د. رشا سمير تكتب: «ورددت الجبال الصدى».. وجع الحروب للأبد وحتى آخر العُمر

مقالات الرأي



أخيرًا انتهى الصراع بوصول طالبان أولئك الشباب بوجوههم حادة الملامح ولحاهم السوداء الطويلة وعيونهم المكحلة وسياطهم.. هؤلاء أيضا جرى توثيق وحشيتهم وتجاوزاتهم

 تلتقى أفكار البشر حين تتشابك أقدارهم، فالناس مثل الأمواج، تلتقى وتبتعد، تتقاطع وتنزوى، تصرخ وتصمت، تسعد وتحزن، وفى النهاية تحكى آلامنا نفس القصص وتكتب أقدارنا نفس الحكايات.

تئن الأوطان أحيانا تحت وطأة الظلم، وتموت دائما تحت وطأة الاحتلال والحرب والانكسار، وتظل قصة كل وطن هى عنوان أحلامه وأزماته.

إيران، وطن الحريات التى ارتدى عباءة التطرف الدينى، وحبس كل النساء فى سجون قمع الملالى ورجال الخومينى.

سوريا، وطن غنى على كلمات نزار قبانى، وتعطر بعطور الياسمين الدمشقى ثم سقطت فوقه صواريخ الهاون لتمحو هويته وتطمس، حضارته، روما، أرض نيرون ورحم رافائيل وجنون كاليجولا، ومن خطوط ريشة الفنانين إلى بارود أسلحة الطغاة، سقطت.

هكذا تقوم دول وتسقط أخرى، وتظل الأساطير عالقة بأحبار ريشة التاريخ، هكذا أيضا عودنا خالد الحسينى على النبش فى تاريخ أفغانستان، وطنه الذى ارتوى بنبضه وعانى من الحرب على أرضه.

بدأ الطبيب خالد الحسينى حياته فى كابول، فكتب مرارا عن أفغانستان، عن بقايا الحرب، وعن أشخاص عاشوا معه وتعايش معهم، عن قضية الوطن وقسوة اغتصابه على أيدى أعدائه، بل وأحيانا على أيدى أبنائه، فهكذا تمزق لبنان.

■ وماذا رددت الجبال؟

- بدأ «الحسينى» حياته الأدبية برواية «عداء الطائرة الورقية»، وهى الرواية التى فاقت كل التوقعات وتحولت إلى فيلم سينمائى، ثم قرر أن يكتب من جديد عن نفس الوطن ولكن من خلال شخصيات أخرى فى رواية «ألف شمس مشرقة»، والتى حكى فيها بمشرط الجراح كيف عانت نساء أفغانستان قهر المجتمعات الذكورية الإسلامية.

كل تلك الروايات دفعتنى بكل صدق لأن أعترف بحس الروائى، أنها كانت تحمل عناوين جاذبة  ومحتوى ساحرا ومختلفا فى نفس ذات الوقت، ثم انتقل الكاتب لأروقة رواية أخرى لها نفس المضمون تقريبا، وهى «ألف شمس مشرقة».

فى رواية من 462 صفحة صدرت عن دار «دال» للنشر والتوزيع بسوريا، يقدم الروائى خالد الحسينى روايته الثالثة «ورددت الجبال الصدى»، ترجمت لأكثر من لغة، منها العربية على يد أكثر من ثلاثة مترجمين.

 تتلخص الرواية فى أربعة أجيال، تظهر تباعا ابتداءً من القرن العشرين، حين كانت أفغانستان مملكة، مروراً بالتغيرات الحالية، وفى نفس ذات الوقت بمحاذاة الخط الدرامى للرواية، أظهر الكاتب التعدد الجيلى من خلال مجموعة شخصيات كثيرة ومتنوعة، ما سمح له التطرق للفروقات التى كبرت على مر الأيام واتسعت بين كل جيل، والتى تبدو فى كثير من الأحيان والتجليات قطيعة مؤكدة، تصور أحلام الأجيال وتحطمها فى واقع الدمار والضياع والتشرد.


1- أسطورة بابا أيوب

تبدأ الرواية بأسطورة يحكيها الأب لأبنائه، أسطورة أسرتنا منذ الصفحة الأولى، وظل معناها يغزل معانى الرواية حتى الكلمة الأخيرة.

القصة التى يحكيها الأب الفقير «سابور» لابنه «عبدالله» وابنته الصغيرة «باري» فى قرية «شادباغ» الأفغانية، تمثل قمة المعاناة التى من الممكن أن يعانيها إنسان مزقته قسوة الاختيار، إنها أسطورة تختلط فيها التضحية بالقنوط والحيرة والفقر والهلاك.

يحكى الأب سابور عن بابا أيوب وعائلته، التى تعيش فى ميدان سابز، وعن غول مفترس يهاجم القرى، ويختار ضحاياه عشوائياً، يظهر الغول فى تلك القرية ويطلب من رب البيت تسليم أحد أبنائه قبل الفجر، وإن لم يفعل يقضى على أولاده جميعاً ويقتلهم.

تكمن المأساة ونقطة التحول فى الأسطورة عند اختيار الأب للتضحية بأحد أطفاله لإنقاذ الآخرين، يقع الأب تحت وطأة عذاب الضمير اللاحق، الذى يسكن ضلوعه كلما تذكر أنه ضحى بابنه من أجل أن يبقى الآخرون.

ثم تنتقل الأسطورة إلى حالة التخبط بين الإقدام والإحجام، وحين يضطر لاختيار أحدهم، يقنع نفسه أنه لا بد من إلقاء أحد من السفينة حتى تستمر السفينة فى الإبحار، وهو حال الدنيا.

حين تنتهى الأسطورة بعودة الأب من أجل إنقاذ طفله الذى تكدره نفسه على فقدانه، يقع فى يد المارد الذى يجعله يراقب ابنه من بعيد، فيشاهد بسمته ولهوه فى فرح مع زملائه، يتردد الأب، فيخير المارد الأب بين استعادة ابنه الذى لم يشعر بالغربة فى دنياه الجديدة، وبين الخير الذى يعم على بلدته كلها بأمر من المارد.

يترك الأب ابنه لدنيا لم يخترها له، ولكنها دنيا أفضل لفرح لم يختره، ويعود لقريته التى تغرق فى الأمطار والخير ويفرح سكانها بما آتاهم، يظل صوت الجرس الذى كان يعلقه الأب فى رقبة ابنه الأصغر، هو الصوت الذى يسمعه الأب كل ليلة من وراء الجبل البعيد، فيطمئن إلى أن ابنه بخير.

 تكون تلك الحكاية هى نفسها وسيلة إقناع سابور لنفسه بقراره تسليم ابنته الصغيرة بارى للمرأة التى يعمل لديها «نبي» أخو زوجته «بروانة»، خصوصًا أن بارى تعيش مع أخيها عبدالله بعد موت أمهما وزواج أبيهما من بروانة فى حالة فقر قاسية.

«نبي» الذى يعمل فى خدمة السيد «وحداتي» يتعلق بزوجته نيلا، لكنه لا يجرؤ على البوح بذلك، ويكون وحداتى بدوره متعلقاً بنبى دون أن يجرؤ على الإفصاح عن رغبته الشاذة فى المجتمع الأفغانى.

يكون نبى موضوعاً لرسومات السيد وحداتى، وفى الوقت نفسه كاتم أسرار زوجته والمولَع بها فى سره، يحلم بها بعيدا عن الأنظار، فيلبى لها رغبتها فى تبنى بارى، فيصبح لها الدنيا وما فيها ويحقق أمانيها بالأمومة.


2- عبد الله وبارى

عندما نتعرف على الشخصيتين الرئيسيتين فى الرواية لأول مرة، وهما طفلان يعيشان فى قرية أفغانية فقيرة ونائية، عبد الله 10 سنوات، وأخته الحبيبة بارى 3 سنوات، كان يعتنى بها منذ وفاة أمهما أثناء ولادتها، الأسرة لا تملك المال ولا حتى قوت يومها، حتى إن ابن زوجة الأب الرضيع يموت من قسوة البرد. فى أحد الأيام يأخذهما أبوهما سابور فى رحلة طويلة وشاقة إلى أكبر مدينة فى كابول، حيث يعمل ابن عمهما «نبي» فى بيت زوجين من الأثرياء، هما سليمان ونيلا وحداتى، حيث يترك بارى معهما لتنشأ وسط ثروة لا يستطيع الأب أن يوفرها، فيكرر قصة الأسطورة من جديد حين يتبناها وحداتى.

تعيش بارى فى باريس، تكبر ومعها نيلا، الشاعرة أحياناً، والنرجسية طوال الوقت، تترك زوجها فى كابول لتنغمس فى الملذات، حياة بوهيمية مستحيلة فى أفغانستان، بارى تدرس الرياضيات وتتزوج من مدرس مسرحى وتنجب منه ثلاثة أطفال، ولكنها تظل طوال الوقت فى حالة شك إنها متبناة، وتعتزم السفر الى أفغانستان لمعرفة حقيقة ماضيها.


3- صوت المرأة

وصف «الحسينى» مشاعر «باري» بمنتهى الحرفية والدقة، فهى طوال الوقت تشعر بغياب شيء ما، أو شخص ما، كان لا بد من وجوده فى حياتها لتكتمل.

فى الأحيان الأخرى كان هذا الشىء يبدو غامضا، مثل رسالة أرسلت عبر شوارع جانبية غامضة ومن مسافات بعيدة جدا، إشارة ضعيفة فى الراديو غردت عن بعد، وأحياناً أخرى تشعر بوضوح أن هذا النوع من الغياب كان يسرى فى قلبها بالشك الدائم وعدم الاتزان.

وفى ليلة من ليالى الشاى قال زاهد للموجودين، إن عائلة السيد «واحداتى» ليست راضية عن هذا الزواج، وهى تعترض على شخص العروس، التى كانت معروفة فى كابول كلها بانعدام شرفها، وأنها على الرغم من صغر سنها -عشرون عاما- فهى مثل سيارة السيد واحداتى «ركبها كل من استطاع فى المدينة».

وبلغ السيل الزبد عندما قال إنها لم تنكر أيا من تلك المزاعم، بل إنها كتبت قصائد فى ذلك، فقال أحد الرجال، لو أن شيئا من هذا القبيل حصل فى قريته، لكان أهلها ذبحوها ذبح النعاج.

وتتوالى الأحداث:

أما بالنسبة لعبد الله، فقد انتهى به الأمر فى كاليفورنيا، حيث يدير مطعما اسمه «بيت أبى كباب»، هو وزوجته أطلقوا اسم بارى على ابنتهما الوحيدة بعد أن فقد أخته لسنوات طويلة، الشابة بارى تحلم بجمع شمل أبيها مع أخته المفقودة، وبعد وفاة أمها ومعاناة أبيها مع الخوف، قررت بارى تأجيل حلمها فى الالتحاق بمدرسة الفن لتعتنى بعبد الله.

الحسينى خلق نوعًا من حجرة الصدى، منحنا مجموعة من حكايات مختلفة عكست قصص عبدالله وبارى أخته، هناك قصة زوجة الأب باروانة، وأختها الجميلة معصومة، التى كان من المفترض أن تصبح خطيبة سابور، قصة أخو باروانة «نبي»، الذى كان وكيلاً لأعمال سليمان وبمثابة أخ له، قصة المتهور سريع الكلام تيمور بشيرى، وابن عمه إدريس، اللذين يعيشان الآن فى كاليفورنيا.

وقصة الطبيب اليونانى ماركوس الذى انتقل إلى كابول، فى الحقيقة إلى بيت وحداتى السابق، لإجراء عمليات للأطفال الذين أصيبوا فى الحرب، ورفيقة طفولته تاليا، التى تعتنى بوالدة ماركوس المسنّة فى اليونان، الحقيقة أن شخوص الرواية كانت كافية لتخلق حدوتة محبوكة وكثيرة التفاصيل ولكنها كلها تترابط بحرفية الحسينى.


4- النساء تحت حكم طالبان

يصف «الحسينى» على لسان أبطال روايته فى حوار يكشف فيه شعور الرجال الذين تكبدوا الكثير من جراء هذا الحكم الفاشى، فما بالك بالنساء الضعيفات.

بقلم الحسينى فى كلمات موجزة يقول:

«أخيرًا انتهى الصراع بوصول طالبان، أولئك الشباب بوجوههم حادة الملامح ولحاهم السوداء الطويلة، عيونهم المكحلة، وسياطهم، هؤلاء أيضا جرى توثيق وحشيتهم وتجاوزاتهم، لذلك لا أرى ضرورة لسردها هنا، لكن لابد من القول إنه من سخريات القدر أن سنواتهم فى كابول كانت مريحة لى، فقد صبوا جام غضبهم واحتقارهم وحماستهم على النساء الشابات، وخصوصا، الفقيرات منهن، ولأننى كنت عجوزا، فالتنازل الوحيد الذى قدمته لنظامهم كان إطلاق لحيتى، وهذا بصراحة وفر علىّ الوقت ومشقة الحلاقة اليومية».

كان وضع النساء الأفغانيات، أفضل بكثير مما أضحت عليه خلال فترة حكم حركة طالبان وبعدها، فقد وصلت لدرجة من التحرر والتمدين لافتة سواء خلال الحكم الملكى أو الشيوعى، وقد استفادت المرأة بسبب انفتاح المجتمع الأفغانى وقتئذ، فخرجت للتعليم والعمل، ومارست حقوقها فى التنقل، والتواصل، والانخراط فى الحياة العامة.

حرمت حركة طالبان النساء من الحق فى الحياة فعليًا، فقد فرضت قيودًا لا حد لها، فى التنقل، والتنزه، والتسوق، ومنعت التعليم والعمل، وأجبرت النساء الأفغانيات على ارتداء البرقع والعباءات خلال سنوات حكمها فى التسعينيات، هذا بخلاف العنف الجسدى الذى كان يُمارس ضد النساء، ويذكر التاريخ لنا أيضا، أنه خلال هذه الحقبة، لم يكن هناك فتيات فى المدارس الرسمية، التى كانت تضم مليون طالب من البنين.

إذن لم تختلف حركة طالبان عن ثورة الخومينى، ولم تختلف صورة إيران عن صورة أفغانستان، ولا زالت المرأة هى الكائن الذى يدفع ثمن ظُلم من كل الأنظمة، فكلما توحش النظام بحث عن رقاب النساء وعلق لهن المشانق، وكلما كان الاستبداد الدينى هشا فى جوهره، بحث عن أجساد النساء ليثبت فيها رجولته الزائفة.


5- الوصف

الحقيقة، أن قلم خالد الحسينى يمتاز بدقة الوصف وعذوبته، قلم يستطيع أن ينقلك من مشهد إلى آخر بحرفية المعنى ودقته.

فهو يصف البيوت والشوارع وكأنك تعيش فى أزقة كابول وشوارع أفغانستان، ثم يصف مشاعر النساء وكأنه يرتدى ملابسهن ويحمل قلوبهن بين ضلوعه، ويصف قسوة المواقف ورقة المشاعر وأصوات قرع طبول الحرب وزقزقة العصافير بنفس القلم وبنفس الجودة.

هنا يقول:

«فى يوم من الأيام أشار منار إلى نافذتى.. تبعت إصبعه ورفعت رأسى عاليا، لكنى لم أر سوى السماء الزرقاء من بين بعض الغيوم، وفى الأسفل رأيت أولادا يلعبون بالماء المتدفق من مضخة الشوارع وحافلة تسير ببطء، بعدئذ فهمت أنه يشير إلى صورة تاليا، فتناولتها من النافذة وأعطتها له، فأمسكها من زاويتها المحروقة وقربها من وجهه وحدق إليها مطولا وتساءلت فى نفسى إن كان البحر هو ما لفت انتباهه، وتساءلت إن كان قد تذوق فى حياته كلها ملوحة ماء البحر أو شعر بالدوار وهو يراقب الجزر».

وفى مقطوعة أخرى يقول:

«أمشى فى المغيب المغبر عبر شوارع يحف بها على الجانبين جدران مليئة بالكتابات وأمر بالأكشاك المتلاصقة مسقوفة بألواح الصفيح.. وأعبر دروبا تسير عليها فتيات صغيرات يحملن فوق رؤوسهن سلالا مليئة بروث الحيوانات، ونساء يغلين خرق القماش فى قدور ألومنيوم كبيرة، وكلما عبرت الأزقة الضيقة المتشابكة فكرت فى منار الذى ينتظر الموت فى تلك الغرفة المليئة بأشخاص مكسورين مثله».


6- حوارات مع المؤلف

من خلال حوارات كثيرة نُشرت للروائى، أعجبتنى تصريحاته البسيطة عن بداياته وصراحته فى تعثره فى بداية حياته دون خجل أو خوف، فالكاتب الحقيقى هو الكاتب الذى يخشى الفشل ولا يجد للنجاح بديلا.

هو الكاتب الذى كلما قرأ أعماله وجدها ناقصة وتعجب فى نفسه كيف نشر كلاما بهذه التفاهة؟.. أما الكاتب الذى تسرقه أضواء الشهرة وتحوله رواية نجحت إلى شخص مغرور وأعمى لا يرى سوى نفسه ونجاحاته، فهو كاتب دون شك عمره قصير.

لأن الفارق بين الثقة والغرور شعرة، فالكاتب الحق هو من يأخذه قلقه إلى إعادة كتابة نفس النص مائة مرة لشعوره الدائم بعدم الرضا، حتى لو كان ما كتب هو أروع ما كتب أبدا، هكذا استشعرت الصدق والتواضع فى تجربة الكاتب وحواراته مع الصحافة التى لم ينكر أبدا فيها أن سبب نجاحه كان تشجيع زوجته.

يقول الحسينى:

«يوماَ ما فى بداية عام 1999م، بينما كنت أتنقل بين القنوات الفضائية استوقفنى خبرا عن أفغانستان. كان خبرا عن طالبان ومافرضوه من قيود ومحظورات على الشعب الأفغانستانى، وخصوصا النساء، ومن بين الأمور التى قد حضرتها حركة طالبان كانت رياضة القتال بالطائرات الورقية، تلك الرياضة التى نشأت وكبرت على لعبها مع أخى وأقاربى فى كابول، وقد ضرب ذلك على وتر حساس خاص بى فأطفأت جهاز التلفاز وسرعان ما وجدت نفسى جالساَ على الكمبيوتر أكتب قصة قصيرة، ظننت أننى سوف أكتب قصة بسيطة تتوق للوطن وللذكريات عن غلامين وحبهم لرياضة القتال بالطائرات الورقية، بالفعل كتبت القصة كما رأيتها».

قصة قصيرة فى 25 صفحة، ظلت على حالها لبضع سنوات، كنت مولعا بها لكن اعتقدت أنها مليئة بالعيوب، ومع ذلك كان بها روح لا يمكن إنكارها، كنت مترددا بشأن نشرها عن طريق إرسالها إلى حيث كنت أعرف أنها ستُرفض من قبلهم، وبالفعل تم رفضها.

عارضتنى زوجتى فى هذا كمحامية، أقنعتنى بقضيتها بطريقة مقنعة، فهى تعتقد أن الوقت قد حان لنخبر العالم قصة عن أفغانستان، فأغلب ما كتب عن أفغانستان فى تلك الأيام ومع الأسف حتى الآن يدور حول حركة طالبان، بن لادن والحرب ضد الإرهاب.

هنالك الكثير من المفاهيم الخاطئة والأفكار السابقة حول أفغانستان، فزوجتى ظنت أن كتابى سيظهر للعالم فكرة ونظرة أخرى عن أفغانستان، نظرة إنسانية أكثر، وبحلول الوقت اقتنعت برأيها فعدت لكتابة هذه القصة، وعندما انتهيت من كتابة الرواية أرسلتها لمجموعة كبيرة من وكلاء النشر ،وبدأت بتجميع مذكرات الرفض من قبلهم.

استلمت ما يقارب أكثر من 30 مذكرة قبل أن تتصل بى إلين كوستر والتى بكل حزن، قد توفيت لتخبرنى إنها موافقة لتكون وكيلة أعمالى، حتى بعد ما وجدت إلين وحتى بعد نشر الرواية وتلقى العديد من التعليقات الجيدة حول العمل، كان ما زال لدى شكوك جدية حول ما إذا كان هنالك من يريد أن يقرأ الكتاب.

 فى النهاية:

لقد اختتمت رواية «ورددت الجبال الصدى» ثلاثية أفغانستان التى كتبها الروائى خالد الحسينى، الذى قدم رواية لها حبكة قصصية مقبولة لدى القارئ بل ومشوقة أيضا لما تستعرضه من معلومات مختلفة عن أفغانستان.

تنوع الشخصيات ووفرتها فى الرواية أتاحت للقارئ رحلة وجد نفسه جزءا منها وهو يسافر بين الشخصيات ويبحر فى أغوار نفوسها، ربما انتقصت الترجمة قليلا من قيمة الرواية لدى القارئ، لأننى قرأت القصة باللغة العربية وأيضا بالإنجليزية، ما جعلنى أشعر بخلل فى الترجمة العربية التى أخفقت فى بعض الأحيان من توصيل المعنى كما هو مكتوب بلغته الأصلية.

لا يسعنى سوى أن أقول أننى تألمت لكل الأوطان التى تألمت طويلا تحت وطأة الحرب وتمزقت من شتات الصراع الدينى.