الاحتلال الفرنسي ونهايته الحلبية

منوعات

بوابة الفجر


عام 1798 تمكن الفرنسيون من احتلال القاهرة، واسرفوا في إهانة الشعب المصري وإذلاله، فاعتقلوا واجرموا وارتكبوا المذابح بحق كل من وقف بوجههم، واشتد الظلم فضاق الناس، وكان الأزهر الشريف مدافعًا عن الحق واقفا في وجه الظالم المستبد، فأشعل شرارة الثورة في وجه الفرنسيين، ودفع الثمن غاليًا من علمائه وطلابه، فقد اقتحم الفرنسيون الأزهر بخيولهم، وأهانوا ما به من المصاحف، وأصدر «بونابرت» أمرًا بإبادة كل من بالجامع، وكسروا قناديله وجعلوا الأزهر اسطبلا لخيولهم، ثم قبضوا على كل من كان بداخله وجردوهم من ملابسهم، ثم اقتيدوا إلى القلعة وأعدموا رميًا بالرصاص في محاكمة لم تستمر سوي بضع دقائق، وألقيت جثثهم من سور القلعة، ولم يكن الإثخان في قتل علماء الأزهر بهذا الشكل إلا لعلم المحتل أن زعامة الأزهر الروحية والشعبية هي المحرك الأساسي للثورة.

في صباح يوم 15 يونيو 1800م كان كليبر- قائد الجيش الفرنسي - ذاهبًا إلى جزيرة الروضة ليستعرض احدي كتائب جيشه، وعاد بعد العرض إلى الأزبكية، ليتفقد أعمال الترميم في دار القيادة العامة ومسكن القائد العام، لإزالة آثار الإتلاف الذي أصابها من قنابل الثوار والمتظاهرين المصريين، وكان يصحبه بروتان، المهندس المعماري وعضو لجنة العلوم والفنون، فتفقدا الأعمال معاً، ثم ذهبا إلى دار الجنرال داماس، رئيس أركان الحرب، حيث أعد وليمة غداء لهما، ثم عاد كليبر بصحبة المهندس بروتان إلى دار القيادة العامة، وكانت حديقة السراي تتصل بدار الجنرال داماس برواق طويل.

سار كليبر وبجانبه بروتان في هذا الرواق وفي أثناء سيرهما خرج عليهما سليمان، فاقترب من الجنرال كليبر ولم يكد يلتفت إليه حتى عاجله بطعنة خنجر مميتة أصابته في صدره، ثم سقط على الأرض مضرّجاً في دمه، ثم طعن “بروتان” ست طعنات سقط على أثرها على الأرض بجوار كليبر، وعاد مرة ثانية إلى كليبر، فطعنه ثلاث طعنات ليجهز عليه، وقبض عليه الحرس الملازمين لدار الجنرال كليبر وأخذوه إلى دار رئيس أركان الحرب.

وانعقدت المحكمة ولم يكن تحقيقا بل كان فترة من التنكيل والتعذيب، حتى أنهم من وحشيتهم أحرقوا يده اليمنى حتى عظم الرسغ أثناء التحقيق، أنكر سليمان صلته بشيوخ وعلماء الأزهر أو بأي حركة من حركات المقاومة الشعبية الإسلامية.

وأثناء استجوابه ذكر أنه كان مقيمًا مع زملاء له في رواق الشوام بالأزهر الشريف، ولأنهم وقفوا على شيء من خبيئة أمره من الابتهالات والدعوات التي كتبها ونشرها في الجامع الأزهر ولم يبلغوا عنه أخذوهم كمتهمين في القضية لأنهم تستروا عليه، فأصدروا الحكم على سليمان الحلبي بالإعدام.

وحكموا على بقية إخوانه الأربعة بالإعدام، مع فصل رؤوسهم عن أجسادهم، على أن يتم قطع رؤوسهم وحرقهم أمام سليمان قبل إعدامه.

وبعد تنفيذ احكام الاعدام تم دفن جثمان كليبر في موضع قريب من قصر العيني وكان جثمانه موضوعًا في صندوق من الرصاص ملفوفًا بالعلم الفرنسي، وفوق العلم السكين الذي استخدمها سليمان الحلبي.

كان قتل كليبر عاملاً أساسيًّا في فشل الحملة الفرنسية الغازية، فتجرأ الناس عليها، وألجأتها الظروف إلى الخروج من مصر مدحورة مهزومة، واحتفل الأزهر بهذا النصر المبين، وفتحت أبوابه التي كانت مغلقة وفرح الناس فرحًا عظيمًا بزوال الغمة.