اللواء الدكتور علاء عبد المجيد يكتب : انطلاقة ثاني اكسيد المنجنيز

ركن القراء



لطالما تمكنت الولايات المتحدة من استخدام النظام الايراني كمصدر للرهبه لدول المنطقة كوسيلة لإستنزاف المكاسب السياسية والاستراتيجية , لكنها لم تكن قط جادة في إسقاطه أو تقليم أظافر نفوذه ومخالب قوته الناشبة في جسد المنطقة

وهذا لا يعني إنكار حالة العداء المستحكم بينهما ,, فالنظام الايراني وجه العديد من الضربات الأليمة لأمريكا منذ نشأته 1979م والذي أعقبه احتلال السفارة في طهران 1980م وإحتجاز عشرات الرهائن , ثم توجييه ضربات للوجود الأمريكي في بيروت وغيرها من عواصم المنطقة

والعجيب أن ذلك العداء تم إستغلاله لتحقيق منافع متبادلة بين الجانبين , فمن ذا الذي يمكنه تناسي الفضيحة المدوية التي انكشفت عام 1985م إبان عهد ( بيجان) , والتي عرفت تاريخياً بـ (إيران جيت)

فبينما كانت السياسة الأمريكية المعلنة تلعن النظام الايراني الذي يعمل علي زعزعة إستقرار المنطقة بعقيدته التي تتخذ من ( تصدير الثورة وإستقطاب الاقليات ) منهاجاُ وهدفاُ , وتحت ذريعة ذاك الفكر قامت بدعم وتنفيذ أعمال عسكرية عدائية خارج الحدود , مثلما حدث في بيروت أكتوبر 1983, حينما خطط (عماد مغنيه) القيادي بحزب الله حينذاك لتفجير عملاق نتج عنه مقتل ( 241 مارينز أمريكي + 58 جندي فرنسي ) في قلب العاصمة اللبنانية , وعلي الرغم من عمق الجرح الامريكي عقب هذا التفجير تورطت الادارة الامريكية وقتذاك وبعد موافقة شخصية من الرئيس ريجان علي توريد صفقة تقوم بها اسرائيل كوسيط يبيع صواريخ مضادة للدبابات الي ايران

وبينما كانت امريكا تحث الدول العربية لدعم النظام العراقي بالمال والسلاح والتدريب كانت اسرائيل تقوم بالفعل بتوريد ( 504) صاروخ تاووهوك لايران لمواجهه وإعطاب الدبابات العراقية

وتلك الفضيحة الشهيرة – ايران جيت – تمثل نموذجا لطبيعة السياسة الأمريكية , وكذلك تثبت طبيعة الدور الاسرائيلي مع ايران , فتفصيلات الوثائق تخبرنا بأن قيادات اسرائيلية قد وطئت الأراضي الايرانية واجتمعت مع مسئولي النظام الايراني حينذاك

وهنا يمكننا الجزم بأن القنوات السرية بينهما لم تنقطع علي الرغم من العداء العلني والصواريخ المتطايرة بين الجانبين ..!

لذا لا يمكن لعاقل تصديق أن هذا التزامن المريب بين اعلان بنود صفقة القرن خلال ايام وبين ذلك التصعيد الجنوني للأزمة الإيرانية مجرد مصادفة عمياء ..!

وكذلك لا يمكننا تصديق أن مثل هذه الازمة يمكن مواجهتها بذلك التراشق الصاروخي المتبادل بين اسرائيل وايران فوق الاراضي السورية والذي ظنه البعض إرهاصة لحرب اقليمية فإذا به مشهداً إستعراضياً تم إعداده بعناية واتقان بغيه إصطياد مكاسب اخري في ملفات متوارية لكلا الطرفين  ثم عقب ذلك تراشق لفظي حاد , أستهله وزير الخارجية الأمريكي (بومبيو) بالتهديد الفج بتوقيع أقسي عقوبات في التاريخ علي ايران .

ثم أملي وهو بوضعية الإستعلاء الشروط الأثني عشر والتي يستحيل تصديق قبول ايران بها ناهيك عن الالتزام بها

فإيران التي ظلت تفاوض الدول العظمي (5+1) لثمان سنوات متواصلة علي بضعة بنود تتعلق بالبرنامج النووي لن ترضخ هكذا لشروط تؤدي لتقزيمها وتركيعها ..! وهنا لا يخفي علي صانع السياسة الأمريكية , ولقد جاء رد (روحاني) سريعاً ومتوقعاً حيث قال : ( إن الولايات المتحدة ليست أهلاً لأن تقرر لإيران ما الذي تفعله أو تمتنع عنه في الواقع تبدولنا الإدارة الأمريكية غير حريصة عملياً علي حسم الصراع مع ايران , كما أنها لا تأبه بتخفيض مقياس التوتر بالمنطقة  ... بل علي العكس تبدو حريصة علي ابقاء الصراعات متوقدة بلا نهاية

فليس من قبيل المصادفة أن ينفتح الملف الإيراني علي مصراعية – بقرار أمريكي منفرد – عقب زوال البنية الصلبة لتنظيم داعش , ألم يكن من الأحري التروي لبضعه أشهر عسي أن تتنفس المنطقة صعداء الإستقرار ليس من قبيل المصادفة أن يتم تدارس الملف الإيراني بعد وصول المشروع الصاروخي الباليستي  الي منتهاه ومبتغاه ألم يكن من الأجدي التبكير

قبل امتلاك ايران لمنظومة صاروخية قادرة علي تهديد معظم عواصم المنطقة بما فيها تل ابيب أم ان الهدف الاستراتيجي هو أن تصير ايران هي العدو المشترك لمعظم دول المنطقة ..! في علم الكمياء يقوم الباحث بإضافة مادة كميائية ( ثاني اكسيد المنجنيز ) الي التفاعلات البطيئة أو الغير مستجيبة ..! فتقوم هذه المادة بدور المحفز لإتمام التفاعل الكيميائي علي ما يرام , والعجيب أن تلك المادة ( ثاني أكسيد المنجنيز ) تخرج كما دخلت بلا أدني تبديل أو تغيير , رغم دورها التحفيزي الخطير الذي لم يكن ليتم التفاعل لولاه ..!

هكذا تفعل الولايات المتحده ...تستخدم إيران كمحفز قوي لإتمام ما تود تحقيقه من أهداف سياسية وإستراتيجية بشرط أن تخرج إيران سالمة كما دخلت ..!