أميرة حسني تكتب: لا تغار

ركن القراء



لماذا تنظر إليَّ بكل هذا الفضول؟ أتتعرف عليَّ أم تتساءل ما سبب هذا التحول البارد الذي أصابني؟ لم تعد ذلك الحبيب الملهم لأشواقي، لم تبقَ صورة الفارس الحالم كما رسمتها لك عندما وقعت عيني عليك وأصابتني سهام معسول كلامك في عذرية قلبي، طوقتني بلآلئ مضيئة أحرقت الشوق نارا فصار رمادا، ربما انا أيضا اتساءل، أهذا من كانت عواطفي تسوقنى إليه وتغمض عيني عما وراء كل هذا الحب؟

الحب!! أين ذهب؟ ولماذا ولى؟ وأين غيرتك التي كانت تلهث ورائي في كل خطوة تخطوها "قدم الغزال" كما كنت تناديني دوما؟ ألم يكن اهتمامك بي يضيق به دلالي عليك؟ أم تكرار اللقاء أزهدك فيَّ؟ لا تقلق، فلم يشغل قلبي فارس غيرك، ولا تزال حب العمر في عيني، ولكن، ما العمل في عقل امرأة نضج عقلها وأصبحت تؤرقه هذه القشرة الرقيقة التي لم تعد تصلح أن تظل الحامية لهذا الوهم الذي أضعت كثيرا من الوقت في تصديقه؟

لماذا ترتفع نبرة صوتك وأنت تحادث أذن عصفورة الكناريا التي شبهتني بها دوما؟ أهذا ما كنت تقصده؟ نحب الجمال ولا نطلق سراحه؟

لماذا تغضب عندما أقتص جزءا من وقت راحتي في تدليل نفسي عند مصفف الشعر؟ تغار حين تراني في ثوب راقٍ يذكرك بمحاولاتك المستميتة للحديث لدقائق معي؟ يستشيط وجهك غضبا عند رؤيتك أحد زملائي في العمل يلقي بتحية عابرة إذا ما صادفناه في نزهة تقليدية تكرر مع كل كسوف للشمس، فتشيع أجواء الظلام حولي، وانتظاري الرجوع لبيتنا حتى تنقشع هذه الغمامات، أتغار؟ ممن تغار؟ وعلى ماذا تغار؟ وكيف تغار؟

أتغار على عصفورتك الحبيسة في قفص تعليماتك التي لا تنتهي ولم يعد لها أي مبرر؟ أم تغار من أقاربي وزملاء العمل والجيران وأبنائهم وكل هو ينتمى لجنس الذكور؟ أم تغار على صورتك المشوشة في عالم لا يرى مني سوى مفاتن أنثى؟

أليست الغيرة هي دليل الحب وشدة الاهتمام؟ أليس الغيور على حبي يراني ملكة لا يقبل أن يشاركني فيه العوام؟

لماذا لا تغار من أنيني في نهاية اليوم منهكة من أعباء المنزل والذي لا تكلف نفسك خاطرا بكلمة ثناء واحدة؟ ألا تغار على حبيبتك وهي تتكبد عناء السعي على ساقيها يوميا في الأسواق والمحال لشراء مستلزماتنا؟ ألا تغار من بعض همزات والدتك عند كل لقاء يجمعنا وهي تلمح لك دائما بأن الحنان الزائد للزوجة يفسدها؟

لماذا لا تغار من ذهابي للعمل وتعرضي لمضايقات الطريق والعمل؟ ألا تغار من ضحكاتي مع الزملاء وحديثنا طوال اليوم عن الأسعار والأبناء ومشاكل الحياة؟ ألا تعلم أن صوتي يسمعه رجال كثيرون غيرك، ووجهي يتأمله الأكثر؟

ألا تغار من اختفاء ابتسامتي وذبول عيني وأنا أنتظرك حتى ساعات منتصف الليل بمشعل الشمع لنقضي سهرة عاشقين كما وعدتني دوما أن أكون معك؟

لست أعلم ممَّ تغار، من كلمات إعجاب على سبيل جبر الخواطر حيث أضحى واضحا هذا الذبول العاطفي الذي أصابك وانعكس على شرودي الدائم؟

أنت لا تبذل جهدا في الحفاظ على هذا التوهج القديم، واللهفة عليَّ التي كانت تكتفي فقط بأوامر صارمة بعدم وضع مساحيق التجميل، وعدم الحديث مع الأقارب من الرجال، تؤكد عليَّ دوما بعدم خروج شعرات من تحت ظل حجابي، وأنت من حين لم تملس على رأسي بكلمة حنون، ألا تغار من زملائك اللذين ما زالوا على وفاق مع زوجاتهم ولم يصبحوا كالمتحولون مثلك !!

فأنت تخشى أن تستيقظ أنوثتى فلا تستطيع أن تلبى لها نداء رجلا ..!!!

تخشي من المواجهة.. من أن أذكرك بماضيك الجميل الذى استفقت منه على قسوة الحاضر الذى لا أستطيع الخلاص منه..

تهاب نظراتى.. تتجنب لمساتى.. لا تريد حقا ما يذكرك بزيف وعودك وأن كل ما تفعله هو بالفعل بعيد كل البعد عن الحب الذى طالما وعدتنى به وأنه لا يتعدى فخ ينصبه كل رجل ضعيف حتى ينال من إمرأة أعجبته..
ولا زلت أذكر ولم تزل تتذكر بعتاب لم يكتمل أبدا وأنا أخاطبك دوما لا تغار.