بعد حادثة انتحار طالبة.. تونس تطارد 'عبدة الشيطان'

عربي ودولي

تونس تتطارد عبدة
تونس تتطارد عبدة الشيطان


عاد "عبدة الشيطان" مجددا لتصدر المشهد الاعلامي في تونس بعد حادثة انتحار طالبة بمدرسة ثانوية في ضواحي العاصمة، في مشهد يذكر باخر عرفته البلاد ابان فترة حكم زين العابدين بن علي.

 

وفيما كانت عناوين الصحف والمواقع الالكترونية تتراقص على وتيرة رتيبة تكرر بنفس الصياغة تقريبا خبر القبض على مجموعة من الطلبة الذين تشتبه السلطات في علاقتهم بطقوس شاذة اودت بحياة الضحية، كانت الاخبار تتسارع لتعلن عن حادثة انتحار اخرى في نفس المنطقة السكنية.

 

ورغم نفي السلطات للحادثة الثانية، فان الاعلان بدى وكانه جاء ليذكر بان البلاد تعيش على وقع مستمر لقصص انتحار تنتشر بشكل لافت في صفوف الشباب وطلبة المعاهد على وجه خاص.

 

والجمعة اعاد وضع طالبة الاربعة عشر ربيعا حدا لحياتها شنقا في غرفتها الجدل حول حوادث الانتحار الى صدارة المشهد، بعد ان التصقت بالفتاة مزاعم بارتباطها بشبكة شبابية تنشط في مدرستها الثانوية بمنطقة المروج (ضواحي العاصمة تونس) وتمارس طقوسا غريبة.

 

وسارعت وزارة التربية التونسية الى فتح تحقيق للوقوف على ملابسات الحادثة، لتنتهي بنفي صحة وجود مجموعة "عبدة الشيطان" في وسط الضحية الطلابي.

 

وأكد مكتب الإعلام والاتصال في الوزارة انه تم تشكيل لجنة تقصي من الأخصائيين المعنيين لاستيضاح الأنباء المتداولة والخروج بتوصيات حولها .

 

وأفاد المكتب بأنه تمّ الاستماع إلى التلاميذ و التربويين والأساتذة الذين نفوا نفيًا قطعيًا وجود مثل هذه الجمعيات بالمؤسسة التربوية.

 

لكن هذه التاكيد لم يقنع على ما يبدو السلطات الامنية التي اعلنت الاثنين اعتقال خمس شباب تشتبه في علاقتهم بوفاة التلميذة.

 

وقالت وسائل اعلام محلية ان اعترافات المقبوض عليهم تطرقت لوجود خلية تنشط في مدرسة المروج الاول الثانوية، وفق طقوس تفترض تضحية احد افراد المجموعة بحياته هدية للشيطان بعد قرعة.

 

وسواء ان صح وقوف طقوس شاذة ام لا وراء انهاء الفتاة لحياتها، فان الثابت الوحيد وسط كل الضجة الاعلامية ان الحادثة المؤسفة تدق للمرة الالف ناقوس الخطر حول تفشي مخيف لظاهرة الانتحار بين الشباب في مجتمع تتزايد فيه الضغوط على هذه الفئة دون غيرها.

 

وبالفعل سجل الاثنين حادثة انتحار اخرى لشاب يبلغ من العمر 22 سنة جنوب البلاد، شنقا في منزله باحدى قرى محافظة توز.

 

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي قضية "عبدة الشيطان" وتداعياتها على الشباب، مطالبين بتناول القضية ودراستها دون تضخيم.

 

وانقسم رواد المواقع الاجتماعية بين من يرى ان سياسة تجفيف منابع التدين في العهود السابقة والحالية تقف وراء فقر عقائدي يشجع على الانحرافات الخطيرة وبين اخرين رأوا في الظاهرة تأكيدا جديدا على وجود مشاكل اجتماعية وسوسيولوجية عميقة في تونس تحرض الشباب على طرق ابواب الموت.

 

وفي تعليقات ساخرة قال مدونون ان الانتحار في تونس نهاية حتمية للشباب العابد لله او الشيطان، في اشارة لتوافد المئات من المتشددين على بؤر التوتر في سوريا والعراق.

 

وانتقد اخرون اداء وسائل الاعلام، واتهموها بمحاولة الاستفادة من الجدل لترويج مواد تعتمد على الاثارة في كسب القراء عبر تناول سطحي للظاهرة.

 

وتشير الاحصائيات في 2015، الى انتحار 365 شخصا في تونس التي يقطنها نحو 11 مليون نسمة، أي ما يعادل 3،27 حالة انتحار لكل مئة الف نسمة، وفق اللجنة.

 

وحوالى نصف المنتحرين شباب تتراوح اعمارهم بين 30 و39 عاما.

 

ويؤكد الاخصائيون ان الانتحار ينجم دائما عن تراكم عوامل، ويأتي في الغالب إثر الإصابة بأمراض نفسية مثل الاكتئاب.

 

ويربط عبد الستار السحباني، المسؤول في "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" (منظمة غير حكومية)، بين تدهور المناخ الاقتصادي والاجتماعي في تونس بعد الثورة وإقدام أشخاص يعيشون ظروفا صعبة على الانتحار.

 

ويقول "طبعا (لانتحار) مرتبط" بالمشاكل السوسيو-اقتصادية و"نتيجة لفقدان الأمل".

 

وفي تونس، معظم العاطلين عن العمل هم من الشبان.

 

وأفاد الدكتور مهدي بن خليل، الطبيب المساعد في مستشفى شارل نيكول بالعاصمة تونس والذي شارك في تأليف دراسة حول تأثير الثورة على الانتحار في تونس، ان البلاد شهدت ارتفاعا في حالات الانتحار بين 2011 و2012، ثم "تراجعا طفيفا" في 2013 قبل "ذروة ثانية بداية من 2014" فسرها بصعوبة "فترة الانتقال" السياسي وتأثير "أزمة الاقتصاد الكلي على الافراد".

 

لكن الملفت في الظاهرة تناميها وسط اوساط الاطفال والمراهقين.

 

وقفزت عدد حالات أو محاولات الانتحار لدى الأطفال في تونس عام 2015، بأكثر من 400 بالمئة مقارنة بعام 2014، حسب إحصاءات رسمية.

 

وتشير الارقام الى ارتفاع عدد الإخطارات بحالات ومحاولات الانتحار لدى الأطفال في تونس إلى 184 عام 2015، مقابل 40 فقط في السنة التي سبقتها.

 

وتؤكد هذه الارقام ان عبادة الشيطان حتى وان ثبت ارتباطاها بحالات انتحار معدودة، لا يمكن ان تفسر باي حال سلوكا منتشرا في الاوساط الطلابية بين الاطفال على وجه الخصوص يرقى الى حجم الظاهرة.

 

وفي هذا الاتجاه قال عالم الاجتماع المنصف وناس أنه بغض النظر عن انتشار هذه الظاهرة من عدمه فانه اليوم وجب أن ندق ناقوس الخطر لان الشباب التونسي يعاني من أزمة، مؤكدا ان علم الاجتماع لا يفصل بين ظاهرة "عبادة الشيطان" والانتحار والاقبال على استهلاك المخدرات بل هي عوامل تعاضد بعضها ولا يمكن ان تكون مفصولة عن بعضها البعض.

 

وأشار الى ان من بين العوامل التي ساهمت في تنامي هذه الظواهر غياب الرقابة الابوية الناتج عن صعوبة المعيشة، فالوالدان وخاصة اللذان يقضيان كامل اليوم خارج البيت هما احد اسباب انحرافات يغذيها ضعف الرقابة.

 

يذكر ان السلطات التونسية القت القبض في مايو على مجموعة من الشباب اتهمت بممارسة عبادة الشيطان.

 

وقبلها بكثير في العام 2007 شنت السلطات حملة واسعة تحت نفس اليافطة القت فيها القبض على اكثر من سبعين شابا، وفرضت فيها قيودا على بث موسيقا الروك التي كثيرا ما تتهم بتشجيعها على الظاهرة.