د. رشا سمير تكتب: جهاز حماية المستهبل!

مقالات الرأي



ماذا تعنى كلمة «مواطن»؟ المواطن فى المُعجم هو شخص منتمٍ إلى بلد يتمتع بالحقوق السياسيّة كافّة وحقّ تولِّى الوظائف العامّة؛ لكونه مولودًا فيه أو حاصلاً على جنسيته.

وما معنى أن يكون «المواطن مصرياً»؟ هو شخص يعيش فى أم الدنيا منتظرا أن تُصبح أد الدنيا ويُعامل معاملة أقل من الكلب أو القطة فى أى دولة متحضرة.. لماذا؟

لأنه شخص يُعانى من أزمة المرور وأزمة غلاء الأسعار وارتفاع فاتورة الكهرباء وانهيار الجنيه وواسطة ومحسوبية وفساد لا ينتهى..وفوق هذا وذاك «تبقى واقعة سودة لو حاجة عنده باظت وقرر يصلحها»!.

إليكم هذه القصة.. وهى قصة تحدث بألف شكل كل يوم.

"صباح الخير يا أفندم.. أنا عندى مشكلة فى النت"

"دقيقة معايا أراجع البيانات وأرجع لحضرتك"..ويعود الشاب بعد غيبة طويلة..

" أنا أسف يا أفندم.. ممكن تشيل الفيشة وترجعها تانى..وياريت تدخل معايا نراجع شوية خطوات.. واضح قدامى إن المشكلة من عند حضرتك".

ويظل المواطن «المصرى» الغلبان.. يشيل الفيشة ويرجع الفيشة ويراجع خطوات ويراجع بيانات..لحد ما ربنا يرزقه بعون الله بحاجتين من تلاتة..يا سكر مع ضغط..يا ضغط مع شلل رعاش.. يا التلاتة مع بعض!

ولكى يقضى موظف خدمة العملاء على حياة المواطن بالضربة القاضية يقول له فى نهاية المكالمة مبتسما وسعيدا:

"سعداء بخدمة حضرتك فى TE Data".

نعم.. إنها شركة الاتصالات السعداء التابعة للحكومة التى تدعمها الدولة، والتى استيقظنا من النوم يوما لنجد أنها أصبحت قدرنا، فالدولة أوهمتنا بأنها تقوم بتغيير خطوط التليفونات لخطوط فايبر ولا بديل من هذه الشركة التى سوف تنقذنا من الهلاك التكنولوجى! فتعاقدنا معها مجبرين ومفوضين أمرنا لله.

لا ضوابط لارتفاع الأسعار فى مقابل خدمة أكثر من سيئة.. لا شجاعة كافية لديهم ليخبروا العميل أن هذه هى مقدرة الإنترنت فى مصر..والشباب العاملون بالشركة «حافظين ومش فاهمين» وأهم شىء أنهم يقبضون رواتبهم.

أما العميل.. واااااحسرتاه.. يعيش وياخد غيرها!

وقد يتصور أحد المواطنين السذج أن هذه الخدمة السيئة سببها أن الشركة قطاع عام، أما القطاع الخاص فوضع مختلف!

ولهؤلاء أقول.. الحكاية ليست حكاية قطاع عام أو خاص..الحكاية يا اخوانا حكاية شعب!

حكاية فئة مستهبلة ترتزق على قفا فئة منهارة!

وإليكم هذا المشهد من داخل أحد توكيلات السيارات الكُبرى فى مصر، توكيل يمتلكه رجل أعمال شهير للسيارات المازدا والهيونداى.

الشاب المسئول عن استلام السيارات فى إجازة بالساحل، والشركة العملاقة فى انتظار عودته أو وصول بديل..والبديل لم يصل لظروف لا يعلمها إلا الله!

ثلاثة أيام كى يظهر البديل، والمواطنون فى حالة ثورة.. هذا يشكو من تعطيله لأشهر وهذا يبحث عن أحد ليرد عليه.. وهناك من تحتد وتسب لأن جهاز ضبط الزوايا عطلان منذ 10 أيام!

ويهدد أحداهم بإرسال إيميل للشركة اليابانية.. فيرد عليه الموظف ببساطة: إبعت زى ما تحب!

حالة من اللامبالاة..مبررها الوحيد أنهم يأخذون رواتبهم.. والعميل يولع!

وكما قال أجدادنا.. من أمن العقاب أساء الأدب.

المنظومة إذن من ثلاثة أذرع.. الأول هو المستهلك الغلبان المطحون الذى لا سعر له، وبمجرد أن يشترى البضاعة ويخرج من المتجر، البقاء لله.. قُضى أمره!

والذراع الثانية هم فئة رجال الأعمال المالكون للشركات والذين يلقون بأموالهم فى السوق لتلد نقودا دون أى مجهود وهم فى غفلة، حتى إن سمعتهم فى السوق لم تعد تعنى لهم شيئا.

والذراع الأخيرة هو جهاز حماية المستهلك، الذى يُدلى بتصريحات، ويعقد مؤتمرات، ويظهر فى التليفزيونات.. وفى النهاية هو جهاز للضجيج بلا طحين!

هو جهاز فى ظاهره ضد الفساد والبضاعة المغشوشة وسوء معاملة المستهلك..والحقيقة هو فى غفلة..والواقع المرير أنه بتقاعسه لا يحمى سوى «المستهبل» أى صاحب رأس المال، الذى قرر أن يعمل عبيط ويعطينا الودن اللى من طين والتانية اللى من عجين..

الدولة فى غفلة.. والحقيقة أن المواطن لا سعر له.. لم يعد هناك فرق بين القطاع الخاص أو العام.. فالكل مستهبل!

الواقع أن المأساة ليست مأساة وطن.. لأن مصر تستحق شعباً أفضل منا..الحكاية حكاية شعب.. شعب لا يبالى ولا يحاول ولا يُقدم ولا يؤخر.

«ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين».