الاستعصام الإيماني

إسلاميات

بوابة الفجر


واقع مرير، تتدفق مرارته مع الطعام، وتعكر حلو العيش والشراب، فيتراجع الهناء، وترفرف علينا رايات الشقاء، ولكن المؤمن يستقبله بقلب كبير واثق بوعد الله ونصره(( إنَّا لننصر رسلنا والذين آمنوا )) سورة غافر . 

لأن الحياة دار ابتلاء، والإسلام ممتحن على كل الأحوال (( فلَيَعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )) سورة العنكبوت . ويجب أن يوقن داخله بظهور المسلمين وغلبة القوم المستضعفين (( وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارق الأرض ومغاربها )) سورة الأعراف.

ولكن لهم آماد تجري، وسنن تمضي (( فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا )) سورة مريم .

وكما قال أبو تمام:

وما من شدةٍ إلا سيأتي لها// من بعد شدتها رخاءُ !

وثمة وسائل وطرق، منحها الله تعالى لأهل الإيمان يدرؤون بها غمتهم وحزنهم، وكما قال موسى عليه السلام (( عسى ربكم أن يُهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظرَ كيف تعملون )) سورة الأعراف .

ومن ذلك :

١/ الاستعصام الإيماني: فبه الوقود المتجذر، والقاعدة الصلبة، والتدفق الحيوي الذي يبعث النفس على العمل والتحرك والانطلاق، ويقيها مغبة الضعف والانهيار والإحباط ، قال تعالى (( وكان حقا علينا نصر المؤمنين )) والمؤمنون أناس صح دينهم، واكتمل يقينهم، ولم تحترقهم الهواجس ولا الأراجيف (( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كُنتُم مؤمنين )) سورة آل عمران .

٢/ الدعاء الصادق : مستمسك إيماني ورحمة إلهية، وعُدّة مذخورة، تورث الفتح، وتعلي الهمة، وتخرق التحديات (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )) سورة غافر . وصح حديث (( الدعاء هو العبادة )) وقال في دعائه: (( اللهم منزلَ الكتاب ومجريَ السحاب وهازمَ الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم )) كما في الصحيح .

٣/ العمل الدعوي: لا تنقطع المسيرة، ولا يوقف العمل، بسبب حزن جثم، او غاشم غلب، أو محنة وقعت،،! بل نجتهد ونجاهد، وندفع وندافع ، وكذا هي الحياة (( وجاهدوا في الله حق جهاده )) سورة الحج . وبرغم مآسي المسلمين الفائتة لم يدع العلماء تدريسهم، ولا الدعاة وعظهم، ولا الشعراء حفزهم، ولا القضاة دورهم، وكل في ثغر، يدفع وبعمل ويتحرك ..!

٤/ الإعلام التثقيفي: من خلال رسالته التنويرية والمحاطة بسياج الأمانة والدقة والموضوعية، وكشف أعداء الإنسانية، والحريات المزعومة، فقد أُتينا من أكاذيب الغرب، وترهاته التي يضحك بها على السذج والمغفلين،،! وصح ذلك حين انعدام الإعلام، واستحواذهم عليه، وأما الآن فبات لنا إعلام وطفحت التقنية وثورة الفضائيات، ونستطيع المواجهه، وغرز معالم التبيين والتصحيح .

٥/ المقالات التوعوية: أقلام ذات احتراف وعمق، ونقد وتبصير، تنساب انسيابا تشق الأفئدة، ويحدث قبولا وقناعات فريدة،،! فلا تبخل بالنصح المحقق، والكشف المدقق، معذرة إلى الله، وقياما بواجب الحق، (( لتُبينُنه للناس ولا تكتمونه )) سورة آل عمران .

٦/ التبصير الفضائي: والمعني به قنوات ذوات ميثاق شرف إعلامي، تعلن الحقيقية، وتظهر الصورة الحلية لمخدوعي الغرب، وسذج البلاد العربية، ولا تغسل أدمغتهم بمنجزات وهمية، أو تصريحات هلامية، محدودة الغاية والتأثير .

٧/ التعاون الإسلامي :توحدا وتناصحا، وتواصلا وتعاضدا، كما قال تعالى: (( وتعاونوا على البر والتقوى )) سورة المائدة . والحرص على نبذ الفرقة والاختراق والتنازع، وأن الأعداء إنما يستفيدون من ذلك الشقاق (( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )) سورة الانفال .  

٨/  التراحم المجتمعي: وهو أن يشعر المسلم بأخيه، ويتحرك لمصابه، ويغضب لأذاه، ويجود من ماله، كما قال تعالى(( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) سورة التوبة . وتحقيق مبدأ الجسد الواحد .

٩/ الإعداد الشرعي: ماديا ومعنويا وإيمانيا وفكريا وعسكريا (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) سورة محمد. وفي هذا الإعداد من الهيبة والرهبة والتلويح، وتحقيق الاستقرار ما لا يخفى على كل ذي لب .

١٠/ الثبات القلبي : ولو هزل الجسم، وارتخت الأعضاء ، حين يمتلئ بالإيمان واليقين ومحبة الله ورسوله، (( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب )) سورة ق.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الاستقامة :

‏( الشجاعة ليست هي قوة البدن

‏فقد يكون الرجل قوي البدن

‏ضعيف القلب ، وإنما هي قوة القلب وثباته ).

وإن أحدكم ليؤجر على حُزن وضعه في سبيل دينه وإخوانه، ولكننا نريد حزنا يصنع عملا، ويبعث أملا، ولا يفرق أو يوهن ويثبط، والله ناصر دينه وأولياءه ولو كره الكافرون ....!