مصطفى محمد يكتب: بضاعة أتلفها الهوى

ركن القراء



حتى هذه اللحظة لا أعلم ما هو السبب الحقيقي الذي منعني من كتابة مقال بلورت فكرته بالفعل، وذلك قبل انتخابات الأهلي الأخيرة بعنوان " العقل يسبق العاطفة أحيانا".

أردت وقتها تحليل جانب ( غاطس ) من شخصية محمود الخطيب.

ربما لم يسعفني الوقت، أو حرمتني ظروف العمل من متابعة كل تفاصيل الشأن الكروي في مصرعن كثب، من انهاء هذا المقال، هكذا أخذت أبرر لنفسي!

ولكن ما منعني في الغالب.. هو أسر العشق للأسطورة الحية، وأفضل موهبة انجبتها الملاعب المصرية على مر العصور "بيبو".

  غلبت عاطفتي عقلي وفشلت في تطبيق العنوان الذي اخترته لمقالي، على نفسي. ورغم أن المقال كان تغريد خارج السرب المؤيد للخطيب وقتها ولا يزال، إلا أنني وددت أن أعبر عن وجهة نظري كرسالة للجمعية العمومية  والرأي العام الرياضي.

ولأني لست من هواة ادعاء الحكمة بأثر رجعي، اتقبل تماما دفع ثمن التردد، الناتج عن الفشل العقلي لصالح المشاعر البائسة. واحتسب ضياع فرصة نشر المقال في وقته الصحيح، باستعارة عبارة صاحب جائزة نوبل في الأدب على لسان سى السيد في بين القصرين : بضاعة أتلفها الهوى.

لكني لست وحدي من أتلف الهوى بضاعته! نعم.. محمود الخطيب ودراويشه، وأنا منهم، أيضا فعلوها. والبضاعة هنا ليست مجرد مقال عابس لكاتب مغمور، إنها سمعة وكرامة أكبر نادي في العالم العربي، الصورة التي ضحى كثيرون لرسمها في أذهان عشاق الكيان على مدار عقود.

خوف محمود الخطيب على حلمه الأزلي في أن يسجل اسمه وصورته على حائط رؤساء، أعظم نادي في الكون، وهو حقه بالمناسبة. هذا الخوف الذي تحول إلى " فوبيا " من ضياع الأمل، بسبب  دراما بند الـ 8 سنوات الذي اقصى الحرس القديم. بالإضافة للزج باسم الخطيب في "شوشرة" قضية وكالة الأهرام للإعلان الغامضة والمريبة، وأكمل الهواجس صعود محمود طاهر كوجه جديد في مقعد الرئاسة بإمكاناته المادية الضخمة ودعم بعض رجال الأعمال الكبار له داخل النادي.

فقد ساهمت هذه الأجواء مع  رغبة بيبو المحمومة لرئاسة النادي، في دفعه لتحالفات انتخابية مع أشخاص لم يكونوا يوما على نفس الموجة معه. والأخطر من ذلك، هو استسلام معشوق الجماهير الأهلوية الأول، لخطر الخضوع لابتزاز أحد الأثرياء العرب الباحثين عن الشهرة، تحت دعوى الحصول على مساعدته في مواجهة رجال أعمال يساندون المنافس، وكذلك طمعا في دعم فريق الكرة.. وأشياء أخرى بعضها مخزي!


الأب الروحي

محمد صالح سليم، الرئيس الأشهر للنادي الأهلي وأحد الرموز الملهمة المشرفة للرياضة المصرية، وليس للأهلي فقط.

روحه معنا ترشدنا.. إن الحب الحقيقي هو العطاء وانكار الذات، وأن قيمة الإنسان السامية هي في تقديم نموذج وقدوة تبقى للآخرين،، لعلهم يتعلمون!

من بين مواقف عديدة سردها لنا دكتور ياسر أيوب في سلسلة مقالات ( المايسترو و أنا).

استوقفتني كلمات قالها المايسترو تبريرا لاستقالته الشهيرة عام 1974 من عضوية مجلس إدارة الأهلى، ومن الإشراف على فريق كرة القدم، على إثر أزمة بث مباراة الأهلي والزمالك.

 ورغم أن قرار مجلس الإدارة وقتها بعدم نقل المباراة تليفزيونيا، تبناه وأصرعليه رئيس النادي الفريق مرتجى وباقي الأعضاء، وكان صالح رافضا له من البداية، إلا أنه رضخ لرأي الأغلبية، حتى لو كلفهم ذلك الإستقالة.

بعدها تفاجئ صالح سليم بقبول رئيس النادي لطلب من الرئيس الراحل أنور السادات، مما أرغم رئيس الأهلي على إذاعة المباراة.  فثار صالح وشعر بالإهانة من إنفراد الفريق مرتجي بالقرار، وكان صالح هو الوحيد الذى استقال وقتها احتجاجاً على ما جرى!

 وقال لاحقا معقبا على الأزمة : " إن أكثر ما أزعجه هو أن يقرر الرئيس، أى رئيس، قرارا لا يستطيع أن يحافظ عليه أو يتمسك به، فالرئيس يمكن أن يقرر ويخطئ، وبالتأكيد سيغفر الناس له هذا الخطأ، لكن لا أحد يغفر للرئيس أن يبدو ضعيفاً أو عاجزاً".

وهذا هو مربط الفرس يا بيبو، إذا ما أردت إثبات أنك تسير على خطى  المايسترو، فقد جاءتك الفرصة لتعديل المسار وتصويب خطأ فادح.

فلا تصالح ولا تهادن مع من أهانوا الأهلي .. ولو منحوك استادا جديدا وعقد رعاية بطعم المذلة .. فتاريخ ومكانة الأهلي أشياء لا تشترى!

أنت من أحضرت ( العفريت ) وأنت من يجب أن يصرفه، وإلا فلترحل أنت ومجلسك الآن.. وتحافظ على ما تبقى لك من حب وتقدير.

لم يكن صالح قديسا بلا أخطاء، ولكنه من المؤكد لم يكن يوما، طوال تاريخه الطويل الناصع، متاجرا باسم النادي الأهلي، بل مقدما لمصلحة الأهلي فوق جميع أبنائه.