بيزنس التطعيم فى "السوق السوداء"

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


عيادات مجهولة تبيع الأمصال بأسعار باهظة والصحة تكتفى بتحرير 13 محضرا على مستوى الجمهورية


تطبق العديد من الدول بشكل إجبارى نظام تطعيم الأطفال ضد الفيروسات منذ اليوم الأول لولادتهم، مرورا بمراحل أعمارهم المختلفة، لكن النظام فى مصر مختلف، إذ هناك بعض التطعيمات الإجبارية، تمنحها وزارة الصحة للأطفال مجانًا، بينما توجد أيضًا تطعيمات أخرى يكون الحصول عليها اختياريًا، لذا تتراوح أسعارها فى عدة أماكن، على رأسها مركز المصل واللقاح والعيادات والصيدليات والمستشفيات الخاصة.


لكن الغريب، أن هناك بعض الأطباء، استغلوا ذلك النظام المتعدد للتطعيمات، بين ما هو إجبارى وما هو اختيارى، فى خلق «بيزنس» خفى يحقق لهم مكاسب مادية، «الفجر» علمت بالأمر من أحد المصادر الخاصة، وعلى الفور بدأنا ذلك التحقيق الميدانى، الذى تنقلنا خلاله بين العديد من الجهات المعنية.

فى البداية، توجهنا إلى مركز المصل واللقاح، وهناك قابلنا أحد الصيادلة، الذى أكد لنا أن كافة التطعيمات الإجبارية غير متوفرة الآن، ونصحنا بالتوجه إلى الوحدات الصحية، لأن تلك التطعيمات متوفرة فيها فقط، بناء على قرارات صادرة من وزارة الصحة منذ فبراير الماضى.

وأضاف الصيدلى الذى رفض ذكر اسمه، أن بعض التطعيمات الاختيارية أيضًا أصبحت غير مصرح لهم ببيعها، على عكس ما كان فى الماضى، موضحًا أن مصل الإنفلونزا الفيروسى، الذى يصل ثمن التطعيم به لـ75 جنيها به نقص شديد، لذا لا يلجأون إلى بيعه بينما يوفرونه لتطعيم المواطنين به داخل مركز المصل واللقاح فقط، وهذا خلق أزمات شديدة مع المواطنين الذين يرغبون فى شراء المصل.

وبينما نتجاذب أطراف الحديث مع الصيدلى داخل مركز المصل واللقاح، دخل علينا شخص، وطلب عددا من طعوم شلل الأطفال والإنفلونزا الفيروسى والتهاب الكبدى بى، فقال له الصيدلي: «يا دكتور للأسف مش متوفرين، معندناش»، وبعد أخذ ورد استمر حوالى ربع ساعة علمنا خلالها أن طالب الطعوم طبيب أطفال، تمسك الصيدلى برفضه، وقرر الطبيب أن يغادر بدون الحصول على التطعيمات التى جاء لأجلها، فخرجنا وراءه، وسألناه: «أنت أول مرة تيجي؟»، فأجاب: «لاء، ده أنا كنت هنا من أسبوع، تقريبا باجى أنا وزمايلى مرة كل أسبوع».

عدنا مرة أخرى إلى الصيدلى الموجود داخل المركز، وسألناه عن أسعار التطعيمات الاختيارية فى «المصل واللقاح»، فقال: تناول الأمصال عندنا أرخص من شرائها بـ10 جنيهات، يعنى تناول مصل الإنفلونزا البكتيرى بـ60 جنيها، وشراؤه بـ70 جنيها، والمكورات الرئوية بـ500 جنيه وشراؤه بـ510، والروتا بـ310 وشراؤه بـ320، والجديرى المائى بـ200 جنيه وشراؤه بـ210، وهكذا.

قررنا بعد ذلك خوض جولة ميدانية لكشف تسعيرة الأمصال والتطعيمات، داخل عدد من المناطق المختلفة، وتجولنا بين العيادات والمستشفيات الخاصة، وعلمنا من أحد الأطباء المتخصصين أن الأمصال واللقاحات الخاصة بالأطفال من سن يوم وحتى عامين تضم 32 تطعيما، لكن الغريب، هو إجماع الأطباء الذين قابلناهم على وجود أزمة فى توفير التطعيمات الإجبارية، على عكس ما كان فى الماضى، ما خلق «سوق سوداء» للتطعيمات فى مصر.

وأكد أحد الأطباء لـ«الفجر» أن بعض زملائه الأطباء ما زالوا يحصلون على تلك الطعوم بـ«الواسطة»، ومن ثم يرفعون أسعارها بصورة مبالغ فيها، ففى المناطق الراقية، مثل مصر الجديدة وأكتوبر والدقى وصل تطعيم شلل الأطفال لـ1000 جنيه بإحدى العيادات، بينما وصل سعره فى الأحياء الشعبية لـ350 جنيها.

أما تطعيم الدرن فوصل سعره لـ500 جنيه، والالتهاب الكبدى بى بـ450، والثلاثى البكتيرى بـ250، والإنفلونزا البكتيرية بـ75 والفيروسية بـ85، وتصل فى بعض العيادات لـ150 جنيها، ولقاح الثلاثى الفيروسى الـMRR بـ300 جنيه، والمكورات الرئوية وصل سعره لـ650 جنيها، وجرعة الروتا بـ400 جنيه، والجديرى المائى بـ400 جنيه، والالتهاب الكبدى أ بـ800 جنيه.

وسألنا فى كل الصيدليات الكبيرة، عن بيع الأمصال واللقاحات، لكننا فوجئنا بعدم توافر التطعيمات الإجبارية لديها أيضًا، مع وعد بأن تتوفر خلال أيام بإحدى سلاسل الصيدليات الشهيرة، وبالسؤال عن «هل التطعيم كان متوفرًا فى السابق؟»، أكد موظف خدمة العملاء لنا أن التطعيمات كانت متوفرة منذ ثلاثة أشهر، ولكن حدثت مشكلة تسببت فى حدوث نقص فى الوقت الحالى.

لم نكتف بذلك، بل قررنا مرافقة الحملة القومية للتطعيم ضد شلل الأطفال، حتى نتعرف عن قرب عما يجرى داخلها، عن طريق التطوع بالعمل مع الأطباء والممرضات، فاكتشفنا وجود سرقات للتطعيمات التى تخص الحملة، ويتم بيعها للأطباء والصيدليات.

وخلال الجولة التى خضناها مع الحملة، ضاعت أحد الطعوم، الأمر الذى أربك المجموعة التى اصطحبتنا معها، والمكونة من ممرضتين ومشرف، فبدأ المشرف والممرضتان يلقون اللوم على بعضهما البعض، على عدم انتباههم لعدد الزجاجات قبل بدء العمل.

وأكد لنا المشرف أن بعض العاملين يسرقون التطعيمات المخصصة لنا ويستخدموها فى أمرين، إما لسد عجز النواقص من التطعيمات بالوحدات الصحية، أو للمتاجرة فيها وبيعها للأطباء أو الصيدليات.

ومن جانبه، قال أحمد كامل، نائب مدير الإدارة العامة للتفتيش الصيدلى، بالتعاون مع إدارة العلاج الحر فى الفترة الأخيرة، تم تحرير عدد 13 محضرا لعيادات، ثبت بيعها للطعوم والأمصال، وهو أمر مخالف للقانون، موضحَا أن من بين الضبطيات عيادة فى محافظة القليوبية، لطبيب يقوم بتصنيع لقاحات للحساسية من خلال مواد مجهولة المصدر وماكينة للكبسلة.

وأكد نائب مدير الإدارة العامة للتفتيش الصيدلى، فى تصريحات خاصة لـ«الفجر»، أن الصيدليات والعيادات والمستشفيات التى تقوم ببيع التطعيمات يتم تحرير محاضر مخالفة ضدها، وتخضع للعقاب الذى قد يصل للغرامة وغلق المنشأة إذا تكرر الأمر فيما بعد.