محمود الجلاد يكتب: ولما رحل السند

ركن القراء



كانت عاصفة شديدة محملة بصخور وأتربة تعمي العيون، اهرب منها وأجدها تسرع خلفي، لتلحق بي، الهلع يسود المكان ودقات القلب تتسارع، استندت تحت أخشاب شجرة متراصة ...رن الهتاف فاستيقظت من هذا الكابوس.

كانت الخامسة فجرا، لم يكن معتادا على أن يرن هاتفي، فدائما في هذا المكان شبكة الاتصال ضعيفة، فاعتدت على فعل ذلك حتى لايزعجنى أي شخص باتصالاته مبكرًا..

عمي، كيف حالك أجاب": والدك مريض عليك النزول الآن، أغلقت هاتفي وبكيت، هو توفى، فهذا تفسير الكابوس الذي ايقظني، لكن قبل أن أنام كانت بيننا أتصال فيها من المرح والضحك هل كان الاتصال الأخير.. لم يعانى من أى مرض طول حياته..شكوك تنتابني... أتمنى من ربي ألايكون قلقي حقيقي، لكني بكيت وفي كل جدران الشقة ابكي، رغم أنه لم يخبرني بوفاته.

وكن راضيا ولا تسخطن لشدة،  نعم مات أبي، ولكنى في حيرة بين مشهد درامي لكنه حقيقي، ما بين أن تكون الأكبر بين أخواتك فلا تدري هل تواسيهم، وتصبرهم على الفجيعة أم تواسي نفسك، فأنت بين 3 آلام ألم الفراق والمواساة، وألم صغار، وألم قدر لم ينبهنا.. فلا تدري من يواسيك.

 الوالد لابنه سند، لكن عندما أزيلت سرادق العزاء،  دوامة تعصف العقل، تتذكر، ماذا حدث، هل والدي لن أراه مرة أخرى، أعيد ما دار بيننا في آخر لقاء.. في اخر مشهد .. وأخر وقفة، بل الكلمات الأخيرة.. تسرجع هل كان مرحه هو الأخير معي هل كانت أخر ضحكة  .. نقف ونتألم..نعم كانت هذه الضحكة الأخيرة.

في وجه الصغار تضحك ، وتظهر علامات ألا شيء  قد حدث، أترك لهم بسمات ان الحياة بلا الم، نتظاهر بدعوات للتناسي هل ينسون يكادا ذلك.. لكن من يجعلني أنسى؟
مواقف كلما تذكرتها أتحسر.. فآخر قبلة على يديه كانت الأخيرة، وآخر صورة التقتطها له بجوار مسجد الحسين، وأنا اتألم خشية أن تكون هذه الصورة ذكرى مؤلمة فأصبحت بالفعل ذكرى مولمة، هل يشعر بآلامنا هذا العظيم، هل يشعر بالحسرة التي ما ان جلست وحيدا بين غرفتي وانتهى عملى وانصرفت عني الدنيا ان اتذكره فأبكي،  تتلاقى الارواح في الأحلام لكنى في حاجة لعناقه.

على مائدة الطعام، صوته المدوي، نداءاته ، وحديثه عن الأفراح وأنه سيحي أفضل فرح لي، تلهينا الحياة بالعمل  لكن القلب لا ينسى ، كم أنت مؤلم ايها الموت، لكن لقضاء الله نرضخ.

 كان صديقا فطوال سنوات عمري صغيرا أنادي عليه باسمه فقط، كأنه صديقي الذي نلهو سويا في الشارع، فكان صديقا قبل أن يكون أبا واخا، الوحيد هو منبع أسراري،  الوحيد الذي يقلق لو رآني عطست فيخشى علي من البرد.. قلق غير عادي خوفا علي.

بوجوده جدران صلبة تتكأ عليها،  لكن زلزال مدمر قضى على كل شيء، وكلما حاولت ان تستند فلا شيء فتميل وتقع ، صخرة قوية تستند عليها تحطمت بين ليلة وضاحها، ادعوك ياربي أن تجعل آخرته الفردوس الأعلى.. أخبره يااالله أني احبه، ولازال على عرش قلبي حتى أموت.......

الموت حق فاللهم لا اعتراض على قدرك.