د. رشا سمير تكتب: الاتناشر نفر إياهم!

مقالات الرأي



عندما قرر المواطن المصرى أن يشارك فى الثورة.. كان فى الحقيقة مواطناً ضج من وجوه بعينها وأوضاع بعينها وفساد بعينه.. وتمنى كل من افترش الرصيف فى ميدان التحرير ليال طويلة أن يستيقظ على لحظة تختفى فيها تلك الوجوه من على الساحة وأن تحل مكانها وجوه أكثر مصداقية..

ومثل كل الثورات سقط الوطن بعد الفوضى فى بئر من العثرات.. وما بين محاولة للمُضى قُدما ومائة محاولة للتقهقر.. مازالت تُطل علينا وجوه، وتولد بيننا وجوه، وتنزوى عنا وجوه..

الرئيس يعمل جاهدا.. والجيش يدعم دائما.. والحكومة ترقب فى صمت..

وفى ظل كل تلك الظروف المتعثرة مازال المواطن المصرى هو الضحية.. ضحية غلاء الأسعار وارتفاع فاتورة الكهرباء والضريبة المُضافة..

والسبب بكل بساطة «وهذه ليست نكتة بالمناسبة» هم.. .الاتناشر نفر إياهم!.

من هم الاتناشر نفر إياهم؟ وما دورهم؟!.. دعونى أضرب لكم مثالا..

فى مجال الاقتصاد.. تجتمع المجموعة الاقتصادية، بشكل دورى مكثف وبجدية شديدة لمناقشة نفس الموضوعات التى لم تخرج يوما عن نطاق محاولات توفير السلع، وضبط الأسعار، والخطط الموضوعة لمواجهة أزمة ارتفاع سعر الدولار!.. والنتيجة..

النتيجة أن المواطن فى أزمة حقيقية، بعيدا عن أزمة الدولار، فأسعار فواتير الكهرباء والمياه صادمة.. والسلع فى الأسواق أسعارها تضاعفت فى زمن قياسى بلا رقيب ولا أمل فى هبوطها مرة أخرى، وبالتالى وصل الارتفاع إلى بائعة الجرجير التى تعانى هى الأخرى من ارتفاع الخدمات فتقرر فى صمت أن ترفع سعر حزمة الجرجير متعللة بأن الدولار سعره زاد!.

بالإضافة إلى جشع التجار الذى تتوعده الحكومة كل يوم دون اتخاذ أى إجراء حاسم لمحاسبة هؤلاء التجار الذين يحلوا لى أن أسميهم «تجار محن البشر».

وفى مجال الترشيحات.. هناك اتناشر نفر احترقت وجوههم فى زمن مضى بحلوه ومره، ومازالت الدولة تتعامل معهم وكأنهم المنقذ الوحيد للمرحلة.. وكأن الدولة تبحث عن الأكفاء فى الصحراء «وكل ما يدوروا يا عينى مايلاقوش غير دول فى وشهم»!.

فإذا ما فشل الواحد منهم فى منصب الوزير.. نستعين به كخبير.. وإذا لم نجد لديه الخبرة الكافية نُعينه استشارياً.. وإذا لم نجد ما نستشيره فيه نرشحه للبرلمان.. وإذا تعثر فى البرلمان.. يُصبح «بركة أو صديق العائلة»!.. المهم يبقى نفسه معانا والسلام!.

أما فى مجال الإعلام.. فالمأساة أكبر لأنه جهاز تأثيره أخطر وأقوى من كل الوسائل الأخرى.. تظل نفس الوجوه الإعلامية التى تدور وتلف على القنوات الفضائية والصُحف هى نفسها لا تتغير، وتتصور الدولة من منطق العجز الشديد أنهم المنقذ الوحيد.. فيتم توزيع خارطة التطبيل والتهليل عليهم.. والتى بكل أسف لا تختلف كثيرا عن الخارطة القديمة إياها.. وكأن الاتناشر إعلامى دول هما الحل لبقاء مصر على قيد الحياة!.

نفس الوزراء ونفس التوجهات، الكل فى حالة تجمد لا أحد يُقدم ولا يؤخر وكلما سألنا: هما مش بيشتغلوا ليه؟ يأتينا الرد الجاهز: تعالوا امسكوا بدالهم وشوفوا هتعملوا إيه؟ هما يا عينى هيعملوا إيه واللا إيه؟.. «بصراحة كتر خيرهم ما كفاية يصيفوا فى سميراميس»!.

أما الاتناشر نفر بتوع البرلمان فهم المجموعة صاحبة التصريحات المذهلة على غرار: ضحينا بالسفر إلى الساحل مع أولادنا من أجل جلسات البرلمان «إيه ده! معقولة كده.. طب والفريسكا يا شباب»!.

تصريحات مضحكة وبرلمانيون يستغلون صلاحياتهم لمعارك الشوارع والمهاترات الفارغة حتى وصل الأمر ببث فيديو جنسى لأحد أعضاء البرلمان من ناشطى الثورة دون أن تتم محاسبته بأى شكل، وفى المقابل يتم تحويل من أرسل الفيديو للمساءلة من قبل لجنة الأخلاق!..

اما الاتناشر الباقون، فهم وجوه الفساد القديمة التى مازالت تتسيد الساحة وبقوة.. الشلة بتاعت شيلنى وشيلك واللعب من تحت الترابيزة والشىء لزوم الشىء.. هؤلاء من تجدهم داخل كل مؤسسة يشكلون شجرة كبيرة جذرها فاسد وفرعها فى السماء.. إنهم يشكلون شبكة تتواصل وتلتقى وتتحد فقط فى الشر.. تتنفس عطبا وتنطق كفرا..

الاتناشر نفر إياهم يا سادة.. هم المسئولون مسئولية كاملة عن اليأس الذى أصاب الشرفاء، والكسل الذى أصاب الجادين.. والنكسة التى أصابت الدولة.. إنهم يقتلعون سنابل القمح ويسرقون نسمات الهواء ويقتلون براعم الأمل..

لن تخرج مصر من كبوتها إلا لو تخلصت من الاتناشر نفر دول «أو على الأقل نمشى ستة ونخلى ستة»!.