبن الأصول على كتفه وألقاها فوق فراش الزوجية الذى لم يشهد ليالي العشق ولا لذته، ثم ربطها بحبل فى أطراف الفراش وقال مهددا متوعدا:

" سأمنحك الطلاق كما تريدين وسأخلصك من عذريتك الآن كما تتمنين أنت وأمك..معي شهادة صحية يا زوجتى الحبيبة تُقر بأنني أعاني من مشكلة صحية تمنعني من الزواج..شهادة بوفاة رجولتي عقب حادث..وتأكدي يا إبنة الصون والعفاف أنه سوف يتم سؤالك بالمحكمة كيف فقدت عذريتك وزوجك غير قادر؟ هذه ستكون تبعيات قضية الزنا التى سوف أُقيمها ضدك بالمحكمة لإثبات خيانتك..فكري مليا يا عزيزتى ماذا ستقولين لهم؟ أما إذا أردت أن تحافظين على صورتك الحالمة وتحصلين على الطلاق دون شوشرة..فأنا فى إنتظار شيك بإثني مليون جنيه من الست الوالدة..واعتبريه تخليص حق!".

لم يبقى أمام الزوج الوسيم بعد هذه المعركة الدنيئة الغير متكافئة إلا أن يفض بكارة زوجته بالقوة الجبرية فى عودة لعصور الجاهلية..

فى لحظات إختلطت دماء عذريتها بأشلاء كرامتها..كان صُراخها كفيلا بأن يحرك مشاعره ويهزم المجتمع بأكمله..ولكن..هيهات.

فى مجتمع لا ينحاز سوى للعنترية الذكورية..في مجتمع يضع المرأة فى كفة وبكارتها فى الكفة الأخرى..فى مجتمع العجز فيه ليس مجرد عجز الرجال ولكنه عجز الموروثات والتقاليد..لم يكن أمام الأم المذعورة من الفضيحة إلا أن تسلمه الشيك فى مقابل ورقة طلاق إبنتها الوحيدة وما تبقى من كيانها..

أما هي..العروس الحالمة، فقد تحولت إلى حُطام أنثى..تحولت مشاعرها إلى حجر أصم..أصبح الألم يمزق كل قطعة من جسدها كلما تذكرت وجهه..وباتت تُفرغ كل ما فى جوفها كلما عاودتها ذكرى تلك اللحظة التى فقدت فيها عذريتها مثل أى ساقطة رخيصة وسط صمت مجتمع عاجز وأسرة إنحازت لإسمها بكل نرجسية..

فارقت الإبتسامة شفتيها..أصبح الشرود هو منفذها الوحيد على الحياة..باتت الكوابيس هي كل أحلامها..وفقدت كل تركيزها فى العمل..أصبحت ترتعد كلما إقترب منها رجل ليحادثها أو يبدى إعجابه بها..تحول الحمل بداخلها إلى أسد شرس..وماتت عواطفها على أعتاب ضعفها..

حملت لقب مُطلقة بكل شجاعة وإنكسار..ولازالت عيون الناس تلاحقها ولازالت أسئلتهم تؤرقها ولازال المجتمع يوجه أصابع الإتهام إليها..ولازالت أمها تنتظر الحُب الجديد..ولازالت هى تنتظر عودة الروح.