أحمد سليمان سراج يكتب: "أي عمق هذا"

ركن القراء

بوابة الفجر


لقد أضحى الأزرق(الفيسبوك) مليء بآلهة شتى وكلها للخير والجمال والحكمة والمثالية وكل مسميات العُمق؛للأسف فهذا لا ينم عن أي عمق بل هو محاولة متكلفة للتمحك في هذه الصفة المفقودة في المجتمع العربي ككل وهذا لا يمنع من أن هناك  من يتمتع بنفوس عمقها يزيد عن عمق مركز الأرض.

فها أنا ذا أكتب باللغة العربية الفصحى في محاولة للتمحك ف العمق والتظاهر به وأنا أبعد ما يكون عن العمق فإن كنت بالفعل عميق فأنا عميق بالتفاهة؛ أما بعد فدعني أقص لك قارئ هذا المقال هذه القصة

تروي قصتنا عن فنان رسام فرنسي كان مغموراً يرفض بيع لوحاته فهو مقتنع جداً بأن الفن ليس للبيع؛ولصاحبنا صديق صحفي زاره في معرضه ذات يوم بعد أن يأس لحاله يقترح عليه فكرة إدعاء العمق كالتالي؛

_فمثلاً عرض عليه أن يرسم رجل سمين محاط بالنقود والدماء والدموع (لتدل على مخترع الات الحروب)

تحت مسمى الطريقة التحليلية النفسية ولا يوجد أصلاً ما يسمى بهذا..لكن اللفظ يوحي بالمزيد من العمق

رسم الفنان بطل قصتنا مزيد من اللوحات من هذا النوع ثم أتى موعد عرضها ف معرضه بعد أن قام صديقه الصحفي بالتسويق لهذا المعرض فأصبحت باريس كلها ترتقب هذا المعرض..

وأفتتح المعرض بعد أن قال الصحفي للفنان(إذا سألك أحد من النقاد على الطريقة التحليلة النفسية فأنفث في وجهه دخان الغليون وقل له :"هل تأملت في حياتك نهراً" في الحقيقة لا علاقة لهذه الجملة بالطريقة التحليلة النفسية،و في الأحق أنه لا يوجد أصلاً ما يسمى بهذا؛ولكن سوف يتظاهر الجميع بأنه قد فهم..

فعل الفنان مثلما تلقن و في كل مرة يسأله أحد النقاد عن الطريقة التحليلية النفسية كان ينفث دخان الغليون في وجهه ويقول له"هل تأملت في حياتك نهراً"

فيُذهل الجميع ويصيحون أجل يا له من عبقري..

فرغ المعرض من عرض اللوحات وبيعت بثمن باعظ وصار من أعظم فنانين باريس

جاءه الصحفي ضاحكاً _هل رأيت كيف خدعنا الناس بلوحاتك البالية؟

فيرد الفنان:هل أفهم من هذا إنك تنتقد طريقتي التحليلية النفسية؟

الصحفي يكظم غيظه؛لا تصدق نفسك فلايوجد أصلاً شيء اسمه الطريقة التحليلية النفسية

فيرد الفنان وهو ينفث دخان الغليون في وجهه"هل تأملت في حياتك نهراً"

 هذا بالمثل مايحدث حالياً في مجتمعنا المدعي العمق بشتى ألوانه

من الطفل ذو الأضطراب الهرموني والصوت المحشرج ذو الأربعة عشر يصاب بال over thinking ويغير صورته إلى اللون الأسود ولا داعي من المزيد من بوستات(الدنيا لم يعد لها أي لازمة،ال over thinking يقتلني،دنيا أيه اللي أنتوا بتتخانقوا عليها)

إلى الطالب الجامعي الذي يدعي الأكتئاب كلون أيضاً من ألوان العُمق.

إلى سائقي الميكروباصات بأغنيهم الحزينة لطارق الشيخ وأحمد شيبه والسيجارة الكليوباترا في يده اليسرى والنظرة الشاردة بين الحين والأخر فلطالما أردت أن أقتحمها ذات مرة وأسأله (فيم تفكر؟) لأعلم هل وصل بنظراته التلوسكوبية إلى ما وراء الطبيعة وكم من مجرة جديدة أكتشف،

إلى كاتب هذا المقال الذي يترك كل ما وراءه ليكتب مقالاً تافه في موضوع أتفه مدعياً العُمق هو الأخر وهو يعلم أن قارئه لن يتعدى أول أربعة أسطر إلا لو خدعت القارئ في بدايته إنه مقال +18..

وإذا سألك أحدهم عن غرض المقال فأنفث في وجهه دخان الغليون وأدعوه أن يتأمل ذاك النهر