في ذكرى وفاته الـ 32.."محمد نجيب" لغز التاريخ المعاصر .. بين القوة والظلم

تقارير وحوارات

الرئيس محمد نجيب
الرئيس محمد نجيب


"بعد تقديم وافر الاحترام، يحزنني أن أعلن لأسباب لا يمكنني أن أذكرها الآن أنني لا يمكن أن أتحمل من الآن مسئوليتي في الحكم بالصورة المناسبة التي ترتضيها المصالح القومية".. كانت هذه الكلمات التي بدأ بها أول رئيس للجمهورية استقالته عام 1954 عندما وجد صعوبة في التفاهم مع بعض أعضاء تنظيم الضباط الأحرار.
 
اللواء محمد نجيب، تقدم باستقالته لمجلس قيادة الثورة، في 22 فبراير 1954 لكن خرجت تظاهرات شعبية في مصر والسودان تطالبه بالرجوع في هذا القرار، ورجع بالفعل بعد 5 أيام  لحكم البلاد ليتصدى لمخالفات بعض ضباط المجلس، وكان يريد أن تستمر مصر في طريق الدولة المدنية وإنهاء الحكم العسكري بعد "52"، لكن أزمة مارس 1954، أظهرت نوايا البعض في عدم الرغبة في انتقال السلطة إلى المدنيين.
 
 
سيناريو الاستقالة
 
توجه "نجيب" عصر يوم 14 ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ 1954 ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺘﺒﻪ ﺑﻘﺼﺮ ﻋﺎﺑﺪﻳﻦ، ولاحظ ﻋﺪﻡ ﺃﺩﺍﺀ ﺿﺒﺎﻁ البوليس ﺍﻟﺤﺮﺑﻲ ﺍﻟﺘﺤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺰﻝ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﺭﺗﻪ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻓﻮﺟﺊ ﺑﺎﻟﺼﺎﻍ ﺣﺴﻴﻦ ﻋﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﺍﻟﺤﺮﺑﻲ ﻭﻣﻌﻪ ﺿﺎﺑﻄﺎﻥ ﻭ 10 آخرين ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺍﻟﺮﺷﺎﺷﺎﺕ ﻳﺤﻴطون ﺑﻪ، لم يكن منه إلا أن طلب ﻣن "عرفة"  ﺍﻻﺑﺘﻌﺎﺩ ﺣﺘى ﻻ يحدث قتال بين جنوده و ﺍﻟﺤﺮﺱ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻱ ﻓﺎﺳﺘﺠﺎﺏ ﻟﻪ ﺿﺒﺎﻁ ﻭﺟﻨﻮﺩ ﺍﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﺍﻟﺤﺮﺑﻲ .
 
صعد نجيب إلى مكتبه واتصل ﻫﺎﺗﻔﻴﺎً ﺑﺠﻤﺎﻝ ﻋﺒﺪﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻟﻴﺸﺮﺡ ﻟﻪ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ الأخير، ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻴﺮﺳﻞ ﻋﺒﺪﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻋﺎﻣﺮ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ليعرف ماذا يحدث ويحل الأزمة، ﻗﺎﻝ عامر لـ"نجيب": "إﻥ ﻣﺠﻠﺲ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻗﺮﺭ ﺇﻋﻔاءﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﻨﺼﺐ ﺭﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ "
 
ﻓﺮﺩ ﻋﻠﻴﻬﻢ : " ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﺳﺘﻘﻴﻞ ﺍﻵﻥ ﻷﻧﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﺳﺄﺻﺒﺢ ﻣﺴﺆﻭﻻ ﻋﻦ ﺿﻴﺎﻉ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺃﻣﺎ ﺃﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻗﺎﻟﺔ ﻓﻤﺮﺣﺒﺎ ."
 
وذكر محمد نجيب في مذكراته أن ﻋﺒﺪﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻋﺎﻣﺮ أقسم ﺃﻥ ﺇﻗﺎﻣﺘﻪ ﻓﻲ ﻓﻴﻼ ﺯﻳﻨﺐ ﺍﻟﻮﻛﻴﻞ بمنطقة المرج، ﻟﻦ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺑﻀﻌﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻟﻴﻌﻮﺩ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺇﻟى ﺑﻴﺘﻪ، لكنه لم يفي بوعده وحدث ما لم يحمد عقباه.
 
فخرج أول رئيس لمصر بعد أن ساعد في إنهاء الحكم الملكي منذ 1805، ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺒﻪ ﻓﻲ ﻫﺪﻭﺀ ﻭﺻﻤﺖ ﺣﺎﻣﻼ ﺍﻟﻤﺼﺤﻒ ﻣﻊ ﺣﺴﻦ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﺭﺓ ﺇﻟﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ ﺍﻟﻤﺮﺝ ﻭﺣﺰﻥ ﻋﻠى ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﺮﺝ ﺑﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﺆﺩ ﻟﻪ ﺍﻟﺘﺤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﻟﻢ ﻳﻄﻠﻖ ﺍﻟﺒﺮﻭﺟﻲ ﻟﺘﺤﻴﺘﻪ ﻭﻗﺎﺭﻥ ﺑﻴﻦ ﻭﺩﺍﻋﻪ ﻟﻠﻤﻠﻚ ﻓﺎﺭﻭﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻃﻠﻖ ﻟﻪ 21 ﻃﻠﻘﺔ ﻭﺑﻴﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻭﺩﺍﻋﻪ .
 
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻲ ﻓﻴﻼ ﺯﻳﻨﺐ ﺍﻟﻮﻛﻴﻞ وجدها خالية من الأثاث والمفروشات ﻭاﻟلﻮﺣﺎﺕ والتحف وتركت له كأنها صحراء جرداء، ووضع تحت الإقامة الجبرية ومنع ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﺃﻭ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ أي شخص ﺣﺘﻰ أفراد ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ .
 
ﺃﻗﻴﻤﺖ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻔﻴﻼ ﺣﺮﺍﺳﺔ ﻣﺸﺪﺩﺓ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻲ ﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺃﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻭﺏ ﺇﻟى ﺍﻟﺸﺮﻭﻕ ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻐﻠﻘﻮﺍ ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﺬ ﻓﻲ ﻋﺰ ﺍﻟﺼﻴﻒ ﺗﺠﻨﺒﺎ ﻟﻠﺼﺪﺍﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺒﺒﻪ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ .
 
وبعد أن أحكم "عبدالناصر" قبضته على البلاد في 56، حدث العدوان الثلاثي على البلاد وانتشرت أخبار تتعلق بأن‏ ‏إنجلترا‏ ‏ستسقط‏ ‏بعض‏ ‏جنود‏ ‏المظلات‏ ‏علي‏ ‏فيلا زينب‏ ‏الوكيل في‏ ‏المرج‏ لإعادة‏ ‏محمد نجيب‏ ‏رئيساً‏ ‏للجمهورية‏ ‏من‏ ‏جديد‏ ‏بدلاً‏ ‏"عبدالناصر" وتم نقل "نجيب" إلى سوهاج، ولكن بعد فشل العدوان تم إعادته إلى مقر إقامته الجبرية بالمرج.
 
وجري التنكيل به حتي إن أحد الحراس ضربه علي صدره في نفس مكان الإصابة التي تعرض لها في حرب 1948 ، كتب الرئيس نجيب عن ذلك في مذكراته التي نشرت عام 1984: "يومها هانت علي الدنيا.. فقررت أن أضرب عن الطعام".
 

"مستعد أقوم بعمل انتحاري كأن أسقط بطائرة"
 
وبعد هزيمة الجيش في نكسة 1967، طلب نجيب أن يحارب في الجيش تحت اسم مستعار، وأرسل إلى عبدالناصر، قائلًا : "أريد منك أن تسمح لي بأعز أمنية لي وهي المشاركة في أقدس واجب وأشرفه، وهو الدفاع عن مصر فاسمح لي بالتطوع جنديًا عاديًا في جبهة القتال باسم مستعار وتحت أية رقابه شئت دون أن يعلم أحد بذلك غير المختصين، وإني أعدك بأثمن ما أملك أعدك بشرفي أن أعود إلى معتقلي إذا بقيت حيًا بعد انتهاء القتال.. وإني مستعد أن أقوم بعمل انتحاري كأن أسقط بطائرة أو مظلة محاطًا بالديناميت على أي هدف مهم وهذا إقرار مني بذلك".
 
وخطاب ثالث يعاني فيه نجيب من الأحوال المعيشية السيئة، متسائلاً: "هل أنا حي أم ميت؟ لم أحلق شعري منذ شهر ولم يزورني الطبيب منذ 10 أيام رغم أنه يأخذ يومًا حقنة للكبد".
 
"أتمنى أن أرسل لزوجتي وأولادي خطابًا كل أسبوع يطمئنون فيه علىّ"
 
أرسل نجيب إلى عبدالناصر العديد من الرسائل التي أعرب بها عن سوء حالته  الصحية والنفسية وعن اشتياقه لزوجته وأولاده، :"أتمنى أن أرسل لزوجتي وأولادي خطابًا كل أسبوع يطمئنون فيه علىّ أني مازلت على قيد الحياة، على أن يصلني منهم ولو سطر واحد يؤكد لي أنهم تسلموا خطاباتي فأطمئن عليهم، وطبعا أنا وأولادي وكل ما نملك فداء للوطن".
 
 
"السادات" ورفع الإقامة الجبرية
 
جاء الفرج في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعد أن رفع الإقامة الجبرية على "نجيب"، فعلق الأخير عليها قائلًا: "قال لي السادات: أنت حر طليق، لم أصدق نفسي هل استطيع أن أخرج وأدخل بلا حراسة ؟ هل أستطيع أن أتكلم في التلفون بلا تنصت ؟ هل استطيع أن أستقبل الناس بلا رقيب!"
 
كان نجيب حبيسًا منذ 1954 حتي إطلاق سراحه بقرار من الرئيس الراحل محمد انور السادات عام 1971.
 
"لم اصدق ذلك بسهولة .. فالسجين في حاجة لبعض الوقت ليتعود على سجنه ، وفي حاجة لبعض الوقت ليعود إلى حريته، وانا لم اكن سجينا عاديا كنت سجينا يحصون انفاسه ".
 
 
وصف "نجيب" حياته السابقة في الإقامة الجبرية قائلاً: "وكنت أخشى أن اقترب من أحد حتى لا يختفي، ولكن بعد فتره وبالتدريج عدت إلى حريتي وعدت إلى الناس وعدت إلى الحياة العامة".


تجاهل "مبارك"
 
يوجد أقاويل متضاربة حول علاقة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بـ"نجيب" فقد تجاهله تماما في كلماته كافة، التي حرص على إلقائها بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو من كل عام، وكان يشير إلى دور الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات متجاهلاً تماما دور الرئيس محمد نجيب فى مسار التحول بعد ثورة 1952، إلا أنه أمر بنقله إلى مستشفى كوبري القبة العسكري بعد صراع مع المرض إثر دخوله في غيبوبة دامت 4 سنوات.
 
حتى رحل عن عالمنا يوم 28 أغسطس، ١٩٨٤وأمر مبارك بتشييع جنازته عسكريًا من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر و دفن في مصر بمقابر شهداء القوات المسلحة.
 
 
"عدلي منصور" وقلادة النيل
 
وفي 29 ديسمبر 2013 سلم الرئيس عدلى منصور، بمقر رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة، قلادة النيل الممنوحة لاسم الرئيس الراحل محمد نجيب.