في حوار خاص.. مسؤول ترميم قصر البارون تكشف حقيقة أساطير الدوران وعبدة الشياطين

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


قصر البارون إمبان أحد أشهر المعالم الأثرية المثيرة للجدل، وخصيصًا بعد أن ارتبطت به عدة أساطير من كون البرج الخاص به يتحرك أو أن القصر ملئ بالسراديب والممرات السرية أو أنه كان مقرًا لعبدة الشيطان وغيرها من هذه الأساطير التي حازت على اهتمام يفوق الاهتمام الأثري بالقصر.


وأجرت الفجر حوارًا مع الدكتورة بسمة سليم مفتش الآثار المسؤول عن قصر البارون إمبان، عن أعمال الترميم فيه، حيث أوضحت خلاله بعض الجوانب الغامضة حول القصر والتماثيل غريبة الشكل الموجودة به.



في البدء كان السؤال المباشر للدكتورة بسمة سليم حول تاريخية القصر ولماذا هذا الطراز الغريب على العمارة المصرية بشكل عام ؟


أجابت الدكتورة بسمة قائلة: إن المليونير البلجيكي البارون إدوارد إمبان، والذي جاء إلى مصر من الهند في نهاية القرن التاسع عشر بعد وقت قليل من افتتاح قناة السويس، كان يزور فرنسا عام 1900م وأثناء حضوره المعرض الدولي للعمارة في باريس، شاهد تصميمات المهندس المعماري ألكسندر مارسيل.


وتابعت سليم أن ألكسندر كان أحد المهندسين المشاركين في المعرض، وكان لا يزال مهندسًا معماريًا مغمورًا، وقد شارك مارسيل بعمائر شرقية الطابع، على طراز المعابد الهندية، وقد أعجب الطراز البارون إمبان، فقرر أن ينشئ قصرًا على هذا الطراز في ضاحيته الجديدة في مصر، والتي كانت بعيدة عن القاهرة، وذلك كي يجذب لها الاستثمارات المعمارية.


وأوضحت أن مارسيل كان مشاركًا في المعرض الدولي لباريس بثلاثة أبراج على طراز العمارة الشرقية، وقد جذبت طرز مارسيل ملوك وبارونات العالم، ومنهم الملك ليبولد الذي اختار البرج الياباني، والذي تم بناؤه بالفعل في القصر الملكي في بلدة ليكن في بلجيكا، واختار البارون إمبان طراز قصره الشهير على الطراز الهندي من تصميم ألكسندر مارسيل، وتم تطبيقه في مصر.


وكان سؤالنا الثاني حول التماثيل الغريبة الطراز الموجودة في ساحة القصر وواجهاته ؟

قالت الدكتور بسمة سليم، إن واجهات القصر كلها هندوسية الطراز، حيث تتبع الميثولوجيا الهندية في طرازها، وهي تماثل المعابد الهندية القديمة، مثل معابد انكروات وخاجوراهو في زخارفها المتنوعة وفي تماثيلها.


أما الزخارف الداخلية للقصر، فنجد أن الزخارف الهندية تقتصر فقط على الردهة الرئيسية للقصر، أما باقي الغرف فتنتشر فيها الزخارف الأوروبية، حيث أن الطراز السائد في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر كان الفنان فيه يمزج بين عدد كبير من الفنون.


ثم كان السؤال الرئيسي في هذا الحوار عن برج قصر البارون وهل بالفعل يدور مع قرص الشمس أم لا ؟


أجابت الدكتور بسمة سليم قائلة: إنه لا يوجد أي دليل على أن برج قصر البارون به ميكانيكية التحرك أو الدوران، وأضافت أن القصر بما فيه البرج خضع لدراسات بلجيكية وهندية لعشرات السنوات، ولم يثبت منها أبدًا أن البرج يتحرك، ومسألة الحركة في البنايات والعمائر تكون ميكانيزم ضخم لو كان موجود لتم الكشف عنه بالطبع.


هل يوجد في القصر غرف دوارة أو ممرات سحرية؟


وعن هذا السؤال، قالت الدكتورة بسمة سليم، إنه توجد غرفة أسفل مستوى بدروم القصر وكان البعض يعتقد أنه بداية سرداب، وقال عنه البعض أنه يؤدي إلى الكبيسة البازيليكية، وقال البعض الآخر أنه يؤدي لمسافة بعيدة عن القصر، إلا أن المجسات الأثرية التي أجريت حتى الآن على هذه الغرفة أثبتت أنها مجرد غرفة مغلقة، ولا يوجد خلفها أي سراديب.


كما لا توجد أي غرف تدور أو ممرات سحرية أو ما شابه مما انتشر عن القصر، وكشف عن أن سبب اشتهار القصر بالدوران هو أنه تم بناء القصر فوق تبة عالية، وكان ما حوله خاليًا من الأبنية، فكانت الشمس تشرق وتغرب فتنعكس على جوانب القصر الأربعة، فيخيل للناظر من بعيد وكأن القصر يدور مع الشمس.


هل بالفعل أن عبدة الشيطان احتلوا قصر البارون ؟

في عامي 1997، و1998 كان القصر مهجورًا تمامًا ولم يكن يتبع في هذا الوقت وزارة الآثار، حيث أن تسجيله أثر تم في عام 2007، وبالفعل قامت بعض جماعات عبدة الشيطان بالدخول للقصر وممارسة طقوسهم فيه، والتي كان من ضمنها وضع رسوم غريبة على الحوائط، وتعاويذ على الأسقف وجماجم، ولطخات بالدم على شكل كف اليد وغيرها من الأشياء التي تم إزالتها عن الحوائط أثناء أعمال الترميم.


وأشارت سليم إلى أن ما جذب اهتمام هذه الفئة، هو طراز القصر الغريب وما دار حوله من أساطير، وتماثيل القصر الموحية بأن فيها قوى روحانية معينة، وهي في النهاية تحف حجرية نادرة رائعة نحافظ عليها للدراسة واستقاء الحقائق التاريخية.


ما هي أعمال الترميم الجارية في القصر الآن وتكلفتها؟


إن الترميم الجاري في القصر حاليًا هو نوعين من الترميم:


الأول ترميم دقيق، وهو ترميم زخارف الواجهات والحوائط والأسقف والعتب، وكل الزخارف الموجودة في القصر مهما بلغ دقتها.


والنوع الثاني هو الترميم المعماري أو الإنشائي، وهو ترميم الأسقف الخرسانية التي أصاب الحديد بداخلها الصدأ وحاليًا يتم عمل دعائم داخلية لها، وتبلغ تكلفة الترميم 100 مليون جنيه. 


هل هناك أشياء يصعب ترميمها في القصر؟


قالت الدكتورة بسمة سليم إن الآثار عندما تسلمت القصر وجدت عدد من التماثيل في حالة بالغة السوء حيث تم الاعتداء عليها وتكسير أجزاء منها، وهي للأسف نماذج نادرة للغاية، وقطع أصلية نادرة تم تصنيع نسخ وحيدة منها لقصر البارون، فهي لا تقدر بثمن.


وضربت مثال على ذلك بتمثالي المقدمة على البوابة، وهما للنحات كوردييه ويرجع تاريخ نحتهما إلى ما قبل إنشاء القصر، لعام 1885 وقد وجد التمثالين مكسورين، وهناك تماثيل أخرى مفقود منها أذرع وأيدي وأجزاء من الوجوه، فقد كانوا البارون جامعًا للتحف في قصره من مختلف العصور.


وأشارت إلى أن المرممين المصريين يستطيعون ترميم أي جزئية في القصر، ولكن ستظل المشكلة قائمة في الأجزاء المفقودة، حيث أنه لم يتم توثيق القصر أثريًا، فالزخارف المفقودة والأجزاء المفقودة من التماثيل لا يوجد وثيقة تصفها أو صورة لها، ومن هنا يصعب ترميمها، إلا في حالة وجود شبيه لها فنستطيع صنع نسخ منه.


وكذلك الألوان فأغلبها تم إزالته بسبب عوامل التعرية، والصور اليسيرة التي تم التقاطها للقصر كانت بالأبيض والأسود لذا فهناك مشكلة أيضًا ترميم الألوان والتي لا نستطيع معرفتها بدقة، إلا أن المرممين قادرين على تجاوز هذه العقبات.


هل هناك مفقودات من القصر ؟


هناك تمثال كامل مفقود من القصر ولم يكن موجود منه سوى نسخة وحيدة في حديقة القصر، والتمثال يدعى "بطل العالم" وقد قام بتوثيقه الدكتور ياسر منجي.


وفي نهاية حوارها قالت الدكتورة بسمة سليم إن طاقم العاملين والمشرفين والأثرين بالقصر، كلهم على قلب رجل واحد للإسراع في إتمام أعمال ترميمات بالقصر وفق أحدث التقنيات العالمية، والتي توليها الوزارة اهتمامًا بالغًا، حيث قام وزير لآثار بزيارتنا عدة مرات؛ لتفقد الأعمال وتوفير المطلوب أولًا بأول، وختمت حديثها قائلة "إن قصر البارون سيكون المعلم السياحي الأشهر في مصر وسيكون أحد بواباتها المعدودة حيث أنه أول معلم يستقبل السائحين لدى قدومهم من المطار وآخر معلم يودعهم".