سحور رمضان.. "طعم تاني" في القاهرة التاريخية (تقرير فيديو)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


أضواء ساطعة.. وفوانيس ضخمة موزعة على جوانب شارع "المعز" ومحيط مسجد الحسين.. زينة رمضانية بأشكال وألوان مختلفة تحلق في سماء الشوارع، وأبخرة تعم أرجاء المكان تستنشق عطرها لتفصل روحك وتأخذك إلى أجواء لم تشعر بها في مكان آخر، تلك الأجواء الرمضانية التي يتفنن بها أصحاب المحال في كل شهر رمضاني.
 
مناضد مُتراصة تملأ جانبي الشوارع، يُوضع عليها مفارش ذات الألوان المُبهجة المعروفة باسم "الخيامية"، وأكواب فارغة وإبريق مياه، وكأنها تنادي مُعلنة بدء وقت السحور، عربات تقف بجانب المناضد بعضها خاصة بالفول والطعمية، وبعضها الآخر بالبطاطس بجميع أنواعها لتحضير السحور واستعدادًا لاستقبال الوافدين.

تجهيزات السحور
يقف الرجل الأربعيني خلف عربة الفول الخاصة به مرتديًا جلبابًا فضفاضًا ممسكًا بـ"مغرفة الفول"، ليضع بها كميات من الفول في الأطباق للزبائن الذين يلتفون حول عربته، فيقول أحد بائعي الفول بمنطقة الحسين ويدعى "علي حسين": إنه يبدأ التحضير لإعداد السحور من بعد الفطور مباشرة، فيبدأ بتجهيز البطاطس المقلية بجميع أنواعها، وعمل السلطات، فضلا عن الطبق الرئيسي "الفول" المدمس والذي يستغرق وقت حوالي 10 ساعات لإعداده؛ لذا يبدأ في طهيه عقب صلاة الظهر، لكي يكون جاهزًا على السحور.

وعن التحضير للسحور يروي "حسين": "اعتادنا طوال الشهر الكريم من كل عام على إعداد الموائد بالشكل المخيمي الذي يحمل نفحات رمضانية، وتسليط الضوء على الستار الخيمية التي تكسو حوائط الساحة، مما يجذب المواطنين على السحور، ناهيك عن توفير جميع الأكلات الشعبية، لاسيما طبق الفول والطعمية اللذان يحرصون عليها في السحور".

ولفت "حسين"، إلى أن الإقبال على السحور هذا العام أكثر من السنوات السابقة، ويجمع جميع الطبقات الاجتماعية، ومختلف المحافظات الذين يتوافدون على زيارة الحسين ويستمتعوا بالسحور فيه بصحبة أسرهم وأصدقائهم، ما جعله موسم رزق لنا، موضحًا أن شهر رمضان يعتبر موسم لبائعي "الفول" المدمس بشكل عام، ولكن في منطقة الحسين والمعو بشكل خاص، نظرًا للإقبال الشديد على هذا المناطق.

الفول طبق رئيسي في السحور
بينما يروي "فرج عبد الحي"، صاحب عربة فول بمنطقة المُعز، بصوت يملؤه الفرحة من الإقبال عليه خلال الموسم الرمضاني موضحًا أن "الفول" الوجبة الرئيسية للمصرين بشكل عام حتى في الأيام العادية، وأن أغلبية الناس يلتزمون به في وجبة السحور، و"الإقبال على الفول في بداية رمضان بيبقى كبير جدا، لكن مع مرور أول عشر أيام يبدأ الإقبال يقل، لكن الأجواء الرمضانية والسهر بيفضلوا للصبح".

ولكن كالعادة الحزن يسود الفرحة لدى المصريين، فيقول ارتفاع سعر "الفول"، أثّر بالسلب علينا، حيث تأثر "الفول" بالأسعار مثل جميع السلع فوصل سعر أجولة الفول الواحدة 250 جنيهًا بعدما كانت تصل إلى 125 جنيهًا؛ لكن الذي غطى على ارتفاع الأسعار الإقبال على الفول في وجبة السحور، لاسيما في شار المعز، واصفًا الوضع "الحالة منتعشة طوال الشهر.. يارب يديمه على طول".

ووسط بهجة مقاهي المعز لدين لله الفاطمي خلال الساعات المتأخرة من الليل نرى الأسر المصرية تملأ مناضد التي يفترشها أصحاب الكافيهات الموجودة في أركان شارع المعز استعدادًا لتناول السحور، فضلاً عن تواجد الأطفال وحرص آبائهم على المزج بين الحفاظ على الترابط الأسري والإستمتاع بالأجواء الرمضانية المعتادة و بين التعرف على جزء من تاريخ مصر الإسلامي.


توارث العادات الرمضانية القديمة
وهو ما أكدته صهيلة محمود، أحد المترددين على أحد الكافيهات في منطقة المعز، قائلة: "السحور في المُعز عادة رمضانية وضمن طقوسنا التي اعتدنا عليها، فنأتي من بعد الفطار لنستمتع بالعزف القديم لأحد الأغاني التراثية على العود، والاستمتاع بالأجواء الرمضانية، ولتبادل أطراف الحديث والتسامر والتمتع بمشروبات رمضان الخاصة به.

فيما عبرت نهى عبد العليم، موضحة: "منذ طفولتي كان والدي يصطحبني لتناول السحور في الحسين، وكان دائما يحرص على الحفاظ على تلك العادة"، مشيرة إلى أنه كان يوصيهم بغرز تلك العادة في أبنائهم فيما بعد، وعندما تزوجت قررت فعل ذلك مع أولادها وأنها بالفعل كل عام تحرص على المجيء إلى المعز لتناول السحور، ولاقت تلك العادة استحسان من قبل الأبناء بل يطلبون ذلك من أنفسهم.

"بهجة رمضان في مقاهي المعز.. بترجعنا لأيام زمان"، بهذه الكلمات عبر أحمد يوسف، أحد المواطنين، عن الاستمتاع بالسحور في منطقة المعز، قائلًا: "تعودت مع حلول شهر رمضان كل عام المجىء إلى منطقة الحسين والأزهر وشارع المعز، مع أسرتي، للتجول في القاهرة القديمة، وتعريف أولادي بتاريخ أجدادهم، وفي ذات الوقت نستمتع بالعروض الفنية التي تقام فى الشارع ليلاً خلال الشهر الكريم، وبعدها نستمع بالسحور وسط التواشيح والأجواء القديمة الذي كنا نعيشها زمان.. هنا فعلاً فرحة رمضان اللي فقدنها".

ورغم الزحام الشديد الذي يسود المنطقة، إلا أن بعض الوافدين يجدوا فرحتهم الرمضانية في إمضاء معظم وقتهم في بشارع المعز: "رمضان بتاع زمان مش موجود غير بالأماكن الإسلامية القديمة، كشارع المعز، والحسين، واعتادنا على اللقاء هنا بعد صلاة التراويح ..نتسحر طبق الفول .. ونتسامر لحد الصلاة الفجر".