د. رشا سمير تكتب: حليب أسود

مقالات الرأي



فى رواية أليف شفاق.. اختلط حليب المرأة بالحبر

لا يهم أى امرأة ستصيرين لأنك ستتمنين دوماً لو أنكِ الأخرى


المرأة المُبدعة هى.. إنسانة متى تُحب، تُصبح قادرة على حمل الريشة لتلون السماء الباهتة بألوان قوس قزح.

المرأة المُبدعة هى.. حنجرة ذهبية تدفعها السعادة لتحلق فى الفضاء بأنغام تشدو بها على نغمات موسيقى الحياة.

المرأة المُبدعة هى.. أنامل لا تعرف للورق إلا طريقا واحدا، هو طريق العشق.

المرأة المُبدعة هى.. امرأة قررت أن تتحدى العالم وتسكن قلب المحار لتحمى إبداعها بعيدا عن أعين المتطفلين..

 إذن تُبدع المرأة، فقط لو عاشت حالة من السكينة والصفاء النفسى.. حالة تساعدها على الغوص فى أعماق نفسها لتصطاد مفردات السعادة التى تُبقيها على قيد الحياة.

تفقد المرأة قدرتها على الإبداع، فقط لو قتلها السأم أو افتقدت الحُب أو انزلقت إلى حالة من الصراع.. سواء كان الصراع نفسيا أو مجتمعيا.. فالصراع هو الشىء الوحيد الذى يستطيع أن يشطر أى امرأة إلى شطرين.

تلك الفكرة كانت هى المُعضلة التى وقعت فيها الروائية المُبدعة أليف شفاق وألهمتها أن تدون تجربتها الشخصية على الورق حتى تستفيد منها الأخريات.

أليف شفاق الروائية التركية التى حفرت إسمها ليس فقط على الورق بل فى قلوب قرائها، الروائية التى تمسكت باسمها الذى كان يحمل فى حد ذاته قصة مختلفة؛ (أليف) يعنى حرف الألف فى الأبجدية العربية، بينما (شفاق) هو اسم والدتها الذى اختارت أن تحمله وهو بمعنى شفق أى الفَجر.

الروائية التى كتبت رائعتها قواعد العشق الأربعون فأبهرت القراء، واستطاعت أن تبيع منها 550 ألف نسخة لتصبح بذلك من الكتاب الأكثر مبيعًا فى تركيا، كما ترجمت أعمالها لما يزيد علي ٣٠ لغة.

وصلت للقمة فى (قواعد العشق الأربعين).. وتألقت فى (شرف).. وتميزت فى (لقيطة إسطانبول).. ثم قررت أن تقدم عملا له مذاق آخر.. عمل أدبى متميز سيبقى كمرجع هام للروائيات وللقراء على مر العصور.. فهو يؤرخ بدقة لتاريخ المرأة فى الكتابة.

فى تجربة روائية ذاتية مختلفة قررت أليف أن تحكى عن نفسها.. أن تُطلع العالم عن مكنون نفسها.. لم تقتصر على السرد الذاتى بل قررت وبذكاء شديد أن تحكى عن الآخرين..

فانقسمت الرواية إلى ثلاثة أبعاد مختلفة.. يلتقون دائما عند نقطة واحدة.. هى.. المرأة..


1- المرأة بمشاكلها وهمومها

البُعد الأول، هو الصراع الذى وقعت فيه الروائية مع حياتها لتقرر بعد الزواج عما إذا كانت تريد أن تُصبح أما أم أن تبقى مبدعة.. فالأمومة كما قيل لها تقتل الإبداع.. والبُعد الثانى، هو الحوار الذى كان ينشب بينها وبين نفسها من خلال تقسيمها لذاتها إلى 6 شخصيات أو جوانب.. كل واحدة منهن تسيطر على جزء منها.. وأسمت كل منهما اسما يتفق مع وصف حالتها فى ذلك الوقت.

أما البُعد الثالث، فهو البحث الهائل الدقيق الذى أجرته على النساء عبر مر العصور وخصوصا الروائيات.. لتستطلع جوانبهن الشخصية وترسم نقاط ضعفهن وقوتهن.. إنه بحث مضن استطاعت شفاق أن تنجح بصدق فى تقديمه.

رواية (حليب أسود) تقع فى 397 صفحة، صادرة عن دار نشر مسكيليانى التونسية فى ترجمة منمقة للمترجم السعودى أحمد العلى..


2- الأنثى والتحدى

حياة أى أنثى عبارة عن عدة مراحل تتلاحق وتتسابق لتكتب دقائق أيامها، فتصنع لها انتصارات وتصنع منها هزائم.. الأنثى.. هى طفلة تحبو.. فشابة تلهو.. فعروسة تحلم.. فزوجة تعمل.. فأم تكدح.. فجدة تنتظر.

كل مرحلة ولها حلاوتها ومرارها.. لها كبواتها وانتصاراتها.. لها متعتها وآلامها.. وتظل مرحلة الأمومة هى المرحلة الأكثر جدلا واختلافا لأنها المرحلة التى يتحقق فيها الذات الأنثوى.

وبدءا بمرحلة الحمل متى تتحسس المرأة جسدها لتجده يختلف كل يوم عن أمسه.. ومرحلة الولادة بمتعتها وعذاباتها وآلام المخاض التى لا يستطيع وصفها إلا امرأة عاشتها.. ويوم يلثم الرضيع ثدى أمه ليلتهم منها رحيق الحياة فيقع ذاك الرباط بينهما الذى لا تنفصم عراه للأبد..

من كل تلك المراحل يستطيع أى مبدع أن يلتقط ألف خيط ليصنع مئات القصص..

ولكن ماذا لو كتبت الروائية عن نفسها؟ ماذا لو سردت بقلمها الموهوب ما تعرضت له من آلام ومن اكتئاب ما بعد الولادة؟

تلك هى الحبكة الدرامية فى رواية أليف شفاق.. إنها السيرة الذاتية لامرأة فقدت قدرتها على الإبداع يوم أصبحت قادرة على منح الحياة من رحمها وليس من قلمها!

تخبطت أليف بين الأمومة وبين الكتابة والطموح .. حينما دقت ساعتها البيولوجية وحان الوقت لتنجب طفلا .. ضج رأسها بأسئلة كثيرة كان أبسطها هو: هل تستطيع أن تجمع بين الاثنين معًا ؟!

استمعت إلى آراء صديقاتها وراحت تطرق كل أبواب الكاتبات اللائى سبقنها فى الجمع بين المهنتين.. الكتابة والأمومة.. فانبهرت بحكاياهن.. فمنهن من ضحت بالموهبة من أجل الأمومة.. ومنهن من ارتدت ملابس الرجال ورفضت فى الأصل فكرة الزواج.. ومنهن من أجهضت نفسها لتتمسك بالقلم.. فالمرأة المبدعة تحتاج بجوار فنجان القهوة والهدوء، مساحة كافية من الحرية كى تُبدع!


3- هى وصديقاتها من النساء

تزوجت أليف سنة 2005 من الصحفى التركى أيوب كان وأنجبت منه طفلين، أسمت ابنتها زيلدا على اسم زيلدا فيتزجرالد، وأسمت ابنها على اسم الزاهر، بطل إحدى قصص بورخيس.. فكانت تجربة ولادة ابنيها ميلادا لإبداع جديد لم تخطط له بل سعى هو إليها.

الرواية كُتبت من منظور مختلف فهى ليست مجرد سرد ذاتى ممل، بل كتبت أليف الرواية وكأنها حوار دائم بين ذاتها وبين تلك المجموعة الصغيرة من الحريم التى تسكن بداخلها لتشكل عصابة من النساء!

مجموعة من النساء يتشاجرن باستمرار على أتفه الأمور ويختصمن ويرتحلن ويتراشقن بالكلمات حتى أنهن أحيانا يتحين الفرصة ليمزقّ بعضهنّ البعض!

وصفتهن الروائية بدقة فقالت: «يجعلن حياتى تعيسة،غير أننى لا أعرف كيف أحيا من دونهن، كل واحدة اتخذت زاوية من روحى لإقامتها، ولا أستطيع أن أخبر عنهن أحدًا وإن فعلت، فسيجعلن منى عرضة للتشخيص بالشيزوفرينيا لكن.. أليست الشخصية فى صميم تعريفها نوعًا من الشيزوفرينيا؟!»

ومن هنا أطلقت شفاق حزمة من الأسماء على صديقاتها اللاتى أصبحن بطلات روايتها والتى أطلقت عليهن لقب غريب هو (جوقة أصوات نسوة الأصابع).. وهن بترتيب الظهور (بلو بيلى بوفاري) (ماما الرزُّ بالحليب) (حضرة جناب التشيخوفيًة الطموح)  (الآنسة المثقفة الساخرة) (السيّدة الدرويشة) (الآنسة العمليّة القصيرة).

استطاعت الروائية بحرفية شديدة أن تخرج فى كل واحدة منهن جانبا منها شخصيا فى مواقف عدة.. إذن فهؤلاء النسوة هن شفاق فى كافة حالاتها ويمثلن صراعها الذاتى مع الآراء التى تتضارب برأسها.


4- الحليب الأبيض والحبر الأسود

قد تمر مرحلة ما بعد الولادة عند الكثيرات بسهولة جدًا ودون أى خوف، وقد تمر على الكثيرات منهن مصطحبة بما يُسمى باكتئاب ما بعد الولادة.. وهى المرحلة التى تخشاها الكثيرات وخصوصا الكاتبات كما حدث مع أليف وعدد آخر كبير ممن وقعن فيه أيضًا .

كيف يضعن زجاجة الحليب والحبر على طاولة واحدة؟.. وماذا لو اختلط الحليب بالحبر؟ هل يتعكر حليب الرضاعة فيصبح حليباً أسود!.

هذه كانت التساؤلات التى دارت فى رأس بطلة الحمل والرواية فدفعتها لتفكر ألف مرة قبل أن تخوض التجربة حتى أنها فى لحظة كانت قد قررت أن تتخلص من الجنين!..

أخذت أليف بعد نبش طويل فى حياة الكاتبات الأخريات سرد بعض من مذاكراتهن وحكاياهن.. فالبعض منهن أقدمنَ على الانتحار بعد الولادة والأخريات ممن شعرن بفراغ عظيم ورفضن الإنجاب فى الأصل فبقيت أمومتهن مجرد حبر على ورق..  

المختلف هو أن أليف نجحت فى تخطى تلك المرحلة العصيبة واستفادت منها فى خلق رواية جديدة بعد أن أنجبت ابنتها.

تجيب أيضا الروائية عن السؤال الذى تردد كثيراً حولها، وهو عن السبب الذى غيّر رأيها وقناعاتها عن الحب والزواج، فتجيب: «ببساطة، لقد وقعت فى الحب!»..

كما تحكى فى الكتاب عن مواقفها وآرائها من الحياة قبل أن تقع فى الحب، وكيف وقعت فيه، وكيف غيّرها ذلك وكشف لها صوتاً داخلياً يأمرها أن تكون المرأة التى لم تتخيل نفسها أنها ستكونها يوماً!.

لخصت الروائية صراعها الداخلى مع ذاتها وضد الحياة فى جملة واحدة، قالت فيها على لسان الآنسة المثقفة: «لا يهم أى امرأة ستصيرين، لأنك ستتمنين دوماً لو أنكِ الأخرى».. إنها حقيقة نسائية أكيدة!.

كما أرست الروائية قاعدة صلبة للأمومة أكدت فيها عن الأمومة على أن المرأة لا تصير أماً بمجرد الإنجاب؛ بل عليها أن تتعلم الأمومة، وهذا ما لم تجده الكاتبة سهلاً  كما كانت تظن! وأن الأمومة تحتاج إلى الكمال والتوحد، وهو ما كانت تفتقده على وجه التحديد.

إلى جانب المتعة والاختلاف اللذين قدمتهما شفاق، أرست بين صفحات الكتاب دراسة دقيقة عن أشهر الكاتبات والأديبات اللاتى عرفهن العصر، وكيف أثرت مهنتهن على حياتهن الاجتماعية..


5- صوفيا.. امرأة قتلها الحُب

ففى واحدة من أعقد العلاقات الزوجية والأسرية التى طغت على حياة اشهر كُتاب روسيا بلا منازع، هى تلك العلاقة المتوترة بين ليو تولستوى وزوجته صوفيا..

فتولستوى الذى كتب فى رواية آنا كارنينا: «الزيجات السعيدة تتشابه كلها، أما التعيسة فلكل منها طريقتها».. كانت زوجته صاحبة أكثر قصص الحُب تعاسة!.

أنجبت 13 طفلا كانت هى راعيتهم الوحيدة فى ظل أب أنانى تفرغ للإبداع.. وما تبقى من الوقت كانت تقضيه فى تبييض كتاباته.. كان الكونت يترك مخطوطه على مكتبه عند الظهيرة، بكتابات على هامشه وخطوط رأسية وأفقية وشطب ومسح.. وفى الصباح التالى، فوق نفس المكتب، كان يجده مكتوباً من جديد، منظماً وبخط حسن. ليكتب نصاً جديداً ولتعاود هى مهمتها..

بعد 48 عاماً من الحياة المشتركة، وعندما بلغ تولستوى الثانية والثمانين أخبرها الزوج الأنانى بأنه لم يعد يحتمل، وفى الرابعة فجراً، رحل فى هروبه الأخير. وعندما استيقظت صوفيا فى الصباح وجدت خطاب الوداع، فحاولت الانتحار وأنقذوها.. حاول تولستوى الاختباء فى مكان مجهول، وأثناء غيابه وقع مريضاً ثم مات فى محطة أستابوفو.. هذه المرة، لم تعان صوفيا من الهيستيريا، بل استعادت شجاعتها، وبعد تسع سنوات كتبت سيرتها الذاتية التى أعلنت فيها للعالم هذا الجزء الغامض من حياة أديب أمتع العالم وأتعس زوجته!.


6- جورج إليوت.. المتمردة

يعيش الرجال دون الشعور بالحاجة إلى تغيير ألقابهم.. أما بالنسبة إلينا نحن النساء.. فسواء أدركن الأمر أم غاب عنا، فنحن رحالات بين الألقاب.. نجد ألقابنا اليوم هنا ثم نرقبه يرحل غدا.. نمتلك لقب عائلة واحد ونحن بنات ولقبا آخر بعد الزواج.. ثم نعود للقب الأصلى بعد الطلاق وعلينا أن نتأقلم مع لقب آخر جديد تماما إذا تزوجنا مرة أخرى!.

وهكذا قررنا نحن النساء أن ننشر كتابا تحت اسم رجل من قبيل (فنسنت يوينغ) أو تحت اسم مستعار مثل إحدى النساء، فذلك يلبسنا درعا نحمى بها أنفسنا.. فنحن نحتاج الحماية أكثر عندما نكتب عن الجنس أو الأنوثة والجسد.. لم أعرف أى كاتب على الإطلاق صارع فى كتاباته للمشاهد الجنسية والصور الجسدية كى لا تغتاظ منه أمه أو جدته..

كما أن القلق بشأن أخذ تصريح لكتابة قصة - شخصية كانت أم عائلية- هو من شأن الكاتبات وحدهن حول العالم.. هذا هو الصراع الذى كتبت عنه مارجريت آتوود فى مقالها المحكم عن العمات الكبيرات فكتبت: « شعور النساء بالحصار يكون على أشده داخل العائلة.. ويزيد كلما كانت العائلة قوية ومتماسكة».

ليس من باب الفراغ أن كاتبة معروفة بل أعظم روائية فى العصر الفيكتورى اتخذت اسما مستعارا ذكوريا لها، لقد كانت راجحة العقل وقوية العزم ولكن من عائلة محافظة جدا.. إنها مارى آن إيفانس المعروفة باسم جورج إليوت.. كان لبريطانيا القرن التاسع عشر حصتها من الكاتبات، إلا أن أغلبهن كن يكتبن عن الرومانسيات والحب وآلام القلب المُحب..

أما بالنسبة لجورج أليوت فقد كرهت كل تلك المفردات وقررت أن تكتب كرجل لا كامرأة.. أن تقف موازية للرجال من الكتاب..

لدرجة أنها نشرت مقالا عام 1856 بعنوان (روايات سخيفة بأقلام روائيات).. قسمت فيه روايات الكاتبات كما تراها إلى 4 أقسام: زبدى وممل وتقى ومتحذلق!..
 

7- جورج صاند.. العنيدة

وعلى نفس الغرار قررت كاتبة أكثر جرأة أن تنتقى اسما مستعارا من الأسماء المشتركة بين الرجال والنساء.. وهى الأسطورة جورج ساند.. التى أرادت أن تتخلص من اسمها الطويل جدا (أمانتين أورو لوسيل دوبن برونس دوديفانت)

تزوجت جورج ساند من بارون م.كاسمير دوديفانت عام 1822 وبعد فترة وجيزة من إنجابها طفلين وقع بينهما الطلاق.. فرحبت بوضعها الجديد وقررت أن تكون أكثر تحررا وجرأة وانطلاقا وأن تتخلص من كل قيود المجتمع..

راحت ترتدى ملابس الرجال وهو أمر سرعان ما تناوله صانعو الشائعات بلهفة.. ارتدت ملابس رجالية فضفاضة ومريحة وأصبحت من الشغوفين بتدخين الغليون مما أصبح بالنسبة للمجتمع فضيحة كبرى.. واحتلت كل الأفكار الثورية رأسها..

لفظها المجتمع لكنها استطاعت بشجاعة أن تحتفظ عبر العصور لنفسها بالاسم الذى اختارته.

سيمون دى بوفوار.. امرأة بمذاق الحرية

بعد مرور أكثر من خمسين عاما على وفاتها فلازالت سيمون دى بوفوار أيقونة فى تاريخ الحراك الأنثوى.. فى جنازتها تداول آلاف المشيعين عبارة لا تُنسى وهى: «تدينون لها بكل شىء يا نساء العالم».

وظلت مقولتها الأشهر عبر التاريخ هى: «لا تولد المرأة امرأة، ولكنها تسعى لتصير امرأة».

اعترضت طويلا على تطويع المرأة دائما لممارسة الجنس ليصبحن أمهات ولا يتم تشجيعهن أبدا لتنمية مهاراتهن أو تحصيل العلم..

آمنت دى بوفوار طويلا بأن الأمومة لا تتناسب مع الحياة التى اختارتها ككاتبة ومثقفة، فهى لا تحتاج الوقت سوى للتركيز والحرية لتلاحق أهدافها..

وكررت العبارة التى آمنت بها طويلا فى كل المحافل: «إن ولادة الطفل تعنى موت والديه!».

وعلى الرغم من ذلك وقعت فى غرام سارتر وأقسمت أنه لو أراد أطفالا لتزوجته وأنجبت له الأطفال.. إذن هو العشق الذى يذيب جليد النساء ويخلقهن من جديد.

تحدثت وكتبت بحماس عن كيفية اضطرار النساء على الاختيار بين العقل والقلب.


8- سالومى.. الجريئة

لا تُذكر اليوم سالومى لو أندرياس كمؤلفة ومثقفة مستقلة بذاتها.. أكثر من كونها تلك المرأة البراقة الإشكالية التى وقفت خلف العديد من كُتاب الرسائل الأقوياء فى الأدب..

إنها الأنثى التى ألهمت ريلكة ونيتشة وفرويد النظر إلى النسوية والأنثوية بنظرة أكثر إبداعا وقُربا..

إنها امرأة فاتنة ولدت فى سانت بطرسبرغ.. وهناك ترعرعت بين خمسة أخوة.. وكانت المفضلة لدى والدها..

وصلت سالومى إلى زيورخ وهى عمرها 19 عاما.. كانت جميلة ومتألقة وجسورا.. وسرعان ما اشتبكت فى مناقشات حامية مع الفنانين والكُتاب..

صرحت فيها بكل جرأة عن أن المرأة فى نظرها ليست مجرد وعاء للجنس.. ليست مجرد متعة للرجل أو شخصية ثانوية تقوم بأعمال المنزل فى صمت.. وآمنت سالومى بأن كل محاولة للسيطرة على المرأة تؤدى إلى تدمير أنوثتها وإبداعها..

عشقها ريلكة بعد أن رأى فيها تجسيدا بديعا للأنوثة.. ومن خلال إلهامها قرر ريلكة أن الفنان سواء كان رجلا أم امرأة عليه أن يُطلق الطاقة الأنثوية بداخله.. فإنتاج عمل فنى يُشبه فكرة الحمل بطفل جديد.. لأن الفنان يُكابد المخاض الإبداعى، ليلد أفكارا ورؤى مختلفة..

كان لسالومى علاقة عاطفية طويلة مع المؤلف بول ريى.. وظلت حتى بعد زواجها تقدم على نزواتها مع الرجال بشكل علنى..

برأيى أن نقطة الضعف الوحيدة بالرواية هى تشابك الخيوط الكثيرة التى قدمتها الروائية، فتاه بينها القارئ وأصبح من الصعب عليه أحيانا أن يخرج من بين الفلسفة الشديدة التى كُتبت بها الروائية.

فالرواية فى المقام الأول فلسفية لا تستهدف القارئ العادى بل تستهدف المثقفين وعلى الأخص الروائيات التى أنا كواحدة منهن جذبتنى التفاصيل لأتابع وأنحنى أمام الفكرة العبقرية..

لكن وبكل أسف اشتكى القارئ البسيط من طول الرواية ومن تعقيدها الفلسفى الزائد ومن كثرة الأبطال التى تاهت تحت أقدامهم الفكرة المختلفة.. حتى إن الكثيرين لم يستكملوا قراءتها!.

الرواية ستبقى فى ذاكرة الأدب دوما مرجعا هاما، حتى لو سقطت من فوق قائمة الأكثر مبيعا.