أحمد شوبير يكتب : ومن الحب ما قتل

الفجر الرياضي



جاءت مباراة الأهلى الأخيرة فى بطولة الأندية الأفريقية لتقضى على آخر أمل فى عودة الجماهير مرة أخرى إلى المدرجات قريبا، فقد استبشرنا خيراً بما حدث فى مباراة مصر ونيجيريا فى تصفيات أفريقيا وقبلها فى البطولة الأفريقية لكرة اليد وبعض المباريات التى شهدت عودة جزئية للجماهير، ما أعطى أملا بعودة الحياة للمدرجات، وأن الحياة ستعود إلى طبيعتها من جديد، وستشاهد الجماهير وهى تغنى وترقص وتحتفل بالأهداف والبطولات.

ولا مانع من مشاهدة دخلات جميلة وشعارات وصور رياضية حلوة انتقدناها من زمن بعيد، ولكن يبدو أن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، ويبدو أيضا أن هناك ما لا نعرفه يدور فى الخفاء لنبنى حالة الوفاق التى كنا قد اقتربنا منها، بين كل أجهزة الدولة وروابط الجماهير، ولا أخفى سراً أننى كنت واسطة خير عندما لجأ بعض المقربين من الجماهير إلىّ طالبين المساعدة فى تيسير دخول الجماهير لمباراة الأهلى الأخيرة، أمام أسيك، وأيضاً أن يكون هناك مرونة من جانب الأمن، خصوصاً أن المباراة بعد الإفطار بقليل والأبواب تغلق مبكراً، وبالفعل وبسرعة شديدة جداً استجاب الجميع، بل الأكثر من ذلك أنهم خصصوا خمسة آلاف وجبة إفطار ومياها وعصائر، وتم فتح 8 أبواب لاستاد الجيش ببرج العرب، وتم استقبال الجماهير كأفضل ما يكون، وسارت الأمور على ما يرام، وتم توزيع الوجبات والمياه واستبشر الجميع خيراً إلا أن رجال الأمن فوجئوا بوجود تذاكر مزورة يحملها بعض الجماهير، فرفضوا دخولهم، ثم عادوا، وطلبوا منهم الوقوف فى طابور من باب معين للدخول، ولكن بعد تفتيشهم، وهذا أقل حق لرجال الأمن، وسارت الأمور ممتازة إلا أنه فجأة ثار البعض من الجماهير لافتعال مشكلة، وبدأت المشاكل بعد رفضهم التفتيش والخضوع للإجراءات الأمنية ومحاولة تحطيم بوابات الدخول للدخول عنوة إلى أرض الملعب، ما اضطر الأمن إلى التعامل الفورى مع الخارجين على النص، مثلما يحدث فى العالم كله، وقد رأينا ذلك فى فرنسا، عندما قبضت السلطات الفرنسية على عدد من مشاغبى المشجعين الروس وحاكمتهم سريعاً، وأصدرت الأحكام بالحبس لمدد وصلت إلى ثلاث سنوات لبعضهم، ورحّلت بعضهم من فرنسا فوراً، ورغم الغضب الشديد من قِبل السلطات الروسية، بل من الرئيس الروسى نفسه نحو السلطات الفرنسية، إلا أن القانون انتصر فى النهاية، وكانت الضحية الأولى المنتخب الروسى الذى دفع ثمن أخطاء جماهيره المتعصبة، فكانت النتيجة أسوأ نتائج روسيا من زمن بعيد، وخروجها بنقطة وحيدة واستقالة المدرب من منصبه، وأزمة قوية ستدفع الكرة الروسية فاتورتها غالياً بسبب تهديد وتعصب قلة من المشجعين، بحجة أنهم عيون بلدهم وذويهم، فكانت النتيجة مماثلة بالضبط لما حدث للأهلى فى مباراته أمام أسيك بالإسكندرية، فقد حكى لى لاعب كبير على علاقة رائعة بالجماهير فى الأهلى أن اللاعبين لم يصدقوا أن هذه هى جماهيرهم، وأنهم فوجئوا من بدء التسخين بهتافات لا يمكن لأحد أن يصفها ضد الدولة والداخلية، ثم- وهذا هو الجديد- ضد مجلس إدارة النادى الأهلى بالأسماء، وأن هذه الجماهير قد نسيت تماماً أن الأهلى فى جاحة ماسة إلى المساندة، خصوصاً أنه خسر المباراة الأولى، وكان أحوج ما يكون للفوز بهذا اللقاء، ولكن العكس تماماً حدث داخل جزء من المدرجات، ما أصاب الجميع بالذهول التام، سواء اللاعبون على أرض الملعب أو أعضاء مجلس الإدارة، خصوصا أن الأهلى كان قد فاز قبلها بأيام قليلة ببطولة الدورى العام، أى أنه من المفترض أن الجماهير جاءت لتحتفل بالفوز بالبطولة وبالمساندة والمؤازرة من أجل الفوز على أسيك ومواصلة المشوار فى البطولة الأفريقية، لذلك أجد نفسى مندهشاً وبشدة، وأتساءل، وأسأل هذه الجماهير:

ماذا جنيتم حتى الآن من كل ما حدث، وماذا كسبنا منذ أن ظهرت روابط الألتراس مع كل احترام لهدفها النبيل؟ هل موت زملائكم فى المدرجات كان مكسباً أم موتا وضياعا لبعض الأسر التى كانت تعتبر هذا الشاب الصغير هو مستقبلها؟!

هل إلغاء النشاط الكروى لعامين متتاليين وخراب بيوت العاملين فى المجال الكروى كان مكسباً أم قتلا وموتا لهم؟

هل العداء المستحكم والتعصب اللامعقول الذى دب فى الوسط الرياضى كله، والكروى خاصة، لدرجة أننا أصبحنا نقرأ أخبارا عن قتل المشجعين لبعضهم! وعن مشاجرات ومشاحنات راح ضحيتها البعض، مكسب أم أننا ندور فى دائرة العنف؟

هل خلو المدرجات من الجماهير فى معظم المسابقات ووقوفكم فى الخارج لمحاولة التشجيع أو التسلل خلسة إلى المدرجات بأعداد لا تتجاوز المئات مكسب، أم أن حضور الآلاف مثلما كنا نرى، دائما وأبدا هو الطبيعى، وهو الذى يأتى بالبطولات الأفريقية، مثلما يحدث مع الأهلى والزمالك الآن؟

وهل ابتعادنا عن كأس العالم للأندية، وكنا نفخر ونزهو بأن الأهلى صاحب الرقم القياسى، مكسب أم خسارة؟

هل رحيل المدربين المحترمين من مصر وضرب السياحة التى تعد الرياضة جزءا منها لدرجة أننا اضطررنا للعب مباراة السوبر المصرى خارج مصر، صحيح أننا وجدنا أجمل معاملة وأحسن استقبال من الإخوة الأعزاء فى الإمارات الشقيقة، ولكن يبقى السؤال:

لماذا كل هذا الانضباط خارج مصر وكل هذا الانفلات داخل مصر؟ ولماذا تمر مباريات منتخب مصر بهدوء واحترام على عكس مباريات الأهلى وبعدها الزمالك والتى لم نشهد فى حياتنا خسارة الأرواح إلا فيها؟

ولماذا نلتزم بالقانون ونطبقه على أنفسنا عندما تكون هناك مباراة للأهلى أمام روما فى الإمارات وبعدها بأيام وبنفس الأشخاص يكون العنوان الواضح هو الخروج على القانون؟

ولماذا فقدتم تعاطف كل من كان معكم وأصبح غاضبا منكم ناقما عليكم لأنكم منعتم الجماهير الحقيقية الوفية المخلصة من دخول المدرجات؟ وماذا تنتظرون بعد أن قضيتم على كل شىء فكنتم كالدبة التى قتلت صاحبها وبعدها قتلت كل من حولها وأخيراً قتلت نفسها؟ أما آن الأوان أن تقيموا أنفسكم وتعرفوا أخطاءكم وتعودوا إلى الطريق الصحيح؟

أما آن الأوان أن تعلموا أنكم بسبب تعصبكم قتلتم زملاءكم فى بورسعيد بصرف النظر عن البلطجية والمتآمرين الذين شاركوا فى هذه الجريمة البشعة؟

وأخيراً، أوجه خالص الشكر لبعض الإعلاميين الذين ساندوا وساعدوا هؤلاء ليصلوا إلى هذه الدرجة من الخروج على النص. أرجوكم ارحلوا وابتعدوا واخرسوا تماما، ولكل المسؤولين عنهم ابتروا هذه الأجزاء المريضة، وارموها فى أعماق النهر حتى لا تظهر مرة أخرى لتعبث فى القنوات فسادا ورياء ونفاقا.. أبعدوهم... وللمسؤولين أنفسهم احذورا هؤلاء، جماهير وإعلاميين، فهم ينفذون ما لا نعرفه ويحاولون بكل الطرق أن يفسدوا الاستقرار الذى بدأ يدب فى جسد الوطن بعد فترة تخطتها مصر بصعوبة بالغة، ولكن يبدو أن البعض يتصور أنه قادر على إعادتنا من جديد لنقطة الصفر، وهذا لن يحدث أبدا.

مرة أخرى، آسف جدا لكثير من الجماهير المحترمة التى ستظل غائبة عن المدرجات بسبب قلة من الجماهير نصبت نفسها راعية للكرة والرياضة المصرية وكانت النتيجة دمارا وفسادا وسوء أخلاق وقتلا وموتا وخراب بيوت.

* لو صح ما يُنشر هذه الأيام عن عروض الاحتراف الإيطالية والإنجليزية لرمضان صبحى ومصطفى فتحى، فسأكون أسعد الناس لعدة أسباب، أولها أننا أمام موهبتين رائعتين قادرتين على البقاء فى الخارج لسنوات طويلة.. ثانيها أننا بذلك نكون أصبحنا من رواد الدوريات العالمية، فالننى فى الدورى الإنجليزى وصلاح فى الدورى الإيطالى وكوكا فى الدورى البرتغالى، لذلك سيكون اللاعب المصرى رائع السمعة والكرة المصرية كذلك، ويصبح لدينا لاعبون فى هذه الدوريات، وسيكون أروع للمنتخب المصرى، وأن يكون اسمه مخيفاً ومرعبا من خلال وجود هؤلاء الشباب الصغار فى هذه الدوريات مع الأمل فى أن يصبح هؤلاء أساسيين فى أنديتهم الأوروبية، مثل الثلاثى صلاح والننى وكوكا، لذلك أطالب مجالس إدارات الأندية التى تتلقى عروضا لاحتراف لاعبيها، خصوصاً الشباب أن تجرى مفاوضات لحفظ حقوقها، وتحصل على أعلى قيمة ممكنة للاعب.


المقال نقلاً عن جريدة المصري اليوم