حتى لا يلاحقهن العار.. "البنات" محظورات من دخول عيادات "دكتور النساء"

تقارير وحوارات

طبيب النساء
طبيب النساء



"للمتزوجات فقط" شعار يرفعه بعض الأهالي في الوقت الذي تشتكي فيه بناتهن من بعض الأعراض التي تتطلب ذهابهن إلى عيادة دكتور النساء، ليردوا عليهم ذلك الرد، مؤكدين أن الذهاب لتلك العيادات قد يسبب لهم "العار" وأن تلك العيادات لا يتردد عليها سوى المتزوجات أو من تكون بلا شرف. 

وعلى الرغم من التقدم الذي تشهده البلاد إلا أن العادات والتقاليد مازالت المتحكم الأول في بعض المواقف والظروف، وهي من تمنع أيضًا الفتيات بعدم البوح بما يشكون منه من آلام قد تودي بحياتهم.

كشف ولكن !
في البداية تحدثنا مع "م. محمد" موظفة بالشهر العقاري، التي قالت، إنها لا تمانع ذهاب ابنتها لطبيب أمراض النساء، ولكن إذا استدعى الأمر ذلك، بشرط أن يكون الطبيب أو الطبيبة يراعيان كون المريضة فتاة عذراء وليست متزوجة، موضحة أن الكثير من الأمرض لا تستدعي أن يكون الكشف عن طريق طبيب أمراض نساء، والشرط الثاني أن يكون الطبيب بعيد عن منطقتهم السكنية، حتى لا يرى ابنتها أحد في ذلك الموقف المُحرج على حد كلامها.

عار للفتيات وحماية من المجتمع
فيما أعربت نجاة محمد، ربة منزل، عن رفضها الشديد لكشف الفتيات العذراوات عند أطباء أمراض النساء، حيث أن المجتمع بالرغم من تطوره، إلا أن هناك الكثيرين عقولهم ما زالت تربط بين كشف البنت العذراء عند طبيب أمراض نساء، وبين إنفلاتها الأخلاقي، وأنها فقدت عذريتها وتلجأ للطبيب لكي يساعدها لتفادي تلك الكارثة.

وتابعت في حديثها لـ"الفجر": "أنا هتفادى أني أجيب لبنتي العار والشك في أخلاقها عشان كده عمري ما فكرت ولا هفكر أكشفلها عند دكتور نساء عشان أحميها من المجتمع".

معتقدات سببها غياب التعليم
وأرجعت هديل محمد، صاحبة محل ملابس، تخوف الأمهات من ذهاب بناتهن إلى طبيب النساء، لعدم التعليم، قائلة: "إذا كانت العائلة متعلمة لا يهمها كلام الناس، فالأهم لديهم صحة ابنتهم بعيداً عن تلك العادات القديمة الخاطئة، أما إذا كانت العائلة غير متعلمة فستظل متمسكة بعادة عدم ذهاب البنت العذراء لطبيبة أمراض النساء، حتى لا يلحق بها العار، فحسب معتقداتهم أن من يذهب لهؤلاء الأطباء إما المتزوجات أو غير متزوجات مارسوا الجنس في الحرام، وبالنسبة لي فأنا ضمن الفئة التي ستسمح بكشف بناتهن، الكشف مش عيب ولا حرام".

دكتور النساء للمتزوجات فقط
وتقول إيمان محمد، 14 سنة، إن طبيب أو طبيبة أمراض النساء، مختصين للسيدات المتزوجات وليس الفتيات، لافتة إلى أن الفتيات غير المتزوجات لا يجوز لهم الذهاب لمثل هؤلاء الأطباء، وأنهم غير قادرين على معالجتهم، متابعة، "هؤلاء الأطباء قد يقضوا على عذريتنا".

إساءة داخل عيادة دكتور النساء
وروت دعاء منصور، 22 عامًا، أنها تعرضت للإهانة بسبب لجوئها للذهاب إلى طبيب النساء، موضحة: "أنا كان عندي لخبطة في الهرمونات وقررت أظبطها قبل جوازي عند دكتور نساء، الدنيا كانت كويسة ومفيش رفض من أهلي نهائيا أمر طبيعي، بس الكارثة في عقلية السيدات اللي كانوا موجودين عند الدكتور، نظرتهم ليا كأني بنت مش مظبوطة، وده لأني في عيادة دكتور نساء ولوحدي، تفكيرهم راح أني مش جاية أتعالج، لا جاية أصلح غلطة، الممرض أول ما ندهلي وقال آنسة ضحكوا كل اللي موجودين في حجرة الانتظار قائلين: (آنسه إيه مدام)، فرديت: (لا أنا آنسة) ففجأة تحولت ضحكاتهم لنظرة غريبة تعبر عن مدى استيائهم من شخصي كوني فتاة عذراء في عيادة نسائية".

10% من مرضى عيادات النساء "عذراوات" 
وتذكر هانم محمد، طبيبة النساء والتوليد، أن معظم الحالات التي تتردد على عيادتها تكون من نساء متزوجات، مشيرة إلى أن المجتمع يرفض فكرة كشف العذراوات عند أطباء النساء، حيث أن مجرد تواجدهم داخل العيادة أمر مثير للشبهات سيسئ لسمعتهن.

وأكدت أن نسبة كشف غير المتزوجات عندها تتمثل في 10%، موضحة أن بعض الأهالي يلجأون لحيلة للإطمئنان على صحة بناتهم، وهي، "أن نأتي الأم لي وتشرح الأعراض التي تعانيها ابنتها، فتكون بذلك اطمأنت على صحتها، وبنفس الوقت حافظت على سمعتها حسب معتقداتها".

ثقافة غير مرتبطة بفئة معينة
ويوضح جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، أن فكرة رفض كشف الفتيات العذراوات عند أطباء النساء، لا ترتبط بفئة معينة، فقد نجد دكتور جامعة ويمتلك الفكر العقيم بأن كشف البنت عند طبيب نساء عار عليها وعلى عائلتها، كما يوجد بعض أطباء وطبيبات أنفسهم ينظرون للفتاة الغير متزوجة التي تذهب للكشف لديهم النظرة الأولى بها شك حتى يعرفون السبب الحقيقي للكشف، لافتًا إلى أن المتعارف هو أن البنت التي تذهب لطبيب نساء ستكون مثل الفتيات التي تقيم علاقات حرام وتذهب للطبيب لحل مشكلتها.

وأكد فرويز، لـ"الفجر"، أن تلك الثقافة المجتمعية منتشرة بين فئات كثيرة من مجتمعنا، موضحاً أن البعض يعرض حياة بناته للخطر، مقابل عدم موافقته كشفها عند طبيب نساء، ويلجأ البعض الآخر مما يحملون ذلك الفكر العقيم، لحماية بناتهم من خلال السماح لهم بالكشف ولكن بشرط أن يكون وضع البنت يحتاج لذلك أولا، والشرط الثاني، أن يكون الكشف عند طبيب بعيد عن عيون معارف الفتاة، حتى لا تلحق بها الشائعات.

توعية الأهل قبل فوات الأوان
وأضاف حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع، أن سبب وجود هؤلاء الفئات ممن يملكون ذلك التفكير، لا يملكون وعي يمكّنهم من تغيير ذلك الفكر الغريب، موضحاً أن هناك حلين لتلك الأزمة، الأول، قيام وزارة الصحة والمنظمات النسوية بحملات توعية للبنات والأهالي يوضحون خلاله خطورة منعهم لبناتهم من اللجوء لأطباء النساء، لاسيما من وجود حالات تتعرض حياتها للخطر بسبب احتياجها لكشف النساء.

وأشار الخولي، لـ"الفجر" أن الحل الثاني، أن يكون هناك شرط للزواج، هو كشف كلاً من الرجل والمرأة عند طبيب نساء وطبيب ذكورة قبل الزواج، حتى يطمئنا الطرفان على نفسهم، مستشهداً بحالة بنت من أقاربه تعرضت حياتها للخطر، بسبب منع أبويها لها من الكشف عند طبيبة نساء، الأمر الذي جعلها لم ترزق بأطفال، مشيراً إلى أنه في حال إجراء الكشف لها قبل زواجه كانت نسبة شفائه 90%، أما بعد الزواج فلا أمل لها في الإنجاب، قائلاً: "في تلك الحالة نجد أن جهل ولي أمر البنت وعدم السماح له بالكشف قبل زواجها عند طبيبة نساء بسبب العادات والتقاليد وكلام الناس، منعها من الإنجاب".