مذبحة دنشواي.. بدأت بطلقة على جُرن الحمام

منوعات

بوابة الفجر


تراهن خمسة ضباط إنجليز على صيد الحمام بجوار قرية دنشواي بالمنوفية المشهورة بكثرة حمامها بدعوة من عبد المجيد بك سلطان أحد أعيان القرية.

تشاء الأقدار أن يتوغل اثنان منهم "بورثر وسميث" داخل القرية حيث كان الحمام عند أجران الغلال يلتقط الحَب.

صوب بورثر بندقيته إلى جُرن الحمام الخاص بالشيخ محمد عبد النبي مؤذن البلدة، فقدت "أم محمد" زوجة الشيخ وعيها بعد أن أصابتها خرطوشة بارود، اندلعت النار في التبن بفعل البارود المشتعل، وتجمع الأهالى على صراخ الشيخ محمد عبد النبى "الخواجة قتل المرأة وحرق الجُرن، الخواجة قتل المرأة وحرق الجُرن".

هرب الإنجليز خوفاً من بطش أهالي دنشواى، وصل الخفراء لنجدة الضباط الإنجليز، فتوهم الضباط بأنهم سيفتكون بهم فأطلقوا عليهم الرصاص وأصابوا بعضهم فصاح الجمع "قتل شيخ الخفر" وهجموا على الضباط الإنجليز بالطوب والعصى.

ألقى الخفراء القبض على ثلاثة من الضباط وأخذوا منهم الأسلحة، وهرب اثنين منهم وهما "كابتن" الفرقة وطبيبها اللذين أخذا يعدوان في الحر الشديد، وعلى مشارف بلدة سرسنا التى تبعد ثمانية كيلوا من دنشواى وقع "الكابتن" مغشيا عليه ومات بعد ذلك متأثراً بضربة شمس.

ألقي القبض على عشرات الفلاحين، واحيلوا إلى المحاكمة بتهمة القتل العمد طبقاً للقانون العرفي الصادر سنة 1895 لحماية أرواح قوات الاحتلال البريطاني.

بناء على الاتهام المقدم من محمد شكري باشا مدير المنوفية ضد أهل دنشواى، صدر قرار بتشكيل محاكمة خاصة برئاسة بطرس باشا غالي نيروز ناظر الحقانية وعضوية كلٍ من أحمد فتحي بك زغلول رئيس المحاكم الأهلية، و"مستر" وليام جودنفا هيتر المستشار القضائي بالنيابة، و"مستر" بوند وكيل محكمة الاستئناف الأهلية، وكان القاضي العسكري الكولونيل لادلو يمثل جيش الاحتلال، وتولى إبراهيم بك الهلباوي الادعاء في المحاكمة التي استمرت من 24 إلى 27 يونيو.

وقررت المحكمة إعدام أربعة متهمين، هم: حسن علي محفوظ، يوسف حسني سليم، السيد عيسى سالم، ومحمد درويش زهران.كما قضت المحكمة بالأشغال الشاقة المؤبدة على اثنين - هما محمد عبد النبي وأحمد عبد العال محفوظ- والسجن 15 سنة على أحمد السيسي، والأشغال الشاقة لمدة 7 سنوات على 6 آخرين، غير أحكام أخرى بالجلد 50 جلدة على 8 من أهل القرية .. تم تنفيذ أحكام الإعدام والجلد يوم 28 يونيو 1906.

بعد 24 عاما قضاها كمندوب سامى للإحتلال فى مصر أذاق فيها المصريين كل صنوف التنكيل، تقدم اللورد كرومر باستقالته بعد أن فضحه الزعيم مصطفى كامل أمام العالم على إثر مذبحة دنشواى.

بطرس باشا غالى .. لم تكن دنشواى أخر جرائمه ، تلاها محاولته بيع حصة مصر من قناة السويس للإنجليز ثم فتحه للإنجليز خزانة مصر لإحتلال السودان .. تم إغتياله عام 1910على يد إبراهيم الوردانى عضو الحزب الوطنى وقتها .

أحمد فتحى زغلول .. الشقيق الأصغر لزعيم الأمة سعد زغلول ، بدأ حياته السياسية ثوريا وكان من خطباء ثورة عرابى وعندما فشلت واحتل الإنجليز مصر فُصل من المدرسة بقرار من وزير المعارف، فقام بتغيير اسمه ( من فتح الله إلى فتحى ) والتحق بمدرسة الألسن ثم سافر لدراسة القانون في اوربا ، وعندما عاد لمصر إرتبط بعلاقة صداقة باللورد كرومر ، لم تكن تربطه علاقة جيدة بأخيه سعد، ترجع إلى عوامل الغيرة والتنافس، وكان يرى أن أخاه سبب في الحيلولة دون ترقيته إلى الوزارة، وكان يعتقد أنه يتمتع بمواهب وقدرات تفوق سعد، قاطع الزعيم سعد زغلول أخاه فتحى بعد مشاركته فى محكمة دنشواى.

إبراهيم بك الهلباوى .. أول نقيب للمحامين ، الملقب بـ جلاد دنشواى بعد أن هجاه حافظ إبراهيم قائلا (أنت جلادنا فلا تنس أنا .. لبسنا على يديك الحدادا) ، رغم تاريخه الثورى الكبير ومحاربته للإستعمار ، وخطبه النارية التى كانت تستنهض الهمم ، لكنه وقع فى هفوة لم يغفرها له المصريون عندما وافق أن يكون محامى الضباط الإنجليز ضد المصريين بأتعاب 300 جنية ، إستطاع أن يقنع المحكمة – وهى لم تكن تحتاج لإقناع – أن أهل دنشواى هم المعتدون على ضيوفهم الإنجليز وأن حادث إحتراق الجرن بفعل الأهالى أنفسهم ،، يقول الأديب يحيى حقي: "كان الهلباوي يخطب في سرادق ضخم ازدحم فيه أنصار حزب الأحرار الدستوريين من أجل تخليص البلاد من يد المحتلين، وقوبل خطابه بالهتاف والتصفيق، وامتلأ الرجل ثقة وزهواً وظن أن الدنيا قد صالحته، ولكنه لم يكد يفرغ من خطابه حتى ارتفع صوت في آخر السرادق يهتف "يسقط جلاد دنشواي" .. كانت من محاولات الهلباوى للتكفير عن ذنبه أن إنتدب نفسه مدافعا عن إبراهيم الوردانى الذى إغتال بطرس باشا غالى وأثناء مرافعته عن الوردانى قال : "لقد كان الحكم في قضية دنشواي بإجماع المصريين حكماً قاسياً لا يستحقه المتهمون، وكان تنفيذه فوق ذلك أكثر استحقاقاً للسخط. لا فائدة في القول بأن جميع المصريين الذين شاركوا في هذه المحكمة قد كرههم مواطنوهم واحتقروهم – ولربما استطاع أحد المدافعين في القضية الحالية أن يؤكد ذلك أكثر من غيره، لكنا لسنا هنا في مقام التوجع ولا الدفاع عن أنفسنا.. لقد جئنا إلى هذه القاعة للدفاع عن الورداني. ) .. لكن الشعب لم يغفر للهلباوى.