فقه النشاط والكسل

إسلاميات

فقه النشاط والكسل
فقه النشاط والكسل - أرشيفية


قد يجد الإنسان استغرابا في نفسه عند الحديث عن (فقه النشاط والكسل)، وأن الظاهر أن لا علاقة بينهما، ولكن الذي يبدو أن هناك ارتباطا بين كل من النشاط والكسل وبين الفقه وذلك من عدة أمور، من أهمها:

الأمر الأول: مجال الفقه

الفقه يرصد حركة الإنسان وأفعال الناس رصدا من حيث الحكم عليه باعتبار أن موضوع الفقه هو فعل الإنسان، وأن هذا الحكم يشمل الفعل، وهو هنا النشاط، ويشمل الترك، وهو هنا الكسل، فالفعل والكسل من مجالات الفقه، ومن حيث التوجيه والدافعية؛ باعتبار الفقه محركا للسلوك البشري نحو المصالح والمنافع من ناحية، ودرء المفاسد والتحصن منها من ناحية أخرى.

الأمر الثاني: دلالات الفقه

ذلك أن الفقه في الإسلام لا يتوقف عند حد بيان الحكم الشرعي في فعل الإنسان وتركه، بل له مدلول أوسع من طبيعة الفهم والتعمق في إدراك المعاني الخفية، والغوص في أسرار الأشياء، والوقوف على عللها، ومعرفة مقاصدها وحكمها، وحين قصر المسلمون الفقه على حدود معرفة الحكم الشرعي؛ أصيبت حياتهم بالشلل، وحضارتهم بالعطب، وعقولهم بالبلادة، وتأخروا عن مسايرة الركب وهم مطالبون ليس فقط بالمسايرة بل بالتقدم والتميز، وقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم منهجا للمسلم في إدراكه لحركة الحياة بقوله ” إن الله يحب لكم معالي الأمور ويكره لكم سفاسفها”، ويؤكد على المعنى ذاته بقوله صلى الله عليه وسلم:” إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى”، فنحن بحاجة إلى إعادة الفقه إلى معناه العام، ويكون فقه الأحكام أحد أنواع الفقه، بل يطلب أن نولد للفقه معاني جديدة بناء على عصرنا ومعاشنا، لنجمع بين كل قديم صالح وجديد نافع.

الأمر الثالث: حركية الفقه

إن الفقه له التصاق بحركة الحياة، فمجالات الفقه هي مجالات الحياة كلها، السياسية والاقتصادية والفنية والتكنولوجية وفي كل ما يتعلق بمصالح الإنسان في المعاش والمعاد، كما أن له تعلقا بالعبادات من حيث صلة العبد بربه، وصلته بنفسه، وصلته بغيره؛ أفرادا وجماعات، مسلمين وغير مسلمين، وحين ندرك أن الكسل والنشاط هما صفتان للفعل الإنساني تدخل في كل مجالات الحياة التي هي مجالات الفقه، ندرك العلاقة بين الكسل والنشاط من زاوية وبين الفقه من زاوية أخرى.

الأمر الرابع: التوجيه الفقهي

فالفقه موجه لتصرفات وسلوك الإنسان، وهو التوجيه لابد معه من بيان بعض الطرق التي يمكن من خلالها أن يستقيم فعله، ويدله على المحركات لتلك التوجيهات والتصرفات، ومن تلك المحركات: النشاط والكسل.

تعريف النشاط والكسل

قال المناويّ: الكسل: التّغافل عمّا لا ينبغي التّغافل عنه ولذلك عدّ مذموما  وضدّه النّشاط. [التوقيف ص:281]، فغالب من عرف النشاط أنه ضد الكسل، وقد قيل: وبضدها تتميز الأشياء، ذلك أن النشاط والكسل وجهان لعملة واحدة.

أقسام النشاط والكسل

ينقسم كل من النشاط والكسل إلى قسمين، فهناك نشاط العقل وكسله، وهناك نشاط البدن وكسله، فيكون مجموعهما قسمان على الإجمال، وأربعة على التفصيل، ولا شك أن نشاط العقل وكسله أعلى رتبة من نشاط البدن وكسله، إذ الثاني مرتب على الأول، ولا يتم الثاني إلا بوجود الأول، فهو علته وشرطه.

الحكم الشرعي للنشاط والكسل

الأصل أن النشاط مشروع والكسل ممنوع، وذلك أن النشاط من فطرة الإنسان، والكسل من فطرة الحيوان، والدليل على أن الأصل في الكسل المنع أنه جاء مذموما في القرآن، كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء: 142]، وفي الحديث عن المنافقين أيضا: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة: 54]، وقوله: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} [التوبة: 38].

وفي صحيح مسلم: ” اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل”، وفي الحديث عند أبي داود:” الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي الّتي تليها، ويد السّائل السّفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك”.

و قال الرّاغب في الذّريعة ص 383 وما بعدها: ” من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانيّة، بل من الحيوانيّة، وصار من جنس الموتى، وحقّ الإنسان أن يتأمّل قوّته ويسعى بحسب ذلك إلى ما يفيده السّعادة، ويتحقّق أنّ اضطرابه (أي نشاطه) سبب وصوله من الذّلّ إلى العزّ، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الضّعة إلى الرّفعة، ومن الخمول إلى النّباهة، وعليه أن يعلم أنّ من تعوّد الكسل ومال إلى الرّاحة فقد الرّاحة (فحبّ الهوينى يكسب النّصب) ، وقد قيل: إذا أردت ألّا تتعب، فاتعب لئلّا تتعب، وقد قيل (أيضا) إيّاك والكسل والضّجر فإنّك إن كسلت لم تؤدّ حقّا، وإن ضجرت لم تصبر على الحقّ، وإذا تأمّلت قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «سافروا تغنموا» ونظرت إليه نظرا عاليا علمت أنّه حثّك على التّحرّك (أي النّشاط) الّذي يثمر لك جنّة المأوى، ومصاحبة الملإ الأعلى بل مجاورة الله تعالى”. ا. هـ

كما جاءت النصوص تحث على النشاط، من ذلك قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133]، ووصف عباده المؤمنين بقوله: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]، وفي الحديث من أفراد مسلم: “بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا “.

والأصل في النشاط أنه مشروع في الشريعة من جهة الطلب، سواء أكان ذلك الطلب طلب إلزام فيكون فرضا واجبا، أو طلب حث غير ملزم فيكون مندوبا مستحبا، أو أن الشارع يبيح للإنسان أن ينشط أو يكسل، فيكون النشاط مباحا.

والأصل في الكسل أنه مطلوب الترك، سواء أكان طلب الترك على سبيل اللزوم، فيكون الكسل حراما، أو طلب ترك غير لازم فيكون مكروها، وقد يتساوى الكسل والنشاط، فيكون الكسل مباحا.

ولكن لما كان النشاط والكسل وجهين لعملة واحدة، فإن كلا منهما يأخذ الأحكام الخمسة، فقد يكون النشاط واجبا، أو مندوبا أو محرما، أو مكروها أو جائزا، وكذلك الكسل قد يأخذ واحدا من هذه الأحكام الخمسة.

فالنشاط الذي يؤدي إلى فعل الواجبات العينية بحدودها وشروطها، بحيث إن غاب النشاط فات الإنسان فعل الواجب؛ كان النشاط واجبا، كالنشاط إلى أداء الصلاة في الواجب المعين الذي إن تكاسل فيه الإنسان خرج وقت الصلاة، أو النشاط في أداء الزكاة عند بلوغ الحول والنصاب، أو النشاط في العمل الواجب الذي يتقاضى عليه الإنسان أجرا ونحو ذلك.

ويكون النشاط مستحبا في الأفعال المستحبة، كالنشاط في حصور صلاة الجماعة، والنشاط في صيام النوافل، والنشاط في التصدق على الفقراء، والنشاط في عون المحتاج، والنشاط في صلة الأقارب، والنشاط في قيام الليل، والنشاط في طلب العلم وغير ذلك.

وقد يكون النشاط محرما، وهو أن ينشط الإنسان في فعل المحرمات صغيرها وكبيرها، كما قال تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ } [آل عمران: 176]، وقال في ذم أهل الكتاب: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 62]

وقد يكون مكروها، كالنشاط في فعل المكروهات.

والنشاط المباح هو ما كان في مجالات الإباحة خاصة في الأفعال الجبلية التي يشترك فيها غالب الناس كالأكل والشرب والنوم وغير ذلك.

وكل نشاط واجب فالكسل فيه حرام، وكل نشاط مستحب، فالكسل فيه مكروه، وكل نشاط حرام فالكسل فيه واجب، وكل نشاط مكروه فالكسل فيه مندوب، وكل نشاط مباح فالكسل فيه مباح أيضا.

وقد يذم ما أصله مباح إن كان يؤدي إلى مضرة، كما جاء في ذم الشبع من المأكل والمشرب، رغم أن الأكل والشرب من المباحات في الأصل، لكن ذم الشبع فيهما؛ لأنه يروث الكسل عن العبادة والواجبات.

ومن هنا، يكون الفقه معيارا للنشاط والكسل، بناء على فهم مقاصد كل فعل أو ترك يصحبه نشاط أو كسل، مما يعني حاجة الإنسان إلى عقل الفقه بمدلوله الواسع ليصحبه في تفكيره قبل تدبيره، وتأصيله قبل تنزيله، وتحكيمه قبل تطبيقه.

ومن الفقه في النشاط والكسل تقديم أمر الآخرة على الدنيا،  قال ابن الجوزي في صيد الخاطر (ص: 411): همة المؤمن متعلقة بالآخرة، فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة، وكل من شغله شيء، فهمته شغله.

ألا ترى أنه لو دخل أرباب الصنائع إلى دار معمورة، رأيت البزاز ينظر إلى الفرش، ويحزر قيمته، والنجار إلى السقف، والبناء إلى الحيطان، والحائك إلى النسج.

أسباب الكسل

من فقه النشاط والكسل أن يعرف الإنسان أسباب ذلك، حتى يطور نفسه من السيء إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن،  حسن إلى أحسن، ومن أهم أسباب الكسل:

أولا- الكبر:

فالكبر يدفع صاحبه إلى التواكل والركود إلى ما أتى من عمل، وهو في ذلك يرى نفسه من المحسنين بفعله، وأنه قد ضمن مكانة عند الله وعند الناس، فلا يراجع نفسه في عمله، ولا يطور من أدائه، بل يكسل عن تحسين أدائه، والأمر كما قال الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار (4/ 240):

إن الذين استولى عليهم الغرور يفرحون، ويبطرون بكل عمل يعملونه، ويرون أنه منتهى الكمال، فلا تنشط هممهم إلى طلب المزيد، والمسارعة في الخيرات، ولا يقبلون الانتقاد على التقصير. اهـ

ولو علم أولئك المغرورون حقيقة أمرهم ما استكانوا عن فعل الخيرات، ولسارعوا إليها، بل إنهم يسارعون في الخيرات وهم وجلون أن لا يتقبل الله منهم، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [المؤمنون: 60، 61]، وعلى ذلك الكسول فإن المسلم الحق لشدة خوفه تراه نشيطا في فعل الخيرات يسارع في أدائها خشية أن يدركه الموت دون أن يكون رصيد كاف عند ربه من الحسنات والأعمال الصالحة.

ثانيا- غياب الأهداف والمقاصد:

إن مما يصيب الإنسان بالكسل والفتور أن لا يكون مدركا لغايات حياته ومقاصدها، بل يعيش حياة أشبه بالحيوانية، فلا هم له إلا ملذات الحياة، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ } [محمد: 12]

إن المسلم يؤمن أن وجوده في الحياة له غايات عظمى، وأهداف نبيلة، يسعى إلى تحقيقها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]، وإن كان هذا ينطبق على الغايات العظمى كمقصد وجوده وخلقه، فإنه – أيضا- ينطبق على كل سلوك يفعله الإنسان، وكل أمر يأتيه، فينظر قبل فعله ما المقصود منه، فإن حضور مقصد الفعل في العقل، واستقراره في القلب لهو من أشد طرق طرد الكسل واستدعاء النشاط.

ثالثا- الإحباط واليأس:

ومما يجعل الإنسان يكسل عن أداء الواجبات وفعل المحبوبات في أمري الدنيا والآخرة أن يكون محبطا يائسا، لا يرجو خيرا، ويغلب الشر على الخير، وينتظر السوء على الحسن، ولهذا كان خطاب القرآن حاسما في طرد اليأس والإحباط من حياة المسلم، كما قال تعالى على لسان يعقوب عليه السلام مخاطبا أبناءه: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، ومن عجيب القرآن أنه قرن بين اليأس والكفر، وجعل اليأس من صفات الكافرين، وهو أسلوب يحمل في طياته التنفير الشديد الذي يجعل المسلم يحرم اليأس على نفسه لا يتسلل إليه ولا يعرف إليه طريقا.

إن الأمل من الصفات المحمودة في حياة المسلم، وإن إحسان الظن بالله تعالى من أجل عبادات القلوب، كما جاء في الحديث القدسي عند البخاري ومسلم:” أنا عند ظن عبدي بي “.

رابعا- كثرة المعاصي:

ومن أهم أسباب الكسل كثرة المعاصي، فإن المعاصي تميت القلوب، وإذا مرض القلب كسلت الجوارح عن فعل الطاعات وما فيه صالح للإنسان في حياته.
فللمعاصي تأثير ظاهر على جسد الإنسان، ذلك أن النشاط والقوة يتعلقان بالروح أكثر من تعلقهما بالجسد، فحين يكثر الإنسان المعصية لا يجد في نفسه القوة والنشاط للطاعة، وكلما كثرت طاعات الإنسان سهل عليه فعل الأمور، ولا يجد الكسل إلى نفسه طريقا، وبيان ذلك في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175، 176]

و كما قال القائل: إذا كانت النفوس كبارا… تعبت في مرادها الأجساد

آثار النشاط والكسل

يترتب على كل من النشاط والكسل آثار تكون موجهة ودافعة لاتخاذ الإنسان موقفا من النشاط والكسل، ذلك أن من وهبه الله فقه النشاط سارع إلى الخيرات، فلا يكسل في أدائها، ولا يقصر في حقها، بل من همته أن يزيد منها، فلا يقنع بالواجب المطلوب، بل تقرب بالنوافل طلبا لمرضاة علام الغيوب، وجمعا في جنة الخلد، فنفسه إلى الدنيا لا تخلد، بل للآخر تحفد.

وذلك بخلاف الكسول، فتراه مقصرا في الواجبات، معرضا عن النوافل والمستحبات، مفتقدا في الصالحات.

وقد ورد عن خالد بن مَعدان رحمه الله، قال: إذا فتح أحدُكم باب خيرٍ فليُسرع إليه، فإنه لا يدري متى يُغلقُ عنه.

هذا في أمر الآخرة، أما في أمر الدنيا، فهو أيضا كسول عما يجب عليه الأداء، بل تراه لاهيا عن القضاء بعد ترك الأداء، وهو كذلك في أمور الدنيا من الخاسرين، فلا على الآخرة أقبل، ولا على الدنيا استحوذ، بطال كما وصفه عمر، لا في أمر الدين، ولا في أمر الدنيا.

ومن آثار النشاط أن صاحبه محبوب عند الله تعالى بطاعاته ومسارعته للآخرة، محبوب عند الناس لمسارعته في خدمتهم، وأداء مصالحهم، يبتغي بذلك الله والدار الآخرة، أما الكسول، فهو مذموم عند الله، مذموم عند الناس، وذلك الكسول هو شر الناس، فلا هو ينفع نفسه، ولا ينفع غيره، ولا في طاعة الله قائما، ولا في خدمة نفسه والناس عاملا.

وصاحب النشاط مدرك لأهدافه في الحياة، يتنقل من نجاح إلى نجاح، ومن تفوق إلى تفوق، فهو لمقاصد الدين والدنيا مدرك، أما الكسول فهو من إخفاق إلى إخفاق، حاله كحال من يقول: لا أدري من أين أتيت، ولا أين المسير؟ فهو متخبط على كل حال.

وإن كان من كسب حقيقي لصاحب الهمة والنشاط، فهو النشاط في عمل الصالحات، وإن كان من خسارة لصاحب الكسل، فيكفيه خسارة إصابته بالكسل، فلا تراه نافعا  في الدنيا ولا في الآخرة. قال أبو محرز رحمه الله: كلف الناس بالدنيا ولن ينالوا منها فوق قسمتهم، وأعرضوا عن الآخرة وببغيتها يرجو العباد نجاة أنفسهم.

 فالعاقل من نشط في الطاعات والصالحات، وأعرض عن المحرمات والمهلكات، وخير الناس من جمع النشاط في أمري الدنيا والآخرة، وشر الناس من نشط في المحرمات وكسل عن الطاعات.