د. رشا سمير تكتب: لا كرامة لطبيب فى وطنه!

مقالات الرأي



احتدمت الأزمة واشتدت وطأتها.. وقامت الدنيا.. واحتج أصحاب الرأى.. فهلل المستفيدون.. وتضامن المحترمون.. والنتيجة.. لا شىء حتى الآن!.

أتحدث اليوم عن واقعة تعدى أمناء الشُرطة على أطباء المطرية.. الأمر الذى وصل إلى حد تدخل البرلمان لدرجة جعلت أحد النواب المحترمين يقوم بجمع توقيعات لفرض الحراسة على نقابة الأطباء!.. وتبدأ الحرب الشرسة ضد الأطباء وعلى الصعيد الآخر تنهال التويتات المُغرضة ضد الشرطة وفسادها..

الحقيقة أن المشكلة ليست أطباء بنها أو طنطا أو المطرية.. المأساة الحقيقية هى كيف وصل الحال بالأطباء فى مصر إلى هذه الدرجة من الإهانة والامتهان؟..

الطبيب يا سادة شخص، أقسم يمينا أمام الله بأن يحافظ على أرواح البشر ويحفظ أسرارهم ولا يتوانى للحظة فى تقديم خدماته ليخفف آلامهم.. غير آبه بالعبء ولا بالوقت ولا بضآلة المرتب..

الطبيب يا سادة شخص، يقضى حياته دارسا باحثا من أجل أن يُصبح قادرا على تقديم العلاج الأفضل.. مواطن لا يعود إلى بيته ولا يرى أبناءه ولا يجد متسع من الوقت ليستمتع بحياته مثل باقى البشر..

الطبيب يا سادة هو إنسان يتخرج بعد سنوات من العناء والتحديات العلمية لينكب على الدراسات العليا ويبدأ السلم من البدروم!.. فى حين يتخرج زملاؤه من الكليات الأخرى ويعملون بمرتبات تصل إلى الألوفات، يحصل هو على أساسى مرتب قدره 257 جنيها!.. بل ويقوم بأضعاف المجهود الذهنى والبدنى الذى يقوم به أصدقاؤه..

نعم قد يُقصر البعض.. ويخطأ البعض.. وأحيانا يُلغى البعض ضمائرهم.. وفى هذه الحالة لا يجوز للمجتمع أن يرحمهم. بالمثل عندما أخطأ أطباء مستشفى رمد طنطا وتم حقن المرضى بمادة أدت إلى فقدانهم البصر، أصبح لزاما علينا أن نحاسبهم، لو ثبت تقاعسهم، فالمخطئ يجب أن يُحاسب مهما كانت وظيفته.. لأن المسألة ليست مسألة طبيب، بل هى مسألة إنسان.

أما أن يكون رد فعل وزير الداخلية أن يقوم بالاعتذار للأطباء باستعلاء غير مبرر، فهو مع كامل احترامى رد فعل ليس على مستوى الموقف المتأزم..

كان الأحرى بعد أن خرجت فيديوهات مصورة وشهادة شهود عيان تؤكد واقعة الإعتداء وتدين أمناء الشرطة.. كان يجب أن تتم معاقبتهم بالرفد من وزارة الداخلية وإصدار بيان محترم لتوضيح الموقف وإجبارهم على الاعتذار.. فأمناء الشرطة كانوا ولازالوا نقطة ضعف الداخلية بتصرفاتهم وبلطجتهم وفرضهم الإتاوات على المواطنين..

وهنا يستوقفنى أيضا غرابة رد فعل وزير الصحة كمسئول فى الدولة، تعقيبا على حادث فقدان مرضى رمد طنطا أبصارهم قائلا: «أنا مش مبسوط من مدير المستشفى وليا وقفة معاه.. واللى حصل ده حاجة تحزن ومش حاقول إنى مبسوط!».

ويعقب على حادث المطرية قائلا: «إن كليات الطب بمصر تخرج 9 آلاف طبيب سنويًا، 8 آلاف منهم لا يستطيعون ممارسة المهنة بالمعلومات التى حصلوا عليها فى كلياتهم، حيث لا توجد لهم برامج تعليمية ولا يجدون من يعلمهم!»

الحقيقة عذر أقبح من ذنب.. فسيادة الوزير (مش مبسوط) لأن الناس اتعموا!.. وسيادة الوزير أيضا يرى أن أساتذة الطب فى مصر فاشلون لأنهم لا يجدون ما يدرسونه للطلبة وإن وُجد فهم لا يستطيعون تدريسه!..

أعتقد أنه آن الأوان لإعادة النظر فى الكثيرين من وزراء حكومة شريف إسماعيل.. حتى تخرج تصاريح المسئولين مستقبلا على قدر الحدث، وكى لا تتحول إلى نكات يتشدق بها الناس على مواقع التواصل الاجتماعى!

الحقيقة أن العنوان العريض لتلك المآسى هو احترام آدمية المواطن.. بغض النظر عن كونه طبيبا أو أمينا أو رجل شارع بسيطا..

إن الشرخ الذى يتسع بين الشعب والداخلية سببه قلة غير متزنة تُفسح مجالا لأعداء الوطن كى ينفخوا فى الكير فتشتعل النيران ولا تهدأ، وتصريحات الناشطين على الفيسبوك والتويتر تؤكد كلامى.. إنهم يروجون لمخالفات الداخلية من جديد.. ولكن هذه المرة الوضع مختلف.. فالشعب يعى قيمة الداخلية ويقدر دورها..

ولكن مع سياسة المداراة ومحاولة التستر على المتطاولين من الأمناء والضباط حتما سيتسع الشرخ من جديد..

أنا مع الوقفة التضامنية التى سوف يقوم بها الأطباء وأنحنى احتراما لموقف نقيب الأطباء ود.منى مينا على تضامنهم ووقوفهم فى ظهر أبناء نقابتهم.. وأنا أيضا مع احترام آدمية البشر.. وأخيرا، أنا مع عودة مصر التى يصطف فيها الجميع صفا واحدا متساوين فى الحقوق والواجبات..